ضجّت وسائل الإعلام المحلية ومنصات التواصل الاجتماعي في مصر، خلال الأيام القليلة الماضية، بحوادث مؤلمة تعرضت له مجموعة من الطلاب الجامعيين وأثار جدلا وحزنا واسعين.

علق استشاري الصحة النفسية المصري، وليد هندي، قائلا إن الانتحار هو سلوك بائس يقدم عليه الأشخاص لإنهاء حياتهم بعدما يعجزون عن حل مشاكلهم، أو الاصطدام بعقبات صعبة.
وأشار في حديثه لموقع “صدى البلد” المصري، إلى أن المنتحر ربما يعاني من غياب مساعدة الآخرين، مؤكدا أنه نظرا لطبيعة الانتحار المضادة تماما للحياة وفطرة الإنسان، فإنه يعد سلوك يدلل على معاناة المنتحر من خلل في العقل والتفكير بشكل عام.
منظمة الصحة العالمية تقول، إنه رغم الصلة الواضحة بين الانتحار والمشاكل النفسية مثل الاكتئاب وتناول الكحول في العديد من البلدان مرتفعة الدخل، فإنه عادة ما يكون مدفوعا ضغوط الحياة مثل المشاكل المالية وانفصال الأقران والأمراض المزمنة، ويقع دوما في لحظة انهيار قدرة الإنسان في التعاطي مع هذه المشاكل.
أيضا ترجع المنظمة حالات الانتحار المتزايدة إلى النزاعات والكوارث والعنف والمعاملة السيئة ومفارقة الأحبة والعزلة، مشيرا إلى تزايد الانتحار بين فئات بعينها مثل المهاجرين واللاجئين وأصحاب الميول الجنسية غير التقليدية والمساجين.
وفقا للطبيب المصري، فإنه لا يمكن اعتبار الشخص المنتحر كامل القوى العقلية بأي حال من الأحوال، قائلا: “إنه (المنتحر) شخص مسلوب الإرادة وغير قادر على التفكير، كما لو أن عقله توقف أو نُوّم مغناطيسيا”.
وفي نفس السياق، قالت أستاذة علم النفس بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، سوسن فايد، لـ”بي بي سي”، إن الإقدام على الانتحار يأتي بدافع من عوامل عديدة متداخلة، تشعر الإنسان باليأس.
وأكدت أن أخطر هذه العوامل المؤدية للانتحار هو الاكتئاب العقلي، والذي يستدعي وجود علاج في صورة عقاقير، موضحة أنه يختلف عن الاكتئاب النفسي الذي يستمر لفترة مؤقتة ويرتبط بظروف محددة ينتهي بزوالها.
أمراض أخرى، مثل الفصام والهلاوس السمعية والبصرية، قد تضعف الذهن وتدخل الشخص في حالة من العزلة، ومع ضغوط الحياة قد يقدم على الانتحار، بحسب فايد.
أنواع وطرق الانتحار
يصنف هندي الانتحار إلى نوعين، حيث يتم التخطيط في النوع الأول للتخلص من النفس بدافع من الأمراض النفسية، والتي تشمل أيضا الوسواس القهري والاكتئاب والزهام، موضحا أن الإنسان قد يشعر بصوت يناديه ويدعوه إلى قتل نفسه.
وأوضح الطبيب أن هذا النوع من الانتحار يكون صعب إنقاذ صاحبه، أما ما يعرف بـ”الانتحار الانفعالي”، فينتج عن التضييق على الشخص المنتحر أو لرغبته في جذب الانتباه إلى مشكلته وتحقيق بعض المكتسبات، وهذا نوع يمكن إنقاذ صاحبه قبل فوات الآوان.
وفقا لتقديرات منظمة الصحة العالمية، فإن 20% من حالات الانتحار عالميا، تقع باستخدام مبيدات سامة، وتحدث في المناطق الريفية في البلدان المنخفضة ومتوسطة الدخل، كما يشيع أيضا استخدام الشنق والأعيرة النارية.
