كتب – بنيمين زرزور:
يعكس الحضور الإعلامي الطاغي لأخبار الكوارث البيئية الكثير من المؤشرات حول المدى الذي أهملت فيه البشرية العناية بالبيئة، عمداً أو سهواً، وسط حرص كل جهة على رسم استراتيجيات النمو الاقتصادي والتطوير الصناعي والتقني في معزل عن الأضرار الجانبية لهذا الاندفاع، وإذا أضفنا إلى ذلك ما تسبب به الجشع والمنافسات المحمومة بين القوى الكبرى على السيطرة على الموارد الطبيعية في مختلف قارات العالم، فنحن أمام معضلة لا حل لها في غياب التنسيق والتعاون الدولي.
يكاد لا يمر يوم إلا ويصدر فيه تقرير بحثي عن أضرار مثل هذا الإهمال، وهذا التنافس على البيئة، حيث توضح معظم التقارير والدراسات، بالأرقام، حجم الكوارث التي تعرّض لها العالم، ولا يزال مهدداً بالمزيد منها في ظل تحرك دولي خجول لوضع الحلول، أو تنفيذ الالتزامات، وحتى التنصل من تقديم التمويل.
وقد كانت كوارث عام 2022 كثيرة ومتنوعة وكافية لدق المزيد من نواقيس الخطر التي باتت تصم الآذان. فقد شهدنا درجات الحرارة القياسية، والفيضانات، والجفاف الشديد، وحرائق الغابات والزلازل، ما تسبب في وفاة نحو 10 آلاف شخص وخسائر مادية مباشرة بلغت 280 مليار دولار.
وبعد صيف استثنائي في الكثير من مناطق العالم، حاول تقرير أعدته هيئة الأمم المتحدة البحث عن حلول للحد من تحوُّل هذه الظواهر إلى كوارث كاملة، أو في بعض الحالات القضاء عليها تماماً. وأكد التقرير أن استمرار تسارُع تغيّر المناخ، يفاقم مخاطر الكوارث الناجمة عن التغيرات المناخية في المستقبل بسبب تأثيره في الطبيعة وفقدان التنوع البيولوجي.
كوارث استثنائية
ولفت التقرير إلى أن عامي 2021 و2022 شهدا تحطيم كل الأرقام القياسية المرصودة للكوارث حتى الآن، وحدد أسبابها في الاحتباس الحراي، والاستهلاك غير العقلاني للموارد البيئية.
وقد شهد العالم خلال العام الماضي ظواهر عدة، وتعرض لخسائر استثنائية. فعلى صعيد الظواهر كانت هناك موجة الحر في كولومبيا البريطانية، وزلزال هايتي، وإعصار «إيدا» في نيويورك، وفيضانات لاغوس، وحرائق الغابات في البحر المتوسط، وانعدام الأمن الغذائي في جنوب مدغشقر، وجفاف تايوان، وثوران بركان تونغا، وكان آخرها العاصفة الثلجية التي تجتاح الولايات المتحدة، وتركزت في الشرق، حيث تعطلت الحركة في نيويورك، وهبطت درجات الحرارة إلى مستويات غير مسبوقة. وما إن وضعت العاصفة الثلجية أوزارها حتى نشطت العاصفة المدارية «إيلي»، لتغرق الأجزاء الشمالية من ولاية كالفورنيا نتيجة فيضان الأنهار وتشرّد سكان المدن الواقعة في حوض نهر كوسومنيس.
وعلى صعيد الخسائر أصدرت منظمة متخصصة في الإغاثة الإنسانية قائمة بالخسائر الأكبر حجماً التي تعرض لها العالم خلال العام الماضي، وتراوحت قيمتها بين 5 مليارات دولار ومئة مليار. فقد تسبب الإعصار «إيان» الذي ضرب غرب كوبا وجنوب الولايات المتحدة في سبتمبر/ أيلول، بخسائر بلغت 100 مليار دولار، وأزهق أرواح أكثر من 150 نسمة، وشرد 40 ألفاً.
