تحمل الأوبئة وتغيرات المناخ الكثير من المخاطر الكارثية على مستوى العالم. وقد كشفت جائحة كوفيد-19 عن فشل المجتمعات البشرية في الاستعداد للأسوأ. هل يمكننا تعلم إعادة البناء بشكل أفضل؟ كيف يمكننا مواجهة هذه المخاطر لتقليلها أكثر؟

لقد ضربت جائحة كوفيد-19 عالمنا على نطاق يتجاوز الذاكرة الحية، حيث أودت بحياة الملايين وأدت إلى إغلاق المجتمعات في جميع أنحاء العالم. إن الوباء، مثله مثل تغير المناخ، يعمل مضاعفاً للتهديد، ويزيد من التعرض للضرر، والفقر الاقتصادي، وانهيار النظم الاجتماعية. والأكثر إثارة للقلق، أن المجتمعات المتضررة بشدة من فيروس كورونا لا تزال عرضة لأنواع أخرى من المخاطر، مثل تلك الناجمة عن تغير المناخ المتسارع.

 يعتمد كتاب «النضال لأجل المناخ بعد كوفيد-19» على تجربة كوفيد-19 المضطربة لتوضيح الحاجة الماسة إلى زيادة المرونة بسرعة وفاعلية على نطاق عالمي. بعد سنوات من العمل إلى جانب خبراء الصحة العامة والقدرة على الصمود في صياغة السياسات لبناء التأهب للوباء وتغير المناخ، تكشف أليس سي هيل، عن أوجه التشابه بين التدابير غير المستغلة التي كان ينبغي على الحكومات اتخاذها لاحتواء انتشار «كوفيد-19» مثل الإجراءات المبكرة، التخطيط عبر الحدود، وتعزيز الاستعداد للطوارئ، والخطوات التي يمكن للقادة اتخاذها الآن للتخفيف من آثار تغير المناخ. يكشف هذا الكتاب من خلال التحليلات العملية للسياسة الحالية والتوجيهات المدروسة من أجل التكيف الناجح مع المناخ، أنه تماماً كما قامت مجتمعاتنا بمواجهة تحدي فيروس كورونا، سنحتاج أيضاً إلى تكييف تفكيرنا، ووضع سياسات لمكافحة التهديد المتزايد باستمرار لتغير المناخ.

 تحولات مناخية في 2020

 تسعى الكاتبة إلى توضيح أن الوقت قد حان للاستعداد للعالم كما سيكون، وليس كما كان من قبل. وتظهر سلسلة من الأحداث والخسائر التي طالت البشرية خلال 2020 وقبلها. تقول: «كان عام 2020 لا مثيل له. فقد جلب للكوكب أسوأ كارثة في الذاكرة الحية، جائحة اجتاحت كل ركن من أركان الأرض تقريباً. سرق فيروس كورونا الجديد أرزاق الناس وسبل عيشهم في جميع أنحاء العالم. أمرت الحكومات الناس بالبقاء في منازلهم وتوجب على المدارس والمطاعم والمسارح إغلاق أبوابها. اهتزت سلاسل التوريد مع قيام المصانع بإيقاف خطوط التجميع، وتراجع الشحن العالمي، وجلست الطائرات في وضع الخمول على الطرق المعبدة. بدأت الفنادق تتسوّل الضيوف. دخلت الصناعات بأكملها في حالة من الانهيار. عكست الشركات مسارها، حيث طلبت من الموظفين عدم القدوم إلى المكتب والعمل من منازلهم بدلاً من ذلك. عانت العقارات التجارية. ومع فقدان الوظائف بأعداد كبيرة، انتشر الجوع في جميع أنحاء العالم، وكذلك العنف المنزلي والقتل وزواج الأطفال. في غضون ذلك، ضخت الحكومات تريليونات الدولارات ضمن حزم التحفيز لدعم اقتصاداتها المتعثرة وسكانها. ظهرت مفردات جديدة كاملة تتعلق بالمرض».

