عرض الاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا» فيلماً وثائقياً عن ملك كرة القدم الراحل بيليه، حيث يمكن للجيل الجديد أن يتعرف إلى اللاعب الذي لم تنجب الملاعب مثله.
يقول التقرير: أطلق دوندينيو وسيليستي على ابنهما الأول اسم إدسون كناية بأحد أهم المخترعين في العالم توماس إديسون. وعلى الرغم من أن أفراد الأسرة أطلقوا عل الطفل لقب «ديكو»، فإن أصدقاءه في المدرسة أطلقوا عليه اسم «بيليه» لأنه لم يكن يحسن لفظ اسم حارس مرمى برازيلي يدعى «بيليه» بشكل صحيح. وظل هذا الاسم مرافقاً له طوال حياته.
يتذكر مؤرخ نادي سانتوس البرازيلي جييرمي جوارشي: «وصل الفتى النحيل من بوارو في عام 1956. لا أصدق أن بيليه – ذلك الفتى النحيل وابن الخمسة عشر ربيعاً – تمكن من التدريب مع الفريق الأول فوراً. كان اللاعبون في نادي سانتوس أبطالاً في عام 1955 وفي قمة ترتيب بطولة الولاية. لكن بيليه كان يراوغ الجميع، والكل يتساءل عن هويته، انضم إلى الفريق بالقميص رقم 10، وبقية القصة أصبحت جزءاً من التاريخ».

كان الأب دوندينيو وأصدقاؤه متسمرين بالقرب من جهاز الراديو ويشعرون بسعادة بالغة، فالبرازيل كانت متقدمة بهدف دون رد على أوروغواي في نهائي مونديال 1950، ولم يكن الفريق بحاجة سوى إلى تعادل في تلك المباراة التي استضافها ملعب ماراكانا، من أجل الفوز بأول لقب للسيليساو في كأس العالم. وعندها غادر بيليه، ابن التاسعة آنذاك، منزل والديه ليلعب كرة القدم مع أصدقائه.
ويستحضر بيليه مجريات ذلك اليوم قائلاً: «عندما عدتُ للمنزل، أصبتُ بالذهول. فقد كانت المرة الأولى التي أشاهد أبي يبكي. كان مدمراً، لكني تعهّدتُ له، وقلت يوماً ما سأفوز بكأس العالم من أجلك»، لتكون تلك لحظة تحول بالنسبة إلى بيليه الذي أراد قبلها أن يصبح ربّان طائرة، لكنه أصبح لاعب كرة قدم.

واجه مدرب منتخب البرازيل فيسنتي فيولا في مونديال 1958 اعتراضاً شديداً من قِبل طبيب نفسي يعمل لصالح الاتحاد البرازيلي على اصطحاب بيليه لخوض منافسات كأس العالم في السويد، مؤكداً أن الفتى لم ينضج بعد. لكن المدرب البرازيلي رد على ذلك قائلاً: «قد تكون على صواب. إلا أنك لا تعرف شيئاً عن كرة القدم، وأنا رأيتُ كيف يلعب بيليه».
استهلّ بيليه وغارينشيا، (أحد أساطيبر ذلك الزمن أيضاً) البطولة من دكة البدلاء، لكن عقب التعادل المفاجئ دون أهداف مع إنجلترا – والذي كان أول تعادل سلبي في تاريخ كأس العالم – ظهر هذا الثنائي في التشكيلة الرئيسية لخوض المباراة الثالثة للبرازيل والتي جمعت منتخب السامبا مع الاتحاد السوفييتي.
استمر بيليه في الظهور على المستطيل الأخضر في السويد، وسجّل الهدف الوحيد لبلاده في مباراة ربع النهائي أمام ويلز، ومن ثم ثلاثية شخصية في شباك فرنسا في نصف النهائي، وثنائية في عرين السويد في موقعة الحسم.
وقال بيليه في الفيلم الوثائقي: «عندما اتجهتُ إلى كأس العالم 1958 اعتقد الناس بأنها ستكون تجربة يصعب عليّ تحملها، وأنها تنطوي على مسؤولية أكبر من اللازم. إلا أن الأمر لم يكن على هذا الشكل. لم أشعر بالقلق. أول هدف سجلته في شباك ويلز كان لحظة مهمة، فقد كان الهدف الذي فتح الباب لمسيرتي».

