كتب المحرر السياسي:

بخطاب يمزج بين المسيحية والأمومة والوطنية، تمتطي جورجيا ميلوني موجة شعبية يمكن أن تجعلها، بعد الانتخابات العامة التي تجري اليوم الأحد، أول رئيسة وزراء إيطالية، وأول زعيم من أقصى اليمين يتولى المنصب منذ الحرب العالمية الثانية.

وعلى الرغم من أن حزبها «إخوة إيطاليا» لديه جذور من الفاشية الجديدة، فقد حرصت ميلوني على تبديد المخاوف بشأن إرثه، وقالت إن الناخبين تعبوا من مثل هذه المناقشات، لكن ما زالت هناك علامات قلق، فمثل هذا الإرث لا يمكن تبديده بسهولة، فشعار حزبها يشمل شكل الشعلة الثلاثي الألوان، وهو مستمد من الحزب الفاشي الجديد الذي تشكل بعد وقت قصير من نهاية الحرب العالمية الثانية.

قرن على موسوليني

إذا اكتسح حزب «إخوة إيطاليا» في انتخابات اليوم، وأصبحت ميلوني البالغة من العمر 45 عاماً رئيسة للوزراء، فإن ذلك سيأتي بعد 100 عام من الشهر الذي صعد فيه بينينو موسوليني، دكتاتور إيطاليا الفاشي، إلى السلطة في أكتوبر/تشرين الأول 1922.

وفي عام 2019 قدمت ميلوني بفخر كايو جويلو سيزار موسوليني حفيد الدكتاتور كأحد مرشحيها لعضوية البرلمان الأوروبي، لكنه خسر في نهاية الأمر. وبالنسبة إلى معظم الناخبين الإيطاليين، فإن المسائل حول الحركة المضادة للفاشية والفاشية الجديدة، ليست محركاً أساسياً للتصويت من عدمه، كما يقول لوريزو بريجياسكو، رئيس شركة يوتريند للاستطلاعات «لا يرون ذلك كجزء من الحاضر؛ بل يرونه كجزء من الماضي».

محافظة لا متطرفة

ميلوني، حاسمة تجاه القلق الدولي حول احتمالية أن تصبح رئيس وزراء، وتفضل مصطلح «المحافظة» بدلا من «أقصى اليمين» لوصف حزبها. وصورت تسجيل فيديو بالإنجليزية والفرنسية والإسبانية تقول فيه إن اليمين الإيطالي جعل الفاشية في ذمة التاريخ منذ عدة عقود.

قبل خمس سنوات مضت، فإن حزب «إخوة إيطاليا»، الذي استمد اسمه مستلهماً الكلمات الافتتاحية للنشيد الوطني، كان ينظر إليه على أنه قوة هامشية، وفاز ب 4.4 % من الأصوات في الانتخابات. أما في الفترة الأخيرة، فإن الاستطلاعات تشير إلى أنه يمكن أن يأتي في الصدارة وأن يحصل على 24 % من التأييد الشعبي، متقدماً على الحزب الديمقراطي (يسار الوسط) الذي يتزعمه رئيس الوزراء السابق انريكو ليتا بين عامي 2013 و2014.

تحالف اليمين القوي

في إطار النظام الانتخابي الإيطالي المعقد، الذي يعتمد جزئياً على النسبية، فإن التحالفات هي التي تدفع قادة الأحزاب إلى رئاسة الوزراء، وليس الأصوات فقط. وقام سياسيو الجناح اليميني بعمل جيد جداً هذا العام. فقد تحالفت ميلوني مع حزب «الرابطة» من الجناح اليميني بقيادة ماتيو سالفيني، الذي بفضل مثلها القضاء على الهجرة غير الشرعية. وحليفها الانتخابي الآخر، هو حزب «فوزوزا إيطاليا» (يمين الوسط) لرئيس الوزراء الأسبق سيلفيو برلسكوني.