 وتوضح الكاتبة أن الوباء العالمي ليس وحده هو الذي جعل عام 2020 مختلفاً عن أي عام آخر، قائلة: «ففي عام 2020، حدث تغير المناخ – الذي كان يُعتبر يوماً ما تهديداً للمستقبل البعيد – بصورة انتقامية ملحقاً الدمار بأجزاء عديدة من الكوكب. سجل القطب الشمالي في 2016 أعلى درجات الحرارة 38 درجة مئوية، إضافة إلى أعلى مستوى تم تسجيله على الإطلاق على وجه الأرض، 54.4 درجة مئوية في وادي الموت في كاليفورنيا. استهلكت حرائق الغابات التاريخية الكثير من الأراضي في غرب الولايات المتحدة، أكثر من 10 ملايين فدان، لدرجة أن أحد خبراء الأرصاد الجوية في مركز مكافحة الحرائق الوطني الأمريكي وصف الضرر بأنه «سريالي». قتلت حرائق الغابات المتفجرة في أستراليا 3 مليارات حيوان. اشتعلت «حرائق الزومبي» خلال شتاء القطب الشمالي الطويل في سيبيريا. وصل أقوى إعصار على الإطلاق إلى الفلبين، حيث حطم الرقم القياسي لسرعة رياح بلغت 195 ميلاً في الساعة (314 كيلومتراً في الساعة). شهدت باكستان أكثر شهر أغسطس/آب رطوبة على الإطلاق، وفي يوم واحد في أغسطس/آب، سقط 231 ملم من الأمطار على كراتشي، وهو أعلى إجمالي يومي تم تسجيله على الإطلاق. استمر ذوبان الجليد الأرضي العالمي بسرعة فائقة، ما أدى إلى ارتفاع مستويات سطح البحر إلى مستوى أعلى من أي وقت مضى. حمل موسم الأعاصير في المحيط الأطلسي الكثير من العواصف التي أجبرت علماء الأرصاد الجوية الالتفات إلى الأبجدية اليونانية لابتكار أسماء جديدة. في القرن الإفريقي، طار 200 مليار جراد في أسراب شرهة تبلغ 20 ضعف حجم باريس، التهموا 50 إلى 80 في المئة من المحاصيل في الحقول. هذا يقدر بنحو 8000 مرة أكثر من الجراد الذي سيظهر في غياب تغير المناخ. وأيضاً ضمن سلسلة الأحداث القياسية لعام 2020، قفزت الخسائر الاقتصادية الناجمة عن الكوارث الطبيعية من 166 مليار دولار في عام 2019 إلى 210 مليار دولار في عام 2020».

 سيرة مناخية

 تبين الكاتبة أنها لم تخطط أبداً للعمل على تغير المناخ. بدلاً من ذلك، مثل الكثيرين في هذا المجال، حصلت ببساطة على مهمة مناخية ذات يوم ولم تتركها أبداً. تسهب في الحديث عن سيرتها في هذا السياق، والتي تعكس سيرة التعامل الحكومي والرسمي مع تغيرات المناخ، تقول عن ذلك: «من المسلم به أن طريقي إلى هذه القضية كان متعرجاً. لقد بدأت في القانون، أولاً مدعيةً عامة فيدرالية في كاليفورنيا. عندما ارتكب تشارلز كيتنغ وابنه أكبر عملية احتيال مصرفي اكتشفها مكتب التحقيقات الفيدرالي حتى ذلك الوقت، كنت المدعي العام المشارك في القضية. ترأست في النهاية وحدة مقاضاة جرائم ذوي الياقات البيضاء في مكتب المدعي العام الأمريكي في لوس أنجلوس. عينني حاكم ولاية كاليفورنيا، بيت ويلسون، وهو جمهوري، في وقت لاحق في السلطة القضائية لولاية كاليفورنيا. بصفتي قاضية، فصلت في آلاف القضايا التي تتراوح بين جرائم القتل ذات الصلة بالعصابات وسوء الممارسة الطبية وعملت قاضيةً مشرفة في كل من المحاكم البلدية والمحاكم العليا. بعد فترة وجيزة من انتخاب باراك أوباما رئيساً في نوفمبر/تشرين الثاني 2008، رن هاتفي. كانت جانيت نابوليتانو، صديقة من كلية الحقوق، تسأل: «كيف تريدين أن تأتي إلى واشنطن؟» أسفرت تلك اللحظة عن واحدة من أهم النصائح المهنية التي يمكنني مشاركتها: «كن لطيفاً مع من تجلس بجوارهم في المدرسة». كان أوباما قد عيّن نابوليتانو، لتكون وزيرة الأمن الداخلي، وهي ثالث أكبر وكالة في الحكومة الأمريكية بعد وزارتي الدفاع وشؤون المحاربين القدامى. وُلدت وزارة الأمن الداخلي من رحم الهجمات الإرهابية في 11 سبتمبر 2001، في أكبر عملية إعادة تنظيم للحكومة الفيدرالية منذ الحرب العالمية الثانية. أرادت نابوليتانو مني أن أساعدها في إدارة الوكالة الشابة المترامية الأطراف. بصفتي كبير مستشاري نابوليتانو لمدة أربع سنوات، عملت قياديةً لجميع الوظائف في وزارة الأمن الداخلي، وأشرفت على التأهب والاستجابة للتهديدات البيولوجية، بما في ذلك الأوبئة؛ وضع أول خطط للتكيف مع تغير المناخ في الوزارة؛ وتأسيس مبادرة لمكافحة الاتجار بالبشر وغيرها.