واعتبرت المنظمة التي تحمل اسم «كريستسان إيد» الجفاف الذي ضرب أوروبا في صيف عام 2022 الأسوأ منذ 500 عام، حيث ألحق الأضرار بعمليات إنتاج الغذاء والطاقة وتوافر المياه والحياة البرية، وتسبب في إشعال حرائق الغابات وإتلاف المحاصيل.
وفي يونيو/ حزيران الماضي، شهد جنوب الصين أغزر الهطولات المطرية منذ عام 1961، ما تسبب في حدوث فيضانات وانهيارات أرضية، وأجبر مئات الآلاف على الفرار، بالمقابل شهدت الصين أواخر شهر أغسطس/ آب، أكثر درجات الحرارة ارتفاعاً على مدى سبعين يوماً، ما أثر في حوض نهر اليانغتسي الذي يوفر المياه لأكثر من 450 مليون شخص.
دعوات للتحرك
وسط هذه الموجات المتتابعة من الكوارث الطبيعية تنشط المنظمات غير الحكومية، ومنها أنصار البيئة لتحفيز صناع القرار السياسي على التحرك قبل أن يفوت الآوان ووضع الحلول لإدارة هذه الكوارث بشكل أفضل، مثل تطوير بنية تحتية قادرة على التصدي للمخاطر، وإنشاء شبكات حماية للناس من مخاطر الكوارث، ودعم أنظمة الإنذار المبكر، وتعزيز أنماط الاستهلاك المستدام.
ومما يبعث على الأسى أن آثار الكوارث غالباً ما تكون أشد ضرراً على الفئات الأكثر ضعفاً.
وتقول المنظمة العالمية للأرصاد الجوية إنه خلال الخمسين عاماً الماضية، شهد العالم زيادة في عدد الكوارث سنويّاً بمقدار خمسة أضعاف على الأقل. إلا أن ما حدث في عام 2022 يُعد تحطيماً جديداً للرقم القياسي لعدد الكوارث التي حدثت في مناطق معينة؛ فعلى سبيل المثال شهدت مدينة نيويورك الأمريكية أعلى معدل لهطول الأمطار تم تسجيله على الإطلاق.
ويعتقد خبراء البيئة أن هذا مجرد قمة جبل الجليد، وأن الأسباب الكامنة وراء هذه الظواهر متشابهة في أغلب الأحيان، وتتركز في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، التي تؤدي بدورها إلى تغيُّر المناخ الذي يزيد من مخاطر الكوارث.
وتكثر اقتراحات الحلول في ظل تفاقم المخاطر. فهناك من يوصي بعدم التدخل في شؤون الطبيعة بحيث تصحح قوانينها تلقائياً ما أفسدته يد الدهر، بينما تنشط الأدمغة في تقديم حلول تتفاوت جديتها بتفاوت مصادرها البحثية مثل الابتكار في بدائل الطاقة، وتعديل أنماط العيش، وتعزيز الحوكمة البيئية.
وربما تكون اجتماعات «كوب 62» في غلاسكو و«كوب 27» في شرم الشيخ ومن ثم «كوب 28» الذي تستضيفه دولة الامارات العربية المتحدة هذا العام أبرز الخطوات العملية على صعيد التحركات الرسمية لمواجهة كوارث اليئة. ونظراً لأهمية تمويل مشاريع الحلول فقد تسهم هذه التحركات في تأكيد التزامات الدول الغنية حيال هذه القضية الحرجة، ما يفتح باب الأمل على تخفيف تداعيات الأزمة المناخية.
فقد تعهدت أكثر من 20 دولة خلال مؤتمر «كوب27» بضخ مليارات الدولارات في مشروعات ذكية وصديقة للبيئة في محاولة للحد من تداعيات ظاهرة الاحتباس الحراري. وأدرج المؤتمر للمرة الأولى مسألة «الخسائر والأضرار» الناجمة عن تغير المناخ، على جدول الأعمال الرسمي، فيما لم تف الدول المتطورة بوعودها برفع مساعداتها إلى 100 مليار دولار سنوياً اعتباراً من 2020 للدول الفقيرة من أجل خفض الانبعاثات والاستعداد لتداعيات الاحترار المناخي.