تحفل اللقاءات السنوية في الجمعية العامة بالمداولات الدبلوماسية والسجالات. وبين كل خطاب وخطاب، يستخدم رئيس الجمعية العامة للدورة السابعة والسبعين، تشابا كوروشي، المطرقة، التي تختزل قصصاً وحكايات، وشهدت ميلاد قرارات كبيرة، كما يقول تقرير على موقع «أخبار الأمم المتحدة».
تاريخ طويل ومشوق
وبحسب المعطيات، فإن لهذه المطرقة الصغيرة ذات الشكل غير المألوف، تاريخاً طويلاً ومشوقاً ومملوءاً بالقرارات والإنجازات على مدى سبعة وسبعين عاماً، إذ كان يحملها رئيس الجمعية بحزم من أجل أن ضبط النظام والمداخلات، باعتبار منبر الجمعية العامة أرفع منصة عالمية.
وبحسب معلومات الأمم المتحدة، فإن هذه المطرقة هي هدية من آيسلندا، التي يوجد يها ما يعرف ب«جد البرلمانات الحديثة»، حيث تعتبر الديمقراطية الآيسلندية هي الأقدم في العالم. ففي عام 930 عقدت أول جلسة برلمان في بلاد الفايكنغ. وفي منتصف القرن العشرين اقترح الآيسلنديون أن يتسلح الشخص الذي يترأس الجمعية العامة، برلمان العالم، بمطرقة آيسلندية.
وتحمل مطرقة رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة صفة غير قابلة للتصرف في الاجتماعات الرسمية للجمعية العامة، إذ يمثل صوت المطرقة إيذانا ببدء الاجتماع، أو ختامه، أو الموافقة على جدول الأعمال، أو انتخاب المسؤولين، أو اعتماد قرار، أو الدعوة إلى الصمت.
مطرقة ثور
ويطلق على مطرقة رئيس الجمعية العامة أيضاً، اسم مطرقة ثور. وعن سبب تلك التسمية يقول هجالمار هانيسون، الممثل الدائم السابق لآيسلندا لدى الأمم المتحدة «بمناسبة افتتاح مبنى مقر الأمم المتحدة الجديد المطل على ضفة النهر في نيويورك في عام 1952، أهدى الممثل الدائم لآيسلندا السيد ثور ثورز المطرقة لرئيس الجمعية العامة. وهذا هو سبب تسميتها بمطرقة ثور».
كسر المطرقة
ويضيف هانيسون أن المطرقة «ظلت في الجمعية العامة لمدة ثماني سنوات»، قبل أن يحدث ما لم يكن متوقعاً. ففي عام 1960، يقول هانيسون »«إن خبر كسر المطرقة عمّ العالم أجمع. وأضاف كسرها رئيس الجمعية العامة آنذاك، الإيرلندي فريدريك بولاند، عندما ضرب بها على الطاولة في محاولة لتهدئة الزعيم السوفييتي، نيكيتا خروشوف، ومنعه من الضرب بحذائه على الطاولة، كانت هناك ضوضاء لا تصدق في القاعة، وحاول بولاند وضع الأمور في نصابها فضرب بقوة على الطاولة بالمطرقة وكسرها»
ويضيف هاجلمار أن العديد من وفود الدول أرسلت مطارق لبولاند تضامنا معه، بعد تلكم الحادثة، لكن القرار في الأمم المتحدة كان هو الطلب من آيسلندا صنع نسخة طبق الأصل من المطرقة المكسورة. وعلى عكس النسخة الأصلية، تمكنت النسخة الجديدة من الصمود في الأمم المتحدة لمدة نصف قرن تقريباً.
قصة الاختفاء
يقول هاجلمار إن حادثة كسر المطرقة في عام 1960 لم تكن نهاية القصة، ففي عام 2005، اختفت المطرقة، ويضيف «لقد أبلغنا مسؤول كبير في الأمم المتحدة بذلك، واستجبنا على الفور بأن آيسلندا ستصنع نسخة أخرى من المطرقة، بيد سيغريدور كريستجانسدوتير، وهي واحدة من أشهر النحاتين في البلاد»، مشيراً إلى أن الحكومة طلبت من سيغريدور أخذ حادثة كسر المطرقة في الاعتبار وصنع أخرى قوية. وهو ما تم بالفعل حيث اختارت النحاتة خشب شجرة الكمثرى لإنجاز المهمة.
يشير هاجلمار إلى أن المطرقة تحتوي على عبارة «يجب بناء المجتمع على أساس القوانين» على شكل نقش مقتضب باللغتين الآيسلندية واللاتينية، مأخوذ من إحدى المخطوطات الآيسلندية القديمة التي يعود تاريخها إلى القرن العاشر، وهي الفترة التي اعتمدت فيها البلاد الديانة المسيحية، التي ساهمت وقتها «في إنهاء الصراع الداخلي وتوحيد البلاد».
وعلى غير حجم المطارق الخشبية الصغيرة التي تحتويها كل قاعة من قاعات المؤتمرات في مقر الأمم المتحدة في نيويورك، فإن المطرقة الموجودة في مبنى الجمعية العامة ضخمة ومنحوتة، أما لونها فيميل إلى البني. ومن ناحية الشكل، فإن «مطرقة ثور» لا تبدو مسالمة للغاية، فهي تجعل المرء يفكر في عصر الفايكنغ الصعب. وهو تذكير بمدى ضخامة التحول الذي شهدته المطرقة من أداة عادية يستخدمها زعيم عادي لتأديب أفراد قبيلته إلى مطرقة يستخدمها زعيم برلمان العالم.