 العمل مع أوباما 

 عملت أيضاً في اللجنة المسؤولة عن إصدار التقييم الوطني للمناخ في البلاد، وهو تقرير بتكليف من الكونغرس الأمريكي. عندما غادرت نابوليتانو واشنطن، لتصبح رئيساً لجامعة كاليفورنيا. انضممت إلى البيت الأبيض. أصبحت في النهاية المساعد الخاص للرئيس أوباما والمدير الأول لسياسة المرونة في مجلس الأمن القومي، حيث يتخذ الرئيس القرارات بشأن الأمن القومي والسياسة الخارجية والمسائل العسكرية. في مجلس الأمن القومي، قدت إدارة سياسة المرونة، وأشرفت على فريق من مديري مجلس الأمن القومي».

 وتضيف: «كانت مهمتنا هي تطوير سياسة وطنية تهدف إلى الحد من المخاطر الكارثية ذات العواقب الوطنية. تضمن فريق المديرين الموهوبين مديري الطوارئ وخبراء الصحة العامة وخبراء البنية التحتية والمحامين والمهندسين والضباط العسكريين وحتى طبيب غرفة الطوارئ. كانت مسؤولياتنا مراقبة السياسات للكوارث الطبيعية، والتهديدات البيولوجية والكيميائية، والشراكات بين القطاعين العام والخاص، والبنية التحتية الحيوية، وتغير المناخ. خلال فترة ولايتي كمدير أول، قامت إدارة سياسة المرونة في مجلس الأمن القومي بوضع أرضية جديدة للسياسة بشأن تغير المناخ. لقد أنشأنا أول معايير بناء وطنية في البلاد لمخاطر تفاقم المناخ من الفيضانات وحرائق الغابات، فضلاً عن الزلازل. لقد عملنا مع نائب الرئيس آنذاك جو بايدن لبدء حوار بين رؤساء إدارات الإطفاء في البلاد لتحديد طرق أفضل لمكافحة حرائق الغابات المدمرة بشكل متزايد. عندما ضرب وباء الإيبولا، انضم بعض من فريقي إلى فرقة العمل المعنية بالإيبولا التابعة لرون كلاين لوقف انتشار المرض في الولايات المتحدة. عمل آخرون على الحد من مقاومة مضادات الميكروبات وكذلك بناء التأهب للتهديدات البيولوجية. أطلقنا شراكة مع عمداء كليات الصحة العامة والطب والتمريض لتحفيز المزيد من التعليم فيما يتعلق بالمخاطر الصحية المتفاقمة مع المناخ. لقد طورنا استراتيجيات لمعالجة التغيرات التي يحركها المناخ في القطب الشمالي، وهي منطقة ترتفع فيها درجة حرارة الأرض أسرع مرتين على الأقل من بقية الكوكب، ما يتسبب في فتح محيط جديد للملاحة. لقد ابتكرنا نهجاً جديداً لتقديم الدعم الحكومي الذي تشتد الحاجة إليه للمجتمعات المنكوبة بالجفاف. لقد وضعنا أوامر تنفيذية موقعة من الرئيس أوباما تركز على إدارة مخاطر الأمن القومي من تغير المناخ، بدءاً من إعداد القواعد العسكرية لارتفاع مستوى سطح البحر إلى القيام بالاستثمارات الخارجية».