بيليه هو أصغر هداف وأصغر هداف ثلاثية شخصية «هاتريك» وأصغر لاعب في النهائي وأصغر هداف في المباراة النهائية في تاريخ كأس العالم.
أن جونار جرين الذي واجه البرازيل في مباراة الحسم في نسخة 1958، شارك بمباراته الأولى مع المنتخب السويدي قبل أن يولد بيليه حتى. ولم يشهد تاريخ المباراة النهائية في العرس الكروي العالمي فارقاً عمرياً كهذا بين لاعبين.
أبهرت أهداف بيليه في المباراة النهائية الملك السويدي جوستاف السادس أدول الذي احتفل بها على الرغم من أن خصم النجم البرازيلي كان المنتخب السويدي.
خاض بيليه وغارينشيا معاً ست مباريات في كأس العالم وعدة مواجهات في كأس أمريكا الجنوبية، وواجها الأرجنتين في عدة مناسبات، وكذلك عمالقة الكرة الأوروبية منتخبات إنجلترا وفرنسا والبرتغال والاتحاد السوفييتي وإسبانيا وألمانيا الغربية، دون أن يخسر هذا الثنائي العجيب أياً من تلك المباريات.

بالنظر إلى أن أندية الإنتر ويوفنتوس ومانشستر يونايتد وريال مدريد حاولت ضم بيليه إلى صفوفها عام 1960، أعلنت الحكومة البرازيلية، في ظل حكم الرئيس جانيو كوادروس، أن هذا النجم هو بمثابة «كنز وطني رسمي» لمنع انتقاله إلى خارج البلاد.

  • لوح تذكارية لهدف

سجل بيليه هدفاً ينظر إليه باعتباره أحد أعظم الأهداف في تاريخ المستديرة الساحرة، وذلك في شباك نادي فلومينيزي عام 1961، وكان مذهلاً لدرجة أن بيليه نال عليه وقوف جماهير الفريقين المتنافسين على المدرجات والتصفيق له بحرارة لما يقرب من دقيقتين. وتكريماً لذكرى هذا الهدف، تم وضع لوح تذكاري كُتب عليه «هدف يستحق لوحاً تذكارياً»، وهو مصطلح برازيلي لوصف الأهداف البديعة.
شخصية أوقفت الحرب
قُتل ما بين مليون ومليوني شخص خلال الحرب الأهلية النيجيرية بين عامي 1967 و1970. والمذهل أن الطرفين المتحاربين وهما الحكومة النيجيرية وإقليم بيافرا الانفصالي توصلا إلى هدنة دامت 48 ساعة في عام 1969، من أجل متابعة مباراة جمعت بيليه وناديه سانتوس مع النسور النيجيرية والذي انتهى بالتعادل بهدفين لمثلهما، ونال فيه «الملك» مساندة وتصفيقاً من الجمهور طوال المباراة.
التتويج في ماراكانا
تراجع بيليه، عن اعتزاله اللعب على المستوى الدولي ليساعد البرازيل على اكتساح نسخة كأس العالم في المكسيك 1970. وقبل شهرين ونصف الشهر على انطلاق البطولة، ارتأى المدرب – جواو سالدانا الذي قاد المنتخب البرازيلي في مشوار تصفيات مثالي – أن يستبعد بيليه من تشكيلة الفريق في مباراة ودية أمام تشيلي، ليتسبب هذا القرار بإقالته خلال ساعات قليلة.
توجّه مسؤولو الاتحاد الرياضي البرازيلي إلى معسكر تدريب نادي بوتافوغو دون تخطيط مسبق، وطلبو من ماريو زاغالو القدوم إلى السيارة لأنه أصبح المدرب الجديد للمنتخب الوطني.
مستفيداً من الثقة التي منحه إياها زميله السابق، قام بيليه بإقناع زاغالو وطبيب الفريق ليديو توليدو بإشراك توستاو في البطولة، وهو الذي تعرّض لإصابة في العين هددت مسيرته في عالم كرة القدم. تألق صاحب القميص رقم 9، بينما أبهر زميله صاحب القميص رقم 10 جماهير المستديرة الساحرة، لتكون تلك إحدى أبرز نسخ البطولة من حيث سطوع نجم المواهب الفردية، ولتنتهي بتتويج البرازيليين بالكأس الذهبية.

أن بيليه أصبح ثاني شخص يهزّ الشباك في أربع نسخ من كأس العالم عندما هزّ شباك تشيكوسلوفاكيا، وكان لاعب ألمانيا الغربية أوفه زيلر قد سبقه إلى ذلك قبل ثلاث دقائق فقط. وفي السنوات اللاحقة، كرر ذلك الإنجاز المشرف كل من ميروسلاف كلوزه وكريستيانو رونالدو .
أن بيليه وقّع على 6 تمريرات حاسمة انتهت بأهداف في المكسيك ١٩٧٠، وهو رقم قياسي في كأس العالم.
أن بيليه حقق إنجازاً غير مسبوق بصنع ثلاثة أهداف في موقعتي النهائي: مرة أمام السويد عام 1958، ومرتين أمام إيطاليا عام 1970.