في العام الماضي، كان حزب ميلوني «إخوة إيطاليا»، الوحيد الذي رفض الانضمام إلى حكومة الوحدة الوطنية ضد الجائحة بقيادة رئيس الوزراء ماريو دراغي، الرئيس السابق للبنك المركزي الأوروبي. وفي يوليو الماضي، انهارت حكومة دراغي بعد ابتعاد سالفيني. أما برلسكوني وزعيم خمس نجوم جوسيبي كونتي، وكلهم كانوا منزعجين من الحظوظ المتدنية لأحزابهم في استطلاعات الراي والانتخابات المحلية. ويقول الشريك المؤسس لمؤسسة «يو تريند» لاستطلاعات الرأي لورينزو بريجلياسكو إن ميلوني في استطلاعات الراي العام، تحظى بتقدير، لأن لها مقاربة سياسية مثابرة ومتماسكة ولا تساوم. وأضاف: «ينظر إليها كقائد لديه أفكار واضحة، حتى ولو لم يكن الجميع يتفقون مع هذه الأفكار بالطبع».

متماسكة ولا تساوم

اعتذرت ميلوني، عن النبرة، لكن ليس المحتوى في كلمة صاخبة أدلت بها في يونيو الماضي، في إسبانيا لتصعيد التأييد لحزب «فوكس» أقصى اليمين: «سيقولون إننا خطيرون متطرفون عنصريون فاشيون، ناكرون للمذابح، قالت ميلوني بصوت صاخب في إشارة واضحة إلى ناكري «الهولوكوست».

وأنهت كلمتها بخلاصة من الشعارات الزاعقة: «نعم للأسر الطبيعية.. لا لجماعات الضغط للشاذين.. نعم للهوية الجنسية لا لأيديولوجية النوع (الجندر)». وهاجمت ميلوني البيروقراطيين في بروكسل و«الأصوليين من دعاة التغيير المناخي». وادعت ميلوني، التي لديها ابنة شابة، أن «خطها الأحمر» هو الأسرة والمرأة والأمومة. وحذرت من تناقص معدل المواليد، الذي كان سيكون أقل من دون النساء المهاجرات اللائي ينجبن أطفالاً.

محبوبة جماهيرياً

في حملة لأنصار أقصى اليمين في روما في 2019، استقطبت ميلوني، صرخات القبول عندما صرخت وهي تقول: «أنا جيورجيا..انا أم..أنا إيطالية..أنا مسيحية. لا يمكنكم أن تنزعوا ذلك مني». وخلال أيام أصبح تصريحها جزءاً من أغنيات الراب الشعبية، على الرغم من أن البعض يعتقد بأن ذلك محاكاة ساخرة، وأحبت ميلوني هذه الأغنيات؛ بل وغنت مقاطع قليلة في برنامج في الإذاعة الرسمية.

حارسة الهوية والقيم

وفقاً لمذكراتها في 2021، بعنوان «أنا جيورجيا»، فإن الكثير من ذاتها تشكلت بالنشأة في حي جاربايتلا للطبقة العاملة في روما. في سن الخامسة عشرة انضمت إلى فرع الشباب في الحركة الاجتماعية الإيطالية، حزب الفاشية الجديدة، برمز الشعلة، ووزعت ملصقاته السياسية في روما العاصمة.

عندما كانت في سن الحادية والثلاثين، عينها برلسكوني وزيرة للشباب في حكومته الثالثة والأخيرة، لكنها ما لبثت أن شقت طريقها الخاص وشاركت في تأسيس «إخوة إيطاليا»، في 2012.

ويقول كل من سالفيني وميلوني، إنهما يحرسان ما يسميانه الهوية المسيحية الأوروبية. يقبل سالفيني المسابح المتدلية ويعلق صليباً كبيراً يبرز على صدره العاري دوماً، بينما يظهر الصليب الصغير الذي تضعه ميلوني أحيانا من قمصانها غير المحبوكة الأزرار جيداً.

مع وضد

حزبها يؤيد تحركات دراغي لإرسال أسلحة إلى أوكرانيا. على الرغم من أن سالفيني وبرلسكوني المعجبين بوضوح بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أرسلا إشارة تأييد خجولة. كذلك تدافع ميلوني عن حلف شمال الأطلسي بقيادة الولايات المتحدة، وعضوية بلادها في مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى. لكنها دائماً ما تنظر إلى قوانين الاتحاد الأوروبي على أنها تحد من سيادة إيطاليا.

إذا سادت قوى أقصى اليمين الحكومة الإيطالية المقبلة، هناك قلق حول دعم إيطاليا لحكومتي الجناح اليميني في هنغاريا وبولندا، لأجندتهما المحافظة بشدة، وسط مخاوف بشأن التراجع الديمقراطي، في الاتحاد الأوروبي كما يقول ريد. وتقول ميلوني إنها ستعارض بشراسة أي تحول مضاد للديمقراطية».


شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version