 وتذكر أيضاً: «عندما غادرت البيت الأبيض أخيراً في عام 2016، قالت سوزان رايس مازحة إنه إذا لم أكن قد قررت بالفعل المغادرة بمفردي، لكان عليها أن تغلق مديريتي، ولا يستطيع باقي البيت الأبيض مواكبة حجم العمل. منحني العمل في إدارة أوباما على المخاطر الكارثية التي يشكلها تغير المناخ، ثم في معهد هوفر بجامعة ستانفورد وفي مجلس العلاقات الخارجية، الفرصة للتعلم من علماء المناخ الحائزين جائزة نوبل، وعلماء الأرصاد الجوية، وقادة المرونة على المستوى المحلي والخارجي، ومشغلي البنية التحتية الحيوية، والمهندسين المعماريين ومالكي ومشغلي البنية التحتية الحيوية، وغيرهم الكثير. كشفت محادثاتي معهم عن الفروق الدقيقة وعدم اليقين الذي يمكن أن يصاحب القرارات المتعلقة بتغير المناخ. لقد توضح لي أيضاً أن عدداً كبيراً جداً من صانعي القرار ما زالوا يستبعدون مخاطر المناخ التي تنتظرنا».

 إشكالية استبعاد مخاطر المناخ

 تشير المؤلفة إلى أنه لسوء الحظ، لم يتلق العديد من الأشخاص داخل الحكومة والشركات، مثلها، أي تعليم رسمي حول تغير المناخ، سواء في حياتهم المهنية أو في المدرسة. كما لم تتح لهم الفرصة التي أتيحت لها للانغماس في الموضوع. ما يعرفونه، عادة ما يتم استخلاصه من التقارير الإخبارية والنقاشات. وترى أن «هذا النقص في التدريب، أو ما يسميه البعض» محو الأمية المناخية، يضيف إلى الانقسام السياسي العميق الذي يشق المناقشات حول ما يجب فعله بشأن مخاطر المناخ، حتى أن بعض القادة يتساءلون عما إذا كان تغير المناخ يحدث أم لا. ببساطة، العديد من صانعي القرار لا يقدرون بعد طبيعة التغيرات التي أحدثها ارتفاع درجة الحرارة أو كيف ستؤدي هذه التغييرات إلى تقويض كل نظام سواء من صنع الإنسان أو طبيعي. ولأن المخاطر المتزايدة لا تزال مستترة بالنسبة للبعض، بالتالي يميلون إلى تجاهلها. 

 هذا يمكن أن يجعل وضع سياسة لتغير المناخ في بعض الأحيان يبدو وكأنه أشبه بالدفع بصخرة عملاقة. حتى بعض أولئك الذين يعملون لصالح الرئيس أوباما، الذي كانت إدارته أول من جعل تغير المناخ أولوية، لم يقدّروا ما هو على المحك.

 وترى أن الدماغ البشري يميل إلى تقييم المخاطر بناء على التجارب الحديثة، وهذا يشكل حاجزاً هائلاً أمام فهم تصاعد التهديدات المناخية. وتقول عن ذلك: «نحن نعطي الأولوية للمخاطر التي يمكننا تذكرها بسهولة واستبعاد تلك التي لا نعرفها أو نعتبرها غير محتملة الحدوث. تعلمنا تجربتنا الحياتية أن المستقبل عموماً سوف يشبه الماضي؛ سوف يشبه الطوفان التالي الطوفان الأخير، وهكذا. نتيجة لذلك، نفشل في تخيل اشتداد الظواهر المتطرفة مع ارتفاع درجات الحرارة العالمية. مع تغير المناخ، ومع ذلك، التمسك بالاعتقاد بأن المستقبل سوف يشبه الماضي يؤدي إلى خيارات سيئة تجعل الناس معرضين بشكل متزايد للخطر. مع تغير المناخ، فإن الأهم هو ما قد يحدث بعد ذلك: لم يعد الماضي دليلاً آمناً للمستقبل. يحتاج القادة، وكذلك المواطنون العاديون، إلى الانتباه الآن إلى ما يتوقعه علم المناخ في المستقبل. إنهم بحاجة إلى التخطيط لأعطال محتملة للأنظمة على نطاق يتجاوز ما تسبب فيه الوباء. هذا الدرس، كما اتضح، يصعب علينا نحن البشر فهمه».


شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version