يعود الفضل إلى بيليه في إطلاق لقب «اللعبة الجميلة» على كرة القدم، كما كان وراء إطلاق لقب «الفريق الجميل» على المنتخب البرازيلي الذي اعتلى منصة التتويج في المكسيك 1970.

لم تكن كرة القدم حاضرة بشكل واضح في نيويورك في مطلع السبعينات، لكن مشاهير كرة القدم كانوا معروفين. ولذلك فإنه عندما نجح نادي نيويورك كوزموس بإقناع بيليه في العدول عن اعتزاله والانضمام للفريق في عام 1975، تفجّرت شعبية اللعب، وأصبح كوزموس الفريق الأكثر إبهاراً في العالم، وأصبح «الملك» من أشهر الشخصيات في مدينة نيويورك.
أسر بيليه قلوب الجماهير التي غصّب بها الملاعب لمتابعة مبارياته التي استقطبت الكثير من المشاهير، لا سيما محمد علي وبيتر فرامبتون وجاجر وإلتون جون وهنري كيسنجر وروبرت ريدفورد ورود ستيوارت وباربارا سترايساند، بينما أقنع انتقاله هذا نجوماً من أمثال فرانز بيكنباور وكارلوس ألبرتو وجورجو كيناليا على القدوم إلى نيويورك، ليترك إرثاً خالداً على كرة القدم في الولايات المتحدة الأمريكية في محطته الأخيرة لاعباً.

سجل بيليه 127 هدفاً بشكل استثنائي لسانتوس في سنة تقويمية واحدة: 1959.

هو عدد الأهداف الدولية التي سجلها بيليه في 25 مباراة فقط، لم يصل أي لاعب آخر في التاريخ إلى هذا العدد من الأهداف الدولية عندما كان لا يزال مراهقاً.

كان بيليه في الخامسة عشرة من عمره عندما ظهر لأول مرة في سانتوس وسجل في الفوز 7-1 على كورينثيانز.

  • المشاهير والتكريم

في عام 1970 تم اختيار بيليه كأشهر شخص على هذا الكوكب قبل جون لينون والبابا بولس السادس، وبول مكارتني، ومحمد علي، وبول نيومان، والملكة إليزابيث الثانية، ونيل أرمسترونج، وإلفيس بريسلي، وكلينت إيستوود، وإليزابيث تايلور، وجون واين، وباربرا سترايسند.
بعد بضع سنوات، تم تصنيف العلامة التجارية «بيليه» على أنها ثاني أكبر علامة تجارية في العالم وفقاً لاستبيان وهي أكبر بشكل مذهل من شركات نفط وغاز وبنوك ومصنعي سيارات وشركات طيران وعمالقة اتصالات وكل شيء آخر إلا كوكاكولا.
كان بيليه ومحمد علي وجاكي روبنسون الرياضيين الوحيدين الذين ظهروا قي قائمة مجلة تايم التي الخاصة بأكثر ١٠٠ شخص أهمية في القرن عام 1999.
في نفس العام، كان بيليه واحداً من تسعة رياضيين منحتهم اللجنة الأولمبية الدولية جائزة «رياضي القرن»، على الرغم من عدم مشاركته مطلقاً في الألعاب الأولمبية بشكل مثير للدهشة، ومن بين اللاعبين الآخرين كارل لويس ومارك سبيتز وناديا كومانتشي، ثلاثة من أكثر الرياضيين انتصاراً في تاريخ الألعاب الأولمبية وستيفي جراف ومايكل جوردان.
كان بيليه هو أول من حقق جائزة لوريس لايفتايم أتشيفمنت في عام 2000.

«وصلت على أمل إيقاف رجل عظيم، لكنني ذهبت بعيداً مقتنعاً بأنه لم يولد على نفس الكوكب مثلنا».
كوستا بيريرا عن خسارة بنفيكا 5-2 أمام سانتوس في كأس الانتركونتيننتال 1962 في لشبونة.
«اسمي رونالد ريغان، أنا رئيس الولايات المتحدة الأمريكية لكنك لست بحاجة إلى تقديم نفسك لأن الجميع يعرف من هو بيليه».

«أحدث بيليه ثورة في كرة القدم، وأوقف الحرب، ووحد الدول والعائلات الموحدة، لم تكن هناك مشكلة عرقية، أو في اللغة، ولدت عام 1970 وفي عام 2002 أصبحت بطل العالم وكنت القائد، كان لي شرف استلام كأس العالم من بيليه! يا رجل! إذا قلت المزيد سأبكي إنه أمر عاطفي حقاً!».

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version