أزمة المناخ ليست في الأساس مشكلة «تصديق العلم» أو حدوث «بصمات كربونية» فردية، بل هي مشكلة طبقية متجذرة تتمحور حول من يملك ويتحكم ويربح من إنتاج المواد. يناقش ماثيو تي هوبر في الكتاب هذه الجوانب، ويرى أنه لا بد من مواجهة الطبقة الرأسمالية كثيفة الكربون لإحداث تغير في المناخ.

يشير ماثيو تي هوبر إلى أنه من أجل تأسيس استراتيجية بديلة، لا بد من اقتراح سياسة مناخية تروق للغالبية العظمى من المجتمع: الطبقة العاملة. يقيّم هوبر في هذا الكتاب الصادر عن دار فيرسو للنشر في مايو 2022 باللغة الإنجليزية ضمن 320 صفحة، الصفقة الخضراء الجديدة كمحاولة أولى لتوجيه المصالح المادية والبيئية للطبقة العاملة ويدعو إلى بناء القوة النقابية في نظام الطاقة ذاته الذي نحتاج إلى إجراء تحويلات عديدة عليه بشكل كبير. ويجد أنه في النهاية، كما هي الحال في الحركات الاشتراكية الكلاسيكية في أوائل القرن العشرين، فإن الفوز في الصراع من أجل المناخ يجب أن يكون أممياً قائماً على شكل من أشكال التضامن الكوكبي للطبقة العاملة.

تغيرات سريعة

 يقول المؤلف: في عام 2018، منحتنا الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التابعة للأمم المتحدة 12عاماً (مرّت منها ثمانية الآن!) لتنفيذ تغييرات سريعة وبعيدة المدى وغير مسبوقة في جميع جوانب المجتمع. يشير عالم البيئة الأمريكي بيل ماكيبين باستمرار إلى أننا (نخسر) معركة المناخ، بل ونخسر بشدة. بعد الانخفاض المفاجئ في الانبعاثات بسبب حالة الطوارئ الصحية العالمية التي أثارتها جائحة كورونا، استأنفت الانبعاثات مسيرتها صعوداً في أواخر عام 2020. بدأت طاقة النفط والغاز أو الفحم على الفور بالتحرك، واتضح أيضاً أن الوقود الأحفوري لا يزال يمثل 80 في المئة من إجمالي إمدادات الطاقة اعتباراً من عام 2020. ذكر تقرير آخر في يونيو 2021 من مجموعة الطاقة المتجددة بشكل قاطع: منذ عام 2009، ظلت الحصة العالمية من الوقود الأحفوري في الاستهلاك النهائي للطاقة على حالها.

احتجاجات اجتماعية

 على الرغم من أن الانبعاثات هي المقياس الوحيد «للفوز» الذي يهم، يبدو أن الكثيرين يعتقدون أن المد يتجه نحو العمل المناخي. يقول المؤلف في هذا السياق: في عام 2019، كانت هناك احتجاجات اجتماعية ضخمة في الشوارع، مثل إضرابات الشباب من أجل المناخ وأيام الجمعة من أجل المستقبل، لكن هذا الزخم انقلب بسبب الوباء. في عام 2021، بسبب ضغوط المستثمرين، أعلنت العديد من شركات الوقود الأحفوري أهدافاً جديدة طموحة، حتى أن بعض شركات النفط والغاز تعهدت بالوصول إلى صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2050. وتعهدت كتل من رأس المال المالي بدمج مخاطر المناخ في محافظها الاستثمارية في إطار عنوان الاستثمار البيئي والاجتماعي والحوكمة. بعد سنوات قاتمة من إنكار المناخ في ظل إدارة ترامب، تعهد الرئيس جو بايدن، باتباع نهج شامل للحكومة تجاه أزمة المناخ، واقترح خفض انبعاثات الاحتباس الحراري بنسبة 50 في المئة أقل من مستويات 2005 بحلول عام 2030. أيضاً، ما أثار ضجة كبيرة هو إعلان الشركة الباعثة الرئيسة الأخرى، الصين، عن هدفها الخاص للوصول إلى صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2060. يجب أن ندرك أن هذا الحديث عن الأهداف والتعهدات المتوقعة حتى أعوام 2030 و2035 و2050 و2060 يشبه حديث التسعينات وأوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، عندما ركز المفاوضون الدوليون بشأن المناخ أنظارهم على 2005 و2020. ما يهم هو التقدم الحقيقي في انتقال سريع وشامل من الوقود الأحفوري. وهذا ببساطة لا يحدث. على الرغم من الخطاب الحالي، فإن سياسة المناخ الرئيسية لإدارة بايدن هي مشروع قانون للبنية التحتية لا يرقى إلى مستوى الالتزام المالي الذي يعتقد الكثيرون أنه ضروري لتحقيق أهداف 2030.

