كتب: بنيمين زرزور
بينما تعمقت شروخ التصدع في المجتمع الأمريكي بمختلف أصنافها العرقية والطبقية والسياسية، كان لزاماً أن تفرز تلك الشروخ سلوكيات مستهجنة توجه الهجوم على مبنى الكابيتول يوم 6 يناير 2021 في محاولة من الرئيس السابق دونالد ترامب وأنصاره لخلط الأوراق وإلغاء نتائج الانتخابات الرئاسية التي لا يزالون يقولون إنها لم تكن نزيهة، وهو ما ينفي الصفة التي لازمت الولايات المتحة بأنها توزع شهادات حسن سلوك على العالم.
أكد التقرير النهائي للجنة مجلس النواب الأمريكي بشأن أحداث يوم 6 يناير/كانون الثاني، أن دونالد ترامب، انخرط في مؤامرة متعددة الأجزاء لقلب النتائج القانونية للانتخابات.
وأضاف التقرير، أن ترامب فشل في التصرف لمنع مؤيديه من مهاجمة مبنى الكابيتول، لينهي بذلك تحقيقاً بشأن الرئيس السابق والتمرد العنيف قبل عامين.
ويأتي التقرير المكون من 845 صفحة، بعد أن قابلت اللجنة أكثر من ألف شاهد استماع وحصلت على ملايين الصفحات من الوثائق.
وحثت اللجنة المدعين العامين الفيدراليين على توجيه اتهام للرئيس السابق دونالد ترامب بأربع جرائم، بما فيها العرقلة والتعطيل والتمرد.
والحقيقة أن محاولات وضع العراقيل أمام تحركات ترامب السياسية الهادفة إلى عودته إلى البيت الأبيض لا تقتصر على ما صدر عن لجنة 6 يناير؛ بل تتعداه إلى التفتيش في كل ما قد يفيد في وصم الرجل بأوصاف شائنة ربما تنتهي إلى حظر ترشيحه قانونياً في حال أدين بتهم جنائية.
فقد قالت لجنة الطرق والوسائل في مجلس النواب الأمريكي إن بعض السجلات الضريبية لترامب، أظهرت تفاوتاً كبيراً بين سجلات الدخل والضرائب في السنوات الأخيرة، ما أثار تساؤلات حول شرعية بعض الخصومات الضريبية التي تمتع بها كرئيس، وحول برنامج التدقيق الرئاسي لخدمات الإيرادات الداخلية.
اتهام بالفساد والتآمر
وتضاف هذه التحركات القانونية إلى مجموعة التهديدات التي تواجه ترامب، الذي أعلن الشهر الماضي أنه سوف يسعى للعودة إلى البيت الأبيض مرة أخرى في عام 2024.
ودعت لجنة مجلس النواب، وزارة العدل إلى اتهام ترامب بالفساد في إجراء رسمي، والتآمر للاحتيال على الولايات المتحدة، والتآمر للإدلاء ببيان كاذب والتحريض على العصيان أو دعمه.
وجاء طلب اللجنة، غير الملزم، في الوقت الذي أصدرت فيه أيضاً تقريرها النهائي المكون من 845 صفحة يوم الخميس، لتختتم تحقيقها الذي استمر 18 شهراً تقريباً في الإجراءات المتخذة لمحاولة قلب هزيمة ترامب في انتخابات 2020 إلى نصر، بما في ذلك عندما سعى مثيرو الشغب إلى عرقلة الكونغرس من التصديق على نتائج الانتخابات. ووصف ترامب الذي يواجه أيضاً دعاوى مدنية منفصلة بشأن أعمال الشغب، تحقيق اللجنة بأنه خدعة ذات دوافع سياسية.
وانتقد محامي ترامب الإحالات الجنائية ضد موكله، ووصفها بأنها «لا قيمة لها إلى حد كبير».
وقال تيم بارلاتور: «وزارة العدل غير ملزمة أن تتبع ذلك، هناك تحقيق موجود كنا نتعامل معه منذ بعض الوقت، وما هذه اللجنة إلا محاولة لتسييس العملية فقط». وأضاف: «إنها ضوضاء سياسية ليس لها أي تأثير حتى الآن على دفاعنا».
