كتب: بنيمين زرزور
لم تكن القمة الأمريكية – الإفريقية الأخيرة نتيجة لصحوة مفاجئة انتابت القيادة الأمريكية، بقدر ما كانت ضرورة تكتيكية فرضتها تطورات الحراك العالمي الذي ينذر بتفجير أزمات هنا أو هناك، قد تكون مفرزات طبيعية لسياسات المحاور والأحلاف التي تقودها واشنطن منذ دخول إدارة بايدن البيت الأبيض.
إذا كان هناك من يسأل عن توقيت القمة، فمن البدهي أن تتأخر على جدول القمم الأمريكية التي تتدحرج في الشرق والغرب حتى فاق عددها هذا العام كل التوقعات؛ وذلك من منظور «الأهمية الاستراتيجية» الذي تتعامل به واشنطن مع دول العالم. أما السؤال عن أهمية القارة السمراء بالنسبة لما يشهده العالم من صراعات، فالجواب عند بكين وموسكو.
فقد وجه الرئيس جو بايدن دعواته للقادة الأفارقة لزيارة واشنطن لحضور قمة قادة الولايات المتحدة وإفريقيا التي عقدت بين 13 و15 ديسمبر/كانون الأول الجاري. وحضر القمة ممثلون عن 49 دولة إفريقية، إضافة إلى مفوضية الاتحاد الإفريقي وممثلين عن المجتمع المدني وأعضاء القطاع التجاري والقادة الشباب والشتات الإفريقي في الولايات المتحدة. وجددت القمة بحسب المضيفين، التزام الولايات المتحدة تجاه إفريقيا، وسمحت لإدارة بايدن باستكشاف القضايا ذات الاهتمام المشترك، وتعزيز التعاون بشأنها.
عودة إلى الملعب
هناك توافق في دوائر صنع القرار الأمريكية على أنه يجب على الولايات المتحدة إحياء علاقتها مع إفريقيا وتنشيطها وتحديد أولوياتها. وقد تركزت مشاركة الولايات المتحدة في إفريقيا حسب ما هو معلن، على دعم المبادئ الديمقراطية، وتقديم المساعدات الخارجية، ومكافحة الفقر، ومعالجة العنف وانعدام الأمن. وعلى الرغم من أهمية هذه الأهداف، فإنها بحاجة إلى مراعاة التغيرات السريعة عبر القارة التي تتحول إلى واحدة من أكثر مواقع الابتكار الرقمي وريادة الأعمال في العالم. وقد خسرت الولايات المتحدة أرض الملعب في إفريقيا خلال العقد الماضي نتيجة حسابات خطأ؛ حيث تراجعت حركة التجارة والاستثمارات إلى الحد الأدنى.
وتسبب عدم تواتر القمم الأمريكية الإفريقية، في تعريض استمرارية العلاقات للخطر على المدى البعيد. فقد عقدت القمة السابقة عام 2014، وتسببت هذه الفجوة التي دامت ثماني سنوات بين عامي 2014 و2022 في الإحباط، خاصة أن شركاء إفريقيا في مبادرات التنمية الرئيسيين، مثل الاتحاد الأوروبي والهند والصين واليابان وتركيا، عقدوا جميعاً اجتماعات قمة منتظمة مع نظرائهم الأفارقة. واليوم قلص قادة الدول الإفريقية اعتمادهم على المساعدة الغربية، ونوعوا شراكاتهم بما يخدم مصالحهم واهتماماتهم الوطنية.