 تدابير مناخية مفتقدة

يذكر المؤلف أن المفاوضات بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي تخفف من حدة تغير المناخ، ولذلك يتحرك نشطاء المناخ من أجل مجرد إدراج أي تدابير مناخية. ويقول عن ذلك: بالنظر إلى الأنماط التاريخية، من المحتمل أن يفقد الديمقراطيون، الحزب الأمريكي الوحيد الملتزم بالعمل المناخي، سيطرتهم على الكونغرس. على الرغم من الثناء الإعلامي الكبير على تعهد بايدن «بإيقاف» عقود الإيجار الجديدة للنفط والغاز على الأراضي العامة، لا يزال تخصيص عقود الإيجار الحالية في ظل بايدن مماثلاً للمستويات التي كان عليها في عهد ترامب، إذ إنه من بداية فبراير/شباط إلى نهاية إبريل 2022، وافقت الإدارة على 1179 تصريح حفر على الأراضي الفيدرالية، وهذا رقم ليس ببعيد عن أعلى مستوى له منذ أربع سنوات وهو 1400 تقريباً خلال فترة ثلاثة أشهر مماثلة في نهاية ولاية ترامب. هذه الأرقام تخص الأراضي العامة فقط، ولا تغطي الاستخراج المستمر للوقود الأحفوري في الأراضي الخاصة.

هيكل السلطة

 يبدأ الكتاب من فرضية أن «حركة المناخ تخسر، وتبحث عما قد لا نفعله. هذه مسألة قوة». ويرى أنه «يجب أن تنخرط الحركات الاجتماعية أولاً في تحليل هيكل السلطة وتحديد من يجب هزيمته أو التغلب عليه أو إقناعه لتحقيق النجاح. على هذه الجبهة، نحتاج إلى بناء القوة لمواجهة أغنى الشركات في تاريخ العالم». يشير المؤلف إلى أن هذا الصراع على السلطة هو صراع طبقي حول العلاقات التي تدعم علاقتنا الاجتماعية والبيئية مع الطبيعة والمناخ نفسه: الملكية والسيطرة على الإنتاج، ويناقش كلاً من الفهم «الإيكولوجي» والماركسي الجديد للطبقة، مشيراً إلى أن تغير المناخ هو قضية طبقية من ثلاث نواح:

 أولاً، يحتاج الصراع المناخي إلى التركيز على الإنتاج. ويدعو المؤلف إلى العودة إلى الفهم التقليدي للطبقة كعلاقة مع «وسائل الإنتاج». قد يبدو هذا الأمر من الماضي وأكثر صلة بعصر التصنيعو الضخم وتنظيم العمال في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين وحتى منتصفه. لكن إذا كنا قلقين بشأن تغير المناخ والانهيار البيئي، فإنها تظل قضية الإنتاج الصناعي اليوم. في الواقع، العلاقة الإنسانية بأكملها بالعالم الطبيعي هي، في جوهرها، علاقة إنتاج، أي كيف ننتج الغذاء والطاقة والإسكان وأساسيات الحياة الأخرى. صحيح أن الإنتاج في رأسمالية القرن الحادي والعشرين يشمل جميع أنواع ما يسمى بالعمل غير المادي، لكن حتى هذه الأشكال من إنتاج المعرفة لها أساس مادي مرتبط بالانبعاثات وأزمة المناخ (على سبيل المثال، العالم الرقمي للإنترنت يعتمد على العالم المادي لمزارع الخوادم كثيفة الاستهلاك للطاقة). يعني هذا النهج الذي يركز على الإنتاج أننا بحاجة إلى تركيز طاقتنا التنظيمية ضد الجانب الطبقي من الرأسمالية التي تتحكم في إنتاج الطاقة من الوقود الأحفوري والصناعات الأخرى كثيفة الكربون مثل الصلب والأسمنت والأسمدة النيتروجينية وإنتاج الكهرباء وغيرها.