يذكر أن وزارة العدل وحدها هي صاحبة الصلاحية القانونية في تقرير ما إذا كانت سوف توجه التهم لترامب بارتكاب جرائم فيدرالية، لكن إحالة المشرعين قد تزيد الضغط على المدعين لرفع قضية جنائية ضد ترامب وبعض حلفائه.
وكان المدعي العام الأمريكي، ميريك جارلاند، قد عين الشهر الماضي المدعي السابق في جرائم الحرب جاك سميث، للإشراف على تحقيق الوزارة.
وتم تكليف سميث أيضاً بالإشراف على التحقيق الجنائي لوزارة العدل بشأن ترامب للاحتفاظ بالسجلات الحكومية، بما في ذلك بعض السجلات المصنفة على أنها سرية، بعد ترك منصبه في يناير 2021.
وقد صادر مكتب التحقيقات الفيدرالي 11 ألف وثيقة من منتجع «مار إيه لاغو» في فلوريدا، في عملية بحث وافقت عليها المحكمة في 8 أغسطس/آب. وتم تصنيف حوالي 100 وثيقة على أنها سرية، و تصنيف بعضها على أنها سرية للغاية، وهي أعلى مستوى من التصنيف. وقد اتهم ترامب الجمهوري، وزارة العدل بالانخراط في منازعات حزبية.
وقالت المدعية العامة لولاية نيويورك، ليتيتيا جيمس، في دعوى مدنية رفعت في سبتمبر/أيلول، إن مكتبها كشف أكثر من 200 مثال على تقييمات مضللة حول الأصول من إعداد ترامب ومؤسسة ترامب بين عامي 2011 و 2021.
واتهمت جيمس، وهي ديمقراطية، ترامب بتضخيم صافي ثروته بمليارات الدولارات للحصول على معدلات فائدة أقل على القروض، والحصول على تغطية تأمينية أفضل. وقد أمر قاضٍ في نيويورك بتعيين مراقب مستقل للإشراف على مؤسسة ترامب قبل إحالة القضية إلى المحاكمة في أكتوبر/تشرين الأول 2023. وتريد جيمس أيضاً من المدعى عليه تسليم حوالي 250 مليون دولار تقول إنه تم الحصول عليها عن طريق الاحتيال.
وفي قرار صدر في 6 ديسمبر/كانون الأول، دان المحلفون مؤسسة ترامب، التي تدير الفنادق وملاعب الجولف والعقارات الأخرى في جميع أنحاء العالم، بثلاث تهم تتعلق بالاحتيال الضريبي وست تهم أخرى في القضية الجنائية التي رفعها المدعي العام لمنطقة مانهاتن، ألفين براج.
من جهة أخرى تم تشكيل هيئة محلفين كبرى خاصة في مايو/أيار من أجل تحقيق المدعي العام في جورجيا في جهود ترامب المزعومة للتأثير على نتائج انتخابات تلك الولاية لعام 2020.
ويركز التحقيق جزئياً على مكالمة هاتفية أجراها ترامب مع وزير خارجية ولاية جورجيا براد رافنسبيرجر، الجمهوري، في 2 يناير 2021، حيث طلب منه «إيجاد» الأصوات الكافية اللازمة لإلغاء خسارة ترامب الانتخابية في جورجيا.
وقال خبراء قانونيون إن ترامب ربما ارتكب ثلاث مخالفات قانونية فيما يتعلق بانتخابات جورجيا هي التآمر لإحداث تزوير في الانتخابات، والتحريض الجنائي على التزوير، والتدخل المتعمد في أداء مهمات الانتخابات.
وفي حال احتدمت المعركة أكثر مع بدء الاستعدادات لحملة الانتخابات الرئاسية لعام 2024 فمن المرجح أن يتخذ السجال الحالي طابعاً أكثر حدة، ما ينذر بمواجهات لا تقتصر على حرمان ترامب من الترشيح.