نهج جديد
واللافت أن الدبلوماسية الأمريكية في إفريقيا نشطت، أخيراً، عبر اعتماد استراتيجية جديدة تجاه دول جنوب الصحراء في أغسطس/آب 2022، ثم عقدت الثانية في إطار هذا النشاط. ويعترف النهج الجديد بأهمية إفريقيا بالنسبة للمصالح الوطنية للولايات المتحدة والقيمة الاقتصادية للمنطقة كشريك. وهي تؤكد «الدور الإفريقي» وتهدف إلى تقليص المفاهيم القائلة إن أفريقيا ساحة معركة بين القوى العظمى. فقد فشلت المحاولات السابقة للولايات المتحدة لتصوير مشاركتها مع إفريقيا على أنها منافسة محصلتها صفر، وتهدف فقط إلى مكافحة النفوذ الصيني والروسي؛ لذلك، من مصلحة الولايات المتحدة مضاعفة جهودها في المجالات التي تتمتع فيها بميزة نسبية، مثل الحوكمة، والتكيف مع المناخ، والانتقال العادل للطاقة، وتحسين العلاقات التجارية، لا سيما من خلال التركيز بشكل أكبر على التجارة والاستثمار.
وهكذا، سمحت قمة قادة الولايات المتحدة وإفريقيا للرئيس بايدن شخصياً بالدفاع عن استراتيجية واشنطن المعدلة إفريقياً. لقد أتاحت فرصة لتنفيذ بعض الالتزامات التي تعهدت بها إدارة بايدن حتى الآن.
وتخطط إدارة بايدن لاستثمار ما لا يقل عن 55 مليار دولار أمريكي في مختلف القطاعات الإفريقية خلال السنوات الثلاث المقبلة. وقد تم تعيين السفير جوني كارسون، مساعد وزير الخارجية السابق للشؤون الإفريقية، في منصب الممثل الرئاسي الخاص لتنفيذ قرارات القمة وتنسيق الجهود ومراقبتها.
كما قررت الولايات المتحدة تشكيل مجلس استشاري للرئيس بايدن، لتعزيز مشاركة المغتربين الأفارقة في الولايات المتحدة. وستتمثل مهمته في تعزيز الروابط الاقتصادية والثقافية والسياسية والاجتماعية مع المجتمعات الإفريقية والشتات الإفريقي.
وعود أمريكية
وكان الرئيس بايدن قد أعرب في العرض الذي قدمه أمام الدورة السابعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، عن دعمه لإضافة أعضاء أفارقة إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وجدد تأكيد دعم الولايات المتحدة لعضوية الاتحاد الإفريقي الدائمة في مجموعة العشرين.
ووعدت الولايات المتحدة بتوفير ما يصل إلى 21 مليار دولار أمريكي من خلال صندوق النقد الدولي، تخصص للدول منخفضة ومتوسطة الدخل، ومعظمها في إفريقيا. ووقع الممثل التجاري للولايات المتحدة مذكرة تفاهم مع أمانة منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية، لمساعدة المؤسسات في تسريع النمو الاقتصادي المستدام. ومن المتوقع أن تصبح منطقة التجارة الحرة أكبر منطقة تجارة حرة في العالم، وأن تقوم بإنشاء سوق مشترك على مستوى القارة يغطي 1.3 مليار شخص وناتج محلي إجمالي يبلغ 3.4 تريليون دولار.
لكن كل ما سبق لا يتعدى المنطق «الطوباوي» الذي تستمرئه الولايات المتحدة كلما شعرت بالحاجة إلى إغواء دولة لتكون في صفها. وإلى أن تتكشف نتائج القمة على أرض الواقع، ينبغي أن تدرك واشنطن أن الشراكة مع الصين في مشاريع التنمية الإفريقية صارت بحكم الأمر الواقع، خاصة أن الصين قطعت أشواطاً على طريق ربط العديد من دول القارة بالمساعدات المالية والعينية بما في ذلك بناء الطرق والجسور. وتتفوق الشركات الصينية على نظيراتها الأمريكية، بفضل هيكليات التكاليف المنخفضة. ومع ذلك، هناك صناعات يمكن أن تكون فيها الشركات الأمريكية أكثر تنافسية مثل الرعاية الصحية والطاقة المتجددة والتكنولوجيا المالية.
وبينما تتعالى أصوات الأفارقة الباحثين عن الأمن في ظل تنامي الأنشطة الإرهابية، والباحثين عن ملاذات من الجوع والكوارث، فقد يصبح ما سيتمخض عن القمة نافذة لإنقاذ ما تبقى قبل فوات الأوان.