كتب: المحرر السياسي:

بعد مرور تسعة شهور على انطلاق شرارة الحرب في أوكرانيا، بات الكل يسأل نفس السؤال «إلى متى»؟ لكن إجابات كل طرف التي تتشابه في الخطاب الرسمي، تختلف في السر، ولكل أهدافه التي يعتقد أنه لا يزال بالإمكان تحقيقها، كلياً أو جزئياً، لأن الأمور تسير في صالحه.

مع تناثر شرار الأزمة بين سقوط صاروخ في بولندا وضرب محطة زابوريجيا النووية وتبادل الاتهامات حول مسؤولية القصف، يأتي الانسحاب الروسي من خيرسون متبوعاً بالاستهداف المستمر للطاقة والبنية التحتية الحيوية في أوكرانيا، ليضفي الشرعية من حيث المنطق على كل التقلبات وحتى الاحتمالات التي يتعرض لها مسار الحرب.

ولا تزال الحرب مهيأة لتصعيد خطير وسط تهديدات متعددة المجالات تتراوح من التأكيدات أو المزاعم النووية، ومراجع الأقمار الصناعية، واستهداف شبكات الطاقة، والهجمات الإلكترونية، منذ هجمات الطائرات من دون طيار على شبه جزيرة القرم وأسطول البحر الأسود، وتخريب خط «نوردستريم2»، وجسر شبه جزيرة القرم.

الإصرار على الحرب

وتتزامن هذه التطورات مع نداءات لا تتوقف لوقف المعارك والدخول في مفاوضات لحلحلة الأزمة، لكن آذان صناع القرار في الغرب خاصة واشنطن، لا تزال صماء حيال هذه الدعوات.

إن تأكيد أوكرانيا على أن هجماتها المضادة تسير على ما يرام، بافتراض الدعم المالي والعسكري الذي لا ينتهي من الناتو بقيادة الولايات المتحدة، يمنحها سبباً للاعتقاد بأن مواصلة القتال لاستعادة جميع الأراضي المفقودة أمر ممكن، وهو مرجح على التفاوض مع الروس.

لكن هذا يبقى محفوفاً بالمخاطر لأن روسيا أيضاً ترى أنه من المجدي إعادة الانتشار، وتعزيز القوات، والاحتفاظ بالمكاسب التي حققتها حتى الآن إلى أن يبدأ الشتاء في تفكيك التحالفات بفعل صقيع نقص الطاقة. من هنا تتوسع أبعاد الحرب لتشمل استهداف البنية التحتية الحيوية ذات الاستخدام المزدوج، وشبكة الطاقة، والعمليات السرية، وحرب المعلومات المعززة، والهجوم النفسي، مع عدم وضوح الحالة النهائية التي يريد أي من الجانبين تحقيقها لإنهاء الحرب.

من منظور عسكري، يبدو تعزيز نجاحات الروس، وإعادة نشر الجنود في المناطق الصديقة لروسيا من خلال التراجع عن المناطق المعادية، وكذلك إعادة التجميع هي خيارات معقولة، بالنظر إلى أنها لم تتلق مساعدة مادية عسكرية خارجية كبيرة طوال المعركة التي طال أمدها باستثناء القليل. لقد أدرك الروس أنهم فتحوا جبهات واسعة تتجاوز الحدود المستدامة مع استنفاد الموارد القتالية؛ ومن ثم فإن الاعتماد على خطوط دفاع قابلة للحياة هي استراتيجية عسكرية معقولة. ولذا كان من المنطقي الانسحاب إلى الضفة الشرقية لنهر دنيبر، والتمسك بخط دفاعي أكثر قوة، وتجنيد المزيد من القوات لمواصلة هجوم منطقة دونيتسك.

بانتظار الشتاء

وستستمر التهديدات النووية المعتدلة باستخدام الأسلحة النووية في أوكرانيا، إذا تعرضت «وحدة الأراضي الروسية» للتهديد، في منع الناتو من الدخول في حرب احتكاك مع روسيا في المستقبل أيضاً، على الرغم من المحفزات العرضية مثل أزمة الصواريخ في بولندا.

من وجهة نظر روسية، فإن المسار الأمثل للعمل هو التمسك بمكاسبها الإقليمية الحالية، وتمديد الحرب حتى الشتاء، ما يرجح شن هجوم جديد لتحقيق الأهداف العسكرية المتبقية، ولعل هذا يفسر قول ديمتري ميدفيديف أن كييف مدينة «روسية» ويجب أن تبقى كذلك. وعلى الرغم من أن الروس والأوكرانيين معتادون على القتال في الشتاء، إلا أن عامل توافر الطاقة لدى الروس يمكن أن يمنحهم ميزة أفضل.

نوايا الناتو والولايات المتحدة

إن النجاحات المبالغ فيها للهجمات المضادة الأوكرانية، ومكاسب الغرب في الحرب غير الحركية وغير المعلنة ضد روسيا في المجالات الاقتصادية والإعلامية والدبلوماسية والسياسية قد تشجع الناتو، الذي لا ينبغي أن يكون راضياً عن تهديد بوتين النووي، لأن الضربة النووية التكتيكية من روسيا تبقى محتملة في حال تعرضت روسيا للحصار.

أصبحت روسيا في نظر الغرب أقل قوة، وحان الوقت لإخبار زيلينسكي بالتفاوض علناً، لأن الولايات المتحدة لن ترغب في تحمل عبء التسوية على المنطقة المفقودة. وتريد واشنطن الآن بدء المحادثات لتأمين أرباح من عقود إعادة بناء أوكرانيا، والتي سيدفعها الاتحاد الأوروبي بأكملها.

ومع الاستمرار في مساعدة أوكرانيا في الحرب المختلطة حتى آخر المعارك الأوكرانية أو طالما رغبت الولايات المتحدة، سوف يستمر النظام السياسي لحلف الناتو في دعوة روسيا إلى إنهاء الصراع علناً. وهنا تكمن المعضلة في أن بدء المحادثات عندما يكون جزء كبير من الأراضي الأوكرانية تحت السيطرة الروسية سوف يُنظر إليه على أنه ضعف لحلف الناتو، لكن عدم القيام بذلك لن يكون أفضل.

فالحرب لا تجعل أوروبا أكثر سلاماً، حيث يختلط ملايين اللاجئين بالمرتزقة النشطين وحدود طويلة مع روسيا التي أعيدت هيكلتها بقوة. لقد تخلت القارة عن مصالحها الاقتصادية والطاقة للبحث عن الملاذ الأمني الموعود للولايات المتحدة. لذا تعارض دول الاتحاد الأوروبي مثل المجر تزويد أوكرانيا بدعم مادي لا ينتهي.

يجب على أوكرانيا والاتحاد الأوروبي أن يسألوا أنفسهم: هل تخاطر الولايات المتحدة في أي وقت بنيويورك وواشنطن لإنقاذ كييف أو بولندا؟

وفقاً لدراسة أعدها معهد «كييل»، يبدو أن المساعدة التراكمية التي تم ضخها في أوكرانيا، والتي تزيد على 90 مليار دولار، قد شجعت زيلينسكي على الحديث عن هزيمة روسيا واستعادة كامل أراضيه.


شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version