ثانياً، تشكل طبقة معينة مرتكز الحركة المناخية بأغلبية ساحقة وهي: الطبقة المهنية. أكثر نشطاء المناخ هم موظفو المنظمات غير الحكومية والعلماء والصحفيون ومحللو المؤسسات الفكرية والمهنيون الطامحون (الطلاب). الطبقة المهنية تكوين طبقي محدد تاريخياً تضخم في حقبة ما بعد الحرب إلى جانب التوسع السريع في التعليم العالي وتراجع التصنيع الشامل في بلدان مثل الولايات المتحدة. 

 وهكذا، يتم تعريف المهنيين أيضاً من خلال علاقتهم بالإنتاج. في هذه الحالة، الطبقة العاملة منفصلة عن الإنتاج. وعلى عكس الطبقة العاملة، يشغل المهنيون المحترفون قطاعات أكثر حظاً في سوق العمل ويقومون بما يسميه الماركسيون غالباً «العمل العقلي» أو«العمل المعرفي». لا تركز الطبقة المهنية في سياستها على الصراع المادي على الموارد والسلطة، بل على «المعرفة» أو الاعتقاد أو إنكار تغير المناخ نفسه. كما أنها تميل إلى حشد تكنوقراط المعرفة لاقتراح إصلاحات سياسة «ذكية» غير تصادمية قائمة على المنطق والحوافز الجيدة، لكنها تفشل من حيث الجاذبية الجماعية أو الفوائد المادية الواضحة. تتضمن سياسة المناخ للطبقة المهنية أيضاً متغيرات «جذرية» تدعو إلى «تغيير النظام» أو«العدالة المناخية» أو«خفض النمو»، لكنها لا تقدم سوى القليل في استراتيجية كيفية بناء نوع الحركة الجماهيرية التي نحتاج إليها لهزيمة صناعة الوقود الأحفوري. يقول المؤلف:«من الواضح أن دور التعليم بالنسبة لهذه الفئة أمر أساسي لمشروعهم الخاص لاقتناء مزايا في سوق العمل، لكن حجتي تتعلق أكثر بكيفية تشكيل المؤهلات التعليمية لوجهات نظرهم السياسية. في الولايات المتحدة ومعظم العالم الغربي، شهدت العقود القليلة الماضية استقطاباً حزبياً متزايداً على طول الخطوط التعليمية الجامعية. بعبارة أخرى، تروق سياسة المناخ بشكل أساسي لأقلية من السكان في الولايات المتحدة، وهذا يطرح مشكلة ديمقراطية أساسية لسياسات المناخ».

ثالثاً، لهزيمة القوة الراسخة للطبقة الرأسمالية، لا بد من وجود حركة شعبية جماهيرية. يرى المؤلف أن «الطبقة العاملة فقط هي التي لديها القدرة على تحقيق هذا النوع من الحركة الجماهيرية. يمكننا تعريف الطبقة العاملة على أنها مكونة من أولئك الذين انفصلوا عن وسائل الإنتاج وأجبروا على بيع عملهم من أجل البقاء. لكن نحن لا نفهم هذا التعريف في كثير من الأحيان على أنه علاقة بيئية بظروف الحياة. على حد تعبير ستيفانيا باركا، يتم تعريف الطبقة العاملة من خلال (عملية فريدة وعالمية للانفصال العنيف عن وسائل عيشهم). هذا الانفصال عن الظروف البيئية للحياة يجبر الطبقة العاملة على البقاء عبر السوق الذي يشكل لهم المصدر الأساسي لانعدام الأمن الاقتصادي. علاوة على ذلك، وبخلاف الطبقة المهنية، تميل الطبقة العاملة أيضاً إلى العمل اليدوي وتفتقر إلى المؤهلات التي تخلق مزايا في سوق العمل، وفي بعض الأحيان، الاستقلالية في عملية العمل».