ماذا عن المراهقين؟
يقبل المراهقون الذين يعانون أمراضا عقلية على الانتحار، حيث يجدون صعوبة في التكيف مع الضغوط النفسية المرتبطة بهذه المرحلة العمرية، مثل الفشل والانفصال ومشاكل الدراسة والعلاقات العائلية، بحسب موقع مركز “مايو كلينك” للخدمة الصحية والتعليمية.
وعدد الموقع المختص بالصحة الظروف التي قد تدفع المراهق إلى الانتحار، ومن بينها:
الإضراب النفسي
التاريخ العائلي من السلوك الانتحاري أو الاضطرابات
تاريخ من التعرض للعنف أو الإساءة إلى الجنس أو البدن
سوء استخدام الأدوية
القدرة على امتلاك وسائل انتحار
القرب من حالة انتحار
الخلافات الحادة مع المقربين أو خسارتهم
المشاكل الجسدية والطبية
الميول الجنسية غير التقليدية
التبني
وجدت دراسة أجريت على ما يقرب من 7500 من طلاب المدارس الثانوية في جميع أنحاء الولايات المتحدة الذين أبلغوا عن تعرضهم لسلوكيات انتحارية مختلفة أن أكثر من ثلثهم حاولوا الانتحار.
استكشفت الدراسة، التي أجرتها جامعة واشنطن وجامعة نيويورك، الاختلافات بين الجنسين والعرقيات بين أولئك الذين يفكرون في الانتحار أو يحاولون الانتحار، بالإضافة إلى العوامل السلوكية والبيئية المرتبطة.
كيفية التنبؤ بإقدام المراهق على الانتحار
هناك علامات تحذيرية قد تدل على تفكير أو تخطيط المراهق للانتحار، ومنها:
الإشارة إليه في الكلام أو الكتاب بشكل مباشر أو غير مباشر
تجنب التواصل الاجتماعي
عدم ثبات المزاج
تعاطي المسكرات بشكل متزايد
فقدان الرغبة
تغير الأنماط المعتادة لحياته مثل الأكل والنوم
الإقدام على إيذاء النفس
فرق القلق والغضب
الإشارات العامة للانتحار
لا تختلف الإشارات التي تنذر بانتحار شخص بالغ عن العلامات التحذيرية لدى المراهقين كثيرwا، ويمكن اختصارها في ما يلي:
الحديث عن الموت أو الرغبة في الموت
الحديث عن الشعور باليأس
ذكر مشاعر الذنب القوية
الحديث عن عدم وجود سبب للعيش
العزلة والانسحاب الاجتماعي
التخلي عن الأغراض الشخصية
توديع الأصدقاء والعائلة
مكافحة الانتحار وتخفيف الضغط النفسي
تنصح منظمة الصحة العالمية، بتقييد الوصول إلى وسائل الانتحار، مثل المسدسات أو المبيدات السامة، ولعب وسائل الإعلام دورا إيجابيا في التثقيف ضد الانتحار، إلى جانب مهارات الحياة الاجتماعية والعاطفية لدى المراهقين، والمراقبة المبكرة للأفكار والسلوكيات الانتحارية.
تنصح “مايو كلينك” الآباء بالتحدث على الفور مع أبنائهم إذا ظنوا أنهم يفكرون في الانتحار، دون أي تردد في استخدام الكلمة ذاتها “انتحار”، مؤكدة أن الحديث عن الأمر لن يزرع الفكرة في رأسهم كما يعتقد البعض.
وينصح الآباء بأن يطلبوا من أبنائهم المراهقين التحدث عن أحاسيسهم، مع الاستماع لهم بإنصات والاعتراف بمشكلاتهم وطمأنتهم والتذكير بحب الآباء لهم، وطبعا يجب طلب المساعدة الطبية.
