وضعت معاهدة لشبونة لعام 2009 الأسس القانونية والهيكلية للاتحاد الأوروبي بهدف فرض دور فاعل ومؤثر على المستوى العالمي. وفي العقد الذي تلا المعاهدة، عانى الاتحاد الأوروبي نفسه ضغوطاً سياسية واقتصادية شديدة، من أزمات الديون، إلى صعود الأحزاب القومية، وتوترات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. ويقدم الكتاب تأثير هذه التغييرات في السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي ودور الاتحاد في العالم.
يقدم هذا العمل قراءة تقييمية حديثة وشاملة في السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، وهو صادر عن مطبعة معهد بروكينغز في أكتوبر/ تشرين الأول 2022، باللغة الإنجليزية ضمن 366 صفحة. ويركز عدد من المساهمين في الكتاب على العلاقات بين بروكسل وجيرانها الإقليميين، بما في ذلك روسيا؛ والتوترات التي نشأت مع الولايات المتحدة خلال إدارة ترامب؛ والعلاقة المزدهرة مع الصين، ويركز على كيفية تعامل الاتحاد الأوروبي مع قضايا، مثل الهجرة والإرهاب والتجارة والأمن.
تشير المؤلفة إلى أنها بدأت قبل عامين بسؤال حول ما إذا كان مفهوم السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي متناقضاً، كما اقترح جان زيلونكا؟ تقول: «وفقاً له، تأمّل الاتحاد الأوروبي أن يكون له تأثير قوي في أوروبا وبقية العالم من دون تبنّي هذه التطلعات استراتيجية متسقة ومحددة على نحو جيد. وكان الهدف من اعتماد معاهدة لشبونة معالجة هذا التناقض، ولكن بعد مرور عامين، أصبحت الصورة أكثر ضبابية.
يتضمن تاريخ التكامل الأوروبي نضال المجموعة الاقتصادية الأوروبية للحصول على امتيازات ذات أبعاد خارجية كبيرة. فقد فتحت معاهدة روما (1957) الطريق أمام العلاقات الخارجية للمجتمعات الأوروبية على أساس الاعتبارات الاقتصادية. وحاولت خطة بليفين في عام (1950)، وإنشاء اتحاد أوروبا الغربية في عام (1954)، وخطة فوشيه المقترحة في عام (1961) لاحقاً، إضافة القدرات الدبلوماسية والعسكرية إلى الكفاءات الاقتصادية الخارجية التي اكتسبتها المفوضية الأوروبية في وقت سابق. كان الهدف هو تحويل المفوضية الأوروبية إلى جهة فاعلة مستقلة. وفشلت كل هذه المحاولات في تحقيق هدفها، لكن منطق عملية التكامل الأوروبي أدى في النهاية إلى تطور تدريجي نحو تعاون أوثق في السياسة الخارجية. وفي السبعينات، كان التدبير الحاسم الذي تم اتخاذه على هذا المسار الطويل هو إنشاء التعاون السياسي الأوروبي، ليكون تمهيداً للسياسة الخارجية والأمنية المشتركة، والحوار على المستوى الأوروبي».
يتعامل هذا الكتاب أيضاً مع القضايا «الأفقية» و«الرأسية». وتركز القضايا الرأسية على مناطق جغرافية معينة، في حين تستكشف القضايا الأفقية الموضوعات ذات الصلة بالشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي. وتستند التحليلات الرأسية إلى علاقات الاتحاد الأوروبي مع بقية العالم، من جيرانه المباشرين إلى شرق آسيا وأمريكا الشمالية والشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية. في حين تشمل القضايا الأفقية أدوات السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، بدءاً من تلك التي توفرها السياسة الخارجية والأمنية المشتركة للاتحاد الأوروبي إلى العدل والشؤون الداخلية، والسياسة النقدية وسياسة الجوار الأوروبية.
ويتناول العمل الأسئلة التالية: كيف تطورت العلاقات بين الاتحاد الأوروبي نفسه من جهة، وبين الاتحاد الأوروبي وبقية العالم تاريخياً من جهة أخرى؟ ما هي الأدوات التي أنشأتها المفوضية الأوروبية للتعامل مع أجزاء مختلفة من العالم؟ ما هي الأهداف الرئيسة التي يريد الاتحاد الأوروبي السعي لتحقيقها في مناطق أخرى من العالم؟ كيف تغير على مر السنين؟ هل من الممكن القول إنه كان هناك تحول في اهتمام الاتحاد الأوروبي في سياسته الخارجية، من القضايا الاقتصادية إلى القضايا السياسية؟ هل ساهم الاتحاد الأوروبي في تطوير حقوق الإنسان والسلام والديمقراطية؟ هل ساهم الاتحاد الأوروبي في التنمية الاقتصادية لمناطق معينة من العالم؟ هل تساهم السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي في تكوين هوية أوروبية؟ هل يعتبر الاتحاد الأوروبي شريكاً مفيداً وموثوقاً؟
أدوات السياسة الخارجية
يحتوي الفصل الأول من العمل على أدوات السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي. ويتضمن أولاً، لمحة تاريخية عن إنشاء الاتحاد الأوروبي وتطور سياسته الخارجية. ثم يركز على الأدوات الجديدة التي اكتسبها الاتحاد الأوروبي منذ معاهدة لشبونة، مشيراً إلى حدوث صعود تطوري في معاهدات الاتحاد الأوروبي، مع وجود معاهدة لشبونة في القمة، والتي منحت شخصية قضائية فريدة للاتحاد الأوروبي، وخلقت منصب «الممثل الأعلى للاتحاد للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية».
