بيروت: رامي كفوري:
من قال إن لبنان يمكن أن يسجل هدفاً في مرمى إسرائيل، ويقسم مجتمعها السياسي على أبواب الانتخابات، من بوابة ترسيم الحدود البحرية بعدما تبلغت كل من بيروت وتل أبيب بصيغة الاتفاق الذي أنجزه الوسيط الأمريكي اموس هوكشتاين؟
يرى مطلعون، أن الصيغة ضمنت حقوق لبنان وسحبت كل الذرائع التي يمكن أن يتحصن بها البعض لرفضها، فليس قليلاً أن يتم الترسيم وفق الخط 23، وأن يحصل على حقل قانا كاملاً، وأن تكون له السيادة على البلوكات 4, 9,10 بحيث يتم التنقيب والاستخراج منها من دون عوائق، علماً أن لبنان لن يتكبد فلساً واحداً في التعويض على إسرائيل، بل إن شركة «توتال» الفرنسية هي التي ستتولى ذلك، والأخيرة هي التي ستقوم بالتنقيب. إلى ذلك، فقد أحرز لبنان نقاطاً لمصلحته منها عدم الربط بين الحدود البرية والبحرية، وهذا يعني أن هذين الملفين سيكونان منفصلين، وبالتالي فإن لكل منهما حيثياته وإحداثياته، وآلياته، وخرائطه، ولا يجوز ربط أحدهما بالآخر.
وبقي موضوع عالق يبدو أن لا أحد من الطرفين يريد أن يجعل منه عقدة في المنشار، وهو مطلب إسرائيلي بالرقابة على جزء من الحدود مجاور للخط 23 بحجة حماية المنتجعات السياحية في منطقة «روش حنيكرا».. باختصار يمكن القول: «سقط خط هوف، عاش اتفاق هوكشتاين».
ومما يشار إليه أنه يبدو أن هناك توافقاً لبنانياً على القبول بمسودة هوكشتاين، خصوصاً من القوى السياسية المؤثرة، ومن النادر أن تجد «حزب الله» و«القوات اللبنانية» و«الحزب التقدمي الاشتراكي» تتقاطع حول تأييد أمر حيوي، كما يحصل اليوم بالنسبة إلى ترسيم الحدود، وذلك بصرف النظر عن التفسيرات المتناقضة التي تعطى في شأن موقف هذا الفريق أو ذاك من الاتفاق، إنما المهم عدم وجود ما يعيق الوصول إلى التفاهم.
حذر لبناني
لكن الجانب اللبناني المتفائل، والمائل إلى قبول عرض هوكشتاين، لم يسقط موجب الحذر، فنائب رئيس المجلس النيابي إلياس بوصعب، المكلف من قبل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بمتابعة الملف مع الوسيط الأمريكي اموس هوكشتاين، والذي زار نيويورك والتقى الأخير لهذا الغرض، قال: «نفتخر أن الموقف اللبناني موحد. وهذا عامل قوة لصالح لبنان. طوال فترة التفاوض والفريق التقني وحّد كل الملاحظات لرفع تقرير قريب كرد على عرض الوسيط الأمريكي الأخير».. وفيما أصبح الرد اللبناني في متناول هوكشتاين يوم الثلاثاء الماضي 4 تشرين الأول / أكتوبر الجاري، فإن بوصعب رأى أن «الشياطين التي تكمن في التفاصيل باتت صغيرة جداً». وأوضح أنه إذا أُخذ بالملاحظات التي اتفق عليها الجانب اللبناني، فإن التوقيع سيكون مسألة أيام لا أسابيع، وإن المناطق المتنازع عليها ستظل كذلك حتى يبت في شأنها..
وفيما أشار بوصعب إلى ما حرص عليه هوكشتاين في ورقته ضماناً للتوقيع وسرعة البت، وذلك بعدم الضغط على الجانب اللبناني كي يوقع اتفاقاً أو معاهدة مع إسرائيل تحت أي عنوان ومسمى، فإنه أعلن أن ثمة ترتيبات يجري الاتفاق عليها مع الجانب الأمريكي حول كيفية التوقيع وآلياته، والأرجح أن يوقع كل جانب الاتفاق على حدة بورقة منفصلة، مشدداً على أن إسرائيل تعرف مكمن قوة لبنان وهناك توازن في التعاطي بينها وبين لبنان نابع من وحدة الموقف اللبناني.
وقد تزامن كلام نائب رئيس المجلس النيابي مع اجتماع اللجنة التقنية الخاصة بدرس الاتفاق لجهة ما يتصل بالأمور الفنية، واللوجستية، ومدى مطابقة الإحداثيات مع النظرة اللبنانية للوقائع. وكذلك تزامن مع اللقاء الذي عقد في بعبدا الذي ضم رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، ورئيسي مجلسي النواب والحكومة نبيه بري ونجيب ميقاتي لدرس الاتفاق واتخاذ موقف رسمي منه. وقد أشار ميقاتي إلى أن هناك ملاحظات أبداها، كما بري، تم الأخذ بها من قبل اللجنة التقنية ولن تمس المسلمات والأعمدة الأساسية والأمور مبشرة، و«موقفنا موحد لما فيه مصلحة لبنان». أما الرئيس بري فكان، بعد خروجه من اللقاء الثلاثي في قصر بعبدا أكثر تفاؤلاً، إذ قال عن نتائجه: «قمحة ونص».
على المطلب الإسرائيلي مقابل التوافق اللبناني، تحول موضوع الترسيم إلى مادة خلافية بين رئيس الوزراء الإسرائيلي يئير لبيد، الذي قال إنه سيواصل العمل بهدوء لتنفيذ الاتفاق مع لبنان كونه في صالح «شعبنا ودولتنا»، مضيفاً: «سنحصل على 100% من نسب عائدات حقل كاريش وعلى نسبة من عائدات حقل الغاز في لبنان»، وأوعز لبيد لليئور شيلات، المدير العام لوزارة الطاقة الإسرائيلية، بالتوجه إلى باريس لإجراء محادثات مع شركة «توتال إنرجيز» بشأن تقاسم أرباح محتملة من تنقيب الشركة في حقل للغاز الطبيعي قبالة سواحل لبنان،
ورئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو الذي رفض مسودة الترسيم، بل الفكرة من أساسها، على اعتبار أن ما تم هو انتصار لمنطق أمين عام «حزب الله» حسن نصرالله ورضوخ لشروطه.
وفي سياق متصل تقدم اودي اديري المفاوض الإسرائيلي الرئيس مع لبنان بشأن ترسيم الحدود معه باستقالته، عازياً السبب إلى «إحباطه من تعامل رئيس الوزراء لابيد مع المحادثات، والذي كان يدافع فيه عن الاتفاق أمام منتقديه».
كما حددت المحكمة العليا الإسرائيلية موعداً لقبول التماسات الرافضين للاتفاق في نهاية الشهر الجاري، قبل يوم واحد من موعد الانتخابات الإسرائيلية..وهكذا دخل الترسيم طبقاً دسماً على طاولة الاستحقاق الانتخابي الإسرائيلي..ولكن السؤال هل يستطيع نتنياهو أن ينفذ وعيده في حال كان النجاح حليفه في هذه الانتخابات بالخروج من الاتفاق؟ وهل الجانب الأمريكي راعي الاتفاق سيدعه يفعل؟