 أهمية الطبقة العاملة في تغير المناخ

 يرى المؤلف أن قوة الطبقة العاملة متجذرة في ثلاثة عوامل:

أولاً، تشكل الطبقة العاملة الغالبية العظمى من السكان، وهذا يعني أن أي نهج ديمقراطي أو أكثرية للعمل المناخي يجب أن يبني تحالفاً من الطبقة العاملة.

ثانياً، يمنحها موقعها الاستراتيجي عند نقطة الإنتاج سلطة هيكلية على مصدر أرباح رأس المال وإعادة الإنتاج الاجتماعي بشكل عام. تكون قوة الطبقة العاملة أكثر فاعلية في فترات الإضرابات الجماهيرية والاضطرابات التي تجبر النخب والرأسماليين على التنازل عن المطالب الجماهيرية.

ثالثاً، لأن انعدام الأمن الاقتصادي هو الذي يحدد حياة الطبقة العاملة، فإن لديهم مصلحة مادية أساسية في التحولات في علاقات الإنتاج. في السنوات الأخيرة، ظهر البرنامج السياسي للصفقة الخضراء الجديدة على أساس أن هذه المصالح المادية في الأمن الاقتصادي يمكن أن تساعد في بناء حركة شعبية لكل من إزالة الكربون والحقوق الاقتصادية في السكن والطاقة والنقل والاحتياجات الأخرى. ومع ذلك، فإن هزائم مرشحي الصفقة الخضراء الجديدة مثل جيرمي كوربن وبيرني ساندرز تذكرنا بأن مثل هذه «المصالح» ليست مسبقة، ولكن يجب تنظيمها من خلال مؤسسات الطبقة العاملة الدائمة مثل الأحزاب السياسية والنقابات والبنية التحتية لوسائل الإعلام.

عرقلة التغييرات 

 يقول المؤلف: «إذا استمر الكوكب في الاحتراق، فسيجد مؤرخو المستقبل بلا شك مجتمعنا محيراً: لقد فهمنا بوضوح خطورة تغير المناخ، لكننا لم نفعل شيئاً. يعمل رأس المال مع الأيديولوجيات المرتبطة به على عرقلة التغييرات المطلوبة. الحاجز الواضح هو ببساطة أيديولوجية الملكية الخاصة». كما يقول أندرياس مالم، «تمتلك الملكية الرأسمالية مكانة العالم المقدس المطلق». يتيح هذا الاحترام للملكية قانوناً للرأسماليين الخاصين بالاستمرار في استخراج الوقود الأحفوري وبيعه من أجل الربح. حتى كتابة هذه السطور، لا تزال الحكومات توافق على الآلاف من مشاريع استخراج الوقود الأحفوري في جميع أنحاء العالم. وهذا يشكل إنجازاً عظيماً للأيديولوجية النيوليبرالية، إذ إن صناع السياسة اليوم بالكاد يتخيلون مصادرة ملكية الوقود الأحفوري كخيار يمكن تصوره على الرغم من حدة الأزمة المتزايدة. 

 صادر الرأسماليون اليوم سبل عيشنا في الحياة. لقد صادروا غلافنا الجوي وحوّلوه إلى مكب نفاياتهم الخاص. إنهم يحاولون مصادرة مستقبلنا الكوكبي. من الواضح أيضاً أن أزمة المناخ تتطلب مزيجاً من الاستثمار العام والتخطيط المركزي للتخلص التدريجي السريع من الوقود الأحفوري.


شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version