كتب: المحرر السياسي
ما زال العالم يتابع باهتمام يشوبه الأمل بالجنوح إلى السلم حيناً، ومخاوف التصعيد النووي أحياناً، ما يجري على الساحة في أوكرانيا. ووسط تحركات كل من الطرفين؛ حيث زار الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي واشنطن، بينما زار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بيلاروسيا ماعزز التكهنات حول شن هجوم جديد من الشمال يستهدف كييف، وعقد اجتماعات عسكرية مع قادة جيوشه وصفت بأنها «اجتماعات حرب».
في تطور جديد، اتهم وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، واشنطن بالسعي لتصفية الرئيس فلاديمير بوتين، متوعداً بتنفيذ عملية نزع سلاح أوكرانيا، قائلاً إن الجيش الروسي سيحسم هذه القضية.
واعتبر لافروف تصريحات المسؤولين بوزارة الدفاع الأمريكية حول توجيه «ضربة قطع الرأس» إلى الكرملين، تهديداً بالتصفية الجسدية لرئيس الدولة فلاديمير بوتين، مشيراً إلى أن واشنطن وأصدقاءها في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، إضافة إلى أوكرانيا، يريدون هزيمة روسيا «في ميدان المعركة» من أجل تدميرها، واعتبر سياسة الغرب التي تستهدف احتواء روسيا خطِرة جداً. وفي تصريحات لوكالة «تاس»، أوضح لافروف أن واشنطن ذهبت في عدائها لروسيا أبعد من الجميع. وحذر من أنه على من يروج لهذه الأفكار أن يفكر ملياً في العواقب المحتملة لمثل هذه الخطط.
وكانت ليز تراس (رئيسة وزراء بريطانيا السابقة) أعلنت خلال المناظرة التي سبقت الانتخابات أنها مستعدة لإصدار أمر بتوجيه ضربة نووية. وطالب زيلينسكي دول الناتو بتوجيه ضربات نووية وقائية ضد روسيا. ومثل هذه التصريحات تنطوي على مخاطر الانزلاق إلى صدام مسلح مباشر بين القوى النووية.
صواريخ باتريوت
ويمكن القول إن الرهان على محادثات روسية – أمريكية في الوقت الراهن قد تلاشى كلياً وسط تأكيدات واشنطن عزمها على هزيمة روسيا بشكل كامل، الأمر الذي يثير حفيظة موسكو ويزيد من إصرارها على المواجهة والاستمرار في القتال حتى تنهي مشكلة إقليم دونباس والتهديد الذي تعتبر الرئيس الأوكراني مسؤولاً عنه.
وفي الوقت الذي قلل المراقبون من أهمية صواريخ باتريوت الأمريكية التي سوف يحصل عليها زيلينسكي، في تغيير مسار الحرب، قال وزير الطاقة الأوكراني، جيرمان غالوشينكو، إن روسيا قد تستخدم القذائف وصواريخ «كروز» في هجوم واسع النطاق. إلى ذلك، وصف الرئيس الأوكراني الوضع على الخطوط الأمامية في منطقة دونباس ب «الصعب والمؤلم ويتطلب كل قوة وتركيز». وأضاف أن الأوضاع على الخطوط الأمامية في باخموت وكريمينا ومناطق أخرى في دونباس، تتطلب أقصى قدر من القوة».
من ناحية أخرى، يتطلع الرئيس الأوكراني إلى دعم الهند في تنفيذ صيغة سلام لإنهاء الحرب، وقال عقب مكالمة هاتفية مع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، إنه انتهز الفرصة لكي يعلن صيغته للسلام.
وقال وزير خارجيته ديمترو كوليبا أن بلاده تسعى لعقد قمة سلام في فبراير/شباط المقبل بدون مشاركة روسيا شرط أن يتولى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، دور الوسيط. وجاء رد الأمين العام مشروطاً؛ حيث قال إنه على استعداد للوساطة في حال وافقت جميع الأطراف.
