كتب – المحرر السياسي:

من الواضح أن كوريا الشمالية انتقلت من مرحلة جس النبض والمناورة في عملية إطلاق صواريخها، إلى احتمال المواجهة، وهو ما تفسره مسارعة دول الجوار من حلفاء الولايات المتحدة للرد بطرق عدة، كان آخرها المناورات المشتركة، خلال الأسبوع الماضي.

شاركت في المناورات التي جرت في محيط شبه الجزيرة الكورية، وحملت اسم «العاصفة اليقظة»، قاذفة استراتيجية أمريكية أطلقت أربع صواريخ بالستية. وكان من المقرر أن تنتهي المناورات بين سيؤول وواشنطن، يوم الجمعة الماضي، لكن البلدين قررا تمديدها يوماً إضافياً رداً على «الاستفزازات» الكورية الشمالية، التي صعدتها بيونغ يانغ، بإطلاقها صاروخاً بالستياً عابراً للقارات، يوم الخميس الماضي.

وتُعتبر المناورات العسكرية الأمريكية-الكورية الجنوبية من بين الأكبر على الإطلاق، نشر خلالها الطرفان مئات المقاتلات. ووصفت بيونغ يانغ التدريبات بأنها «استفزازية وعدائية»، مهددة سيؤول وواشنطن ب«دفع أكبر ثمن في التاريخ».

مسرح عالمي ملتهب

والحقيقة أنه لا يمكن للمراقب فصل التطورات الجارية في المنطقة عمّا يجري على المسرح العالمي الساخن، بكل ما تعنيه هذه الكلمة. فالحرب في أوكرانيا تدخل شهرها الثامن، وتزداد ضراوة يوماً بعد يوم، بينما ترفض كييف دعوات التفاوض على حل سلمي بتحريض من الغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية.

وفي الوقت نفسه تشهد العلاقات بين الصين وواشنطن موجات مدّ وجزر، خاصة في ما يتعلق بتايوان، تخللتها تهديدات بالتدخل العسكري، ولا تزال واشنطن تلعب ورقة استقلال الجزيرة عن الصين الأم في ممارسة الضغط على بكين.

وإذا كان من غير الممكن تجاهل التحالفات التقليدية على المسرح العالمي، خاصة في ظل جهود واشنطن التي لا تهدأ لترميم تحالفاتها القديمة مع دول في منطقة المحيطين الهندي والهادي من خلال الاتفاقيات الاستراتيجية والأمنية مثل «اوكوس» و«الأمنية الرباعية»، فمن الطبيعي أن تشعر بيونغ يانغ بالخطر وسط هذا التحشيد، ما يحفزها على التنسيق مع دول الطرف الآخر، وتعزيز ترسانتها النووية، وهو ما أعلنت عنه مؤخراً.

وكانت بيونغ يانغ أجرت في سبتمبر/ أيلول تعديلات على عقيدتها النووية، تُتيح لها تنفيذ ضربات وقائية في حال بروز تهديد وجودي.

وفي إطار التصعيد الأخير، نفذت سيؤول طلعات جوية بعشرات الطائرات المقاتلة، يوم الجمعة الماضي، بعد أن حلقت 180 طائرة حربية تابعة لجارتها الشمالية قرب الحدود المشتركة بين البلدين، لساعات عدة. وقال رئيس هيئة الأركان المشتركة الكوري الجنوبي: «رصدنا 180 طائرة حربية كورية شمالية» محتشدة في المجال الجوي للشمال. وأضاف رئيس الأركان أن سيؤول من جانبها «سارعت بتسيير 80 طائرة مقاتلة، بينها طائرات من طراز «إف-35 أيه»، إلى جانب المقاتلات المشاركة في المناورات الجارية مع الأمريكيين.

صواريخ كوريا الشمالية

وأطلقت كوريا الشمالية رقماً قياسياً من الصواريخ خلال الأيام القليلة الماضية. وشهد يوم الخميس قبل الماضي، اختباراً لإطلاق صاروخ بالستي عابر للقارات. وجاء إطلاق الصاروخ بعد ساعات من إطلاق بيونغ يانغ أكبر عدد من الصواريخ خلال يوم واحد.

ثم أطلقت المدفعية الكورية الشمالية 80 قذيفة سقطت في منطقة بحرية عازلة.

وجاءت نيران المدفعية بعد أن أطلقت بيونغ يانغ نحو 30 صاروخاً، يومَي الأربعاء والخميس، بينها صاروخ بالستي عابر للقارات، وآخر سقط على مقربة من المياه الإقليمية الكورية الجنوبية – في واقعة هي الأولى منذ نهاية الحرب الكورية عام 1953.

وأطلقت كوريا الشمالية الشهر الماضي، صاروخاً باتجاه اليابان، اضطر الناس إلى الاحتماء بالملاجئ. وأطلقت بيونغ يانغ العديد من الصواريخ البالستية الأخرى، وسيّرت طائرات على مقربة من الحدود مع كوريا الجنوبية، كما أطلقت المئات من قذائف مدفعيتها باتجاه البحر.

رسائل بيونغ يانغ

ويرى المراقبون أن هناك ثلاثة أهداف وراء تصعيد كوريا الشمالية إطلاق الصواريخ. أولها اختبار وتحسين تقنيتها الخاصة بالأسلحة؛ والثاني إرسال رسالة سياسية إلى العالم، والولايات المتحدة خاصة؛ والثالث رفع معنويات الشعب في الداخل وتعزيز الولاء للنظام الحاكم.

وتصر وسائل الإعلام الرسمية الكورية الشمالية على أن إطلاق الصواريخ في الجولة الأخيرة والتدريبات العسكرية، إنما جاءت رداً على مناورات تجريها الولايات المتحدة بالاشتراك مع كوريا الجنوبية واليابان.

ولا شك في أن مثل هذه المناورات العسكرية المشتركة تستفز الزعيم الكوري الشمالي، الذي طالما رأى فيها استعدادات لاجتياح بلاده. وقد شرعت كوريا الشمالية في تطوير أسلحة نووية في المقام الأول، للحيلولة دون تعرضها للاجتياح.

ويرى بعض المراقبين أن الزعيم الكوري الشمالي يمهد لخطوة أكثر استفزازاً، هي اختبار سلاح نووي للمرة الأولى في خمس سنوات، أو حتى شن هجوم محدود النطاق على كوريا الجنوبية.

وقد يكون مغرياً لكيم أن يثبت للعالم أنه قادر على تطوير ترسانة بلاده النووية، رغم العقوبات التي تفرضها واشنطن، خاصة وأن محاولات تلطيف الأجواء بين الجانبين لم تسفر عن نتائج ترضي طموحاته.

وقد توقفت المحادثات الخاصة بتقليص العقوبات على كوريا الشمالية نتيجة انشغال واشنطن بما هو أكثر إلحاحاً، في وقت أصبح فيه العالم منشغلاً بالحرب في أوكرانيا.

ويتمثل موقف الإدارة الأمريكية بقيادة جو بايدن، في أن العقوبات على كوريا الشمالية يمكن تخفيفها في حال وافقت بيونغ يانغ على التخلي عن كل أسلحتها النووية، في الوقت نفسه.

وتعتقد حكومتا الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، أن كوريا الشمالية مستعدة لإجراء اختبارها السابع لسلاح نووي، وهي إنما تنتظر فرصة سياسية سانحة لكي تنفذ هذا الاختبار.

وربما وجدت الفرصة سانحة مع انتهاء مؤتمر الحزب الشيوعي الصيني، وانتخابات التجديد النصفي في الولايات المتحدة.


شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version