من جانبه، قال هندي إن أفضل وسائل لمعالجة الأفكار الانتحارية هي دعم المرونة العقلية، وتغذية الجوانب الروحية، والإنصات للشخص واستيعاب أزماته وأحزانه، إلى جانب التماسك الأسري، وملء أوقات الفراغ بأنشطة مفيدة.
وبشكل عام تتلخص نصائح التعامل مع الشخص صاحب الأفكار الانتحارية في ما يلي، بحسب صحيفة “غرين فيل جورنال” الأمريكية:
الصراحة (وتشمل سؤالا مباشرا عما إذا كان يخطط لقتل نفسه)
إبعاد وسائل الانتحار المحتملة (الأسلحة النارية والبيضاء والعقاقير)
الاستفسار المباشر (هل أطلب لك مساعدة طبيب نفسي)
التحلي بالصبر في التعامل معه
تجنب رفع الصوت عند محادثته
عدم إبداء الرأي في ما إذا كان الانتحار أمرا صحيحا أما خاطئا
كيف تتجنب الأفكار الانتحارية؟
امتلاكك لأفكار أو مشاعر انتحارية، لا ينبغي أن يجعلك خجولا من التحدث عنها، وكثيرا ما يتبادر للأذهان مثل هذه الأفكار لكن دون نية أو رغبة حقيقية في  التصرف بناء عليها، ومع ذلك فمن المهم التحرك لمعالجتها.
ويمكن التخلص من مثل هذه الأفكار عن طريق سلسلة من الإجراءات التي يمكن أن يقوم بها المرء بنفسه، بحسب موقع “هيلث لاين” المختص بالصحة العامة:
تحدث إلى شخص ما
من الخطأ أن يحاول الشخص إدارة مشاعره الانتحارية اعتمادا على نفسه فقط، في حين أن تلقي الدعم والمساعدة من الأشخاص المقربين أو حتى المختصين يسهل عليه تجاوز العقبات التي تخلق بالأساس هذه الأفكار.
هناك الكثير من المؤسسات والمجموعات المتخصصة في تقديم الدعم لمثل هذه الحالات التي تواجه أفكارا انتحارية، وتؤهل العقل البشري لإدراك أن قتل النفس ليس الخيار الأمثل لمواجهة التحديات.
تناول الأدوية حسب التوجيهات
من المهم أيضا عدم تعديل جرعات الدواء التي حددها الطبيب المعالج أبدا أو تجاهل تناولها كالمعتاد إلا إذا نصح الطبيب بذلك بالطبع، فلو حدث ذلك ربما يعاني الشخص مجددا من الأفكار الانتحارية وأعراض الانسحاب، وفي حال كانت هناك آثار جانبية مزعجة، فيكفي التحدث إلى الطبيب لطلب دواء آخر.
لا تفوت موعد الطبيب أبدا
من الضرور الانتظام في حضور جلسات العلاج، حيث أن الانضباط في خطة التعافي هو أقوى سلاح لمواجهة السلوك الانتحاري.
الانتباه لعلامات التحذير
سيكون من الجيد أيضا التعاون مع المعالج لمعرفة العوامل المحفزة لهذه المشاعر الانتحارية، والذي بدوره يساعد في رصد مؤشرات علامات الخطر في وقت مبكر. قد يخبر المعالج الأسرة وبعض الأصدقاء بهذه العلامات التحذيرية ليتسنى لهم تقديم المساعدة في الوقت المناسب.
إبعاد أدوات الانتحار
من وسائل الدفاع عن النفس ضد الأفكار الانتحارية، إبعاد أي أدوات يمكن أن تساهم في تحقيق عملية الانتحار، وذلك مثل الأسلحة النارية أو الآلات الحادة أو العقاقير الخطيرة، لتجنب أي احتمال سيئ قد يصل إليه العقل عند مرحلة ما.


شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version