خطر الهجوم على كييف
إلا أن موسكو التي عانت سابقاً تنكر الغرب لتعهداته سواء فيما يتعلق بتمدد حلف شمال الأطلسي شرقاً أو بخرق بنود اتفاقية «مينسك»، أنذرت أوكرانيا بأنها تخطط لهجوم بري آخر على العاصمة كييف.
وقال مسؤولون عسكريون إن أحد الاستنتاجات الرئيسية هي أن «الحرب الكبرى عادت»، وهو ما يفاقم حاجة الأطراف إلى امتلاك القدرة الصناعية التي تدعم مخزونات الأسلحة المطلوبة بشدة لمواصلة القتال بهذه الدرجة من الكثافة.
وتملك روسيا هنا ميزة إضافية؛ حيث أعلنت مؤخراً عن خطة لزيادة حجم جيشها من مليون إلى مليون ونصف مليون جندي، وإنشاء وحدات عسكرية جديدة. وأكد الرئيس بوتين في لقاء مع مجلس الوزراء أن لا قيود على تمويل الصناعات العسكرية وأن الحكومة سوف تزود الجيش بأي شيء يطلبه.
وبالمقابل تتراجع الإمدادات الأوكرانية التي تأتي من «العمق الاستراتيجي» لحلفائها الغربيين الذين أرسلوا ما تزيد قيمته على 40 مليار دولار من المساعدات العسكرية، وسوف تردفها الولايات المتحدة بنظام الدفاع الجوي باتريوت جزءاً من حزمة أسلحة جديدة بقيمة 1.85 مليار دولار.
وعلى الرغم من ذلك، فإن الغرب – الذي يشعر بالقلق من تصعيد الصراع الذي قد يؤدي إلى مواجهة مباشرة بين دول الناتو وروسيا – قاوم توفير الدبابات الحديثة والصواريخ بعيدة المدى والطائرات التي طلبتها كييف.
وقالت دوميتيلا ساجراموزو، الخبيرة الأمنية الروسية في «كينجز كوليدج» في لندن: «السؤال الرئيسي لعام 2023 هو مقدار الدعم العسكري الذي سوف يستمر الغرب في تقديمه لأوكرانيا – وطبيعة الأسلحة التي يرسلها».
وقد عزز تعيين الجنرال سيرجي سوروفكين لقيادة القوات الروسية في أوكرانيا تنسيق خطوط المواجهة وصمود القوات بعد تزويدها بمجندين من عداد حملة التجنيد الأخيرة. وقد صمم الجنرال انسحاباً ناجحاً من جميع أنحاء مدينة خيرسون الاستراتيجية الجنوبية؛ حيث كانت القوات الروسية معرضة لخطر الحصار.
تقدم روسي
وتقدمت القوات البرية الروسية مجدداً إلى الخطوط الأمامية في قطاعات من منطقة دونباس، وتُحقق حالياً مكاسب تراكمية؛ إذ تشق طريقها لتفكيك خطوط الدفاع الأوكرانية المُتمرسة في مدينة باخموت المُحصنة والاستراتيجية جداً.
وفي تغير واضح على تكتيكات القتال، شنت روسيا موجة عنيفة من الهجمات الصاروخية والطائرات بدون طيار على البنية التحتية للطاقة في أوكرانيا لمحاولة كسر الإرادة الوطنية وإطلاق موجة من اللاجئين إلى أوروبا.
وقد أصدر الرئيس بوتين مرسوماً بمنع بيع النفط للدول التي وضعت سقفاً للأسعار وهدد بمزيد من خفض إمدادات الغاز للغرب مع حلول فصل الشتاء.
وبينما يستعد العالم لاستقبال عام جديد ويأمل أن يحمل معه انفراجات على الساحة العالمية، يزيد تعقيد الوضع في أوكرانيا مسحة التشاؤم ويقضي على كل بارقة أمل.