ويُكمل الفصل التالي الذي كتبه رافاييل ترومبيتا، مشيراً إلى أنه عند تحليل السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، لا ينبغي للمرء أن يقع في فخ النظر إلى السياسة الخارجية والأمنية المشتركة فقط. ومن خلال النظر في عمليات التوسيع الناجحة السابقة للاتحاد الأوروبي والعلاقات مع الجوار، يشير ترومبيتا إلى أنه على وجه الخصوص في أعقاب ما يسمى «الربيع العربي»، حقق الاتحاد الأوروبي في مجال «السياسات المنخفضة» مزيداً من النجاح، وقدم أكثر النتائج الواعدة في تأسيس حوافز للتغيير الديمقراطي في المنطقة.
ويناقش كل من ستيفان كيوكلير وكولجا راوب بشكل أكثر تشككاً مما كانا عليه قبل عامين، حول فعالية سياسة الأمن والدفاع الأوروبية التي أصبحت الآن سياسة الأمن والدفاع المشتركة، ويشيران إلى أن المهمات المدنية هي واحدة من أحدث المهام التي تعتبر من «قصص النجاح» في التكامل الأوروبي، وعنصراً إبداعياً على صعيد التطلعات العسكرية للاتحاد الأوروبي. وعلى الرغم من أن السياسة الأمنية والدفاعية المشتركة للاتحاد الأوروبي تمثل تحولاً مهماً في نضال الاتحاد الأوروبي للحصول على قدراته العسكرية الخاصة، إلا أنهما يحذران من أن السياسة الأمنية والدفاعية المشتركة للاتحاد الأوروبي لا يزال أمامها طريق طويل قبل تحقيق ذلك.
ويسلط الفصل الذي كتبته فرانشيسكا لونغو، الضوء على الرابط الذي ظهر بين ركيزتين سابقتين من الاتحاد الأوروبي: السياسة الأمنية والدفاعية المشتركة للاتحاد الأوروبي ومجلس العدل والشؤون الداخلية، بعد إنشاء منطقة الحرية والأمن والعدالة، وترى أن الاتحاد الأوروبي كان، ولا يزال بشكل أساسي قوة «مدنية» و«معيارية».
علاقات الاتحاد الأوروبي مع الجوار
يركز الجزء الثاني من العمل على علاقات الاتحاد الأوروبي مع دول الجوار. ويقدم توم كاسير تحليلاً حديثاً لسياسة الجوار الأوروبية، والتي أشار إلى أنها كانت إطاراً واسعاً للغاية، بحيث لا يشمل تنوع جميع الدول الشريكة، وبالتالي، كان على الاتحاد الأوروبي إعادة النظر في منهجه وإنشاء أطر جديدة، مثل «الاتحاد من أجل المتوسط» و«الشراكة الشرقية». وتمثل سياسة الجوار الأوروبية تحوّلاً في استراتيجية الاتحاد الأوروبي لخلق الاستقرار عبر حدوده من خلال وسائل أخرى غير شروط العضوية. وفي نهاية المطاف، كما يشير كاسيير إلى أنه سيتم تحديد نجاح أو فشل سياسة الجوار الأوروبية من خلال نتائج عملية التعلم الاجتماعي وقدرة الاتحاد الأوروبي على طرح صوت متماسك باستمرار عند التعامل مع جيرانه في الشرق والجنوب.
وتناقش سيرينا جوستي وتوميسلافا بينكوفا، العلاقات التاريخية المتناقضة بين الاتحاد الأوروبي وروسيا، والتي تتأرجح بين الجذب والرفض. كما تستكشفان كيف أن التصورات الذاتية الخاطئة للاتحاد الأوروبي وروسيا تجاه بعضهما بعضاً تشوّه علاقاتهما. وتؤكد جيوستي وبينكوفا أيضاً، أن المواقف المختلفة التي تتبناها الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بشأن روسيا تؤثر بشكل كبير في فعالية السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي. وفي فصل آخر، تعاين سيرينا جوستي وتوميسلافا بينكوفا، سياسة الاتحاد الأوروبي تجاه أوكرانيا وبيلاروسيا. وعند النظر إلى هذين البلدين وتفاعلهما مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وروسيا، تتحدى الكاتبتان العديد من وجهات النظر التقليدية حول هذا الموضوع، وتشيران إلى أن العامين الماضيين شهدا تطورات كثيرة في العلاقات مع البلدين. وتوصي كل من جيوستي وبينكو بأن أفضل طريقة للتعامل مع الجوار الشرقي هي أن يقوم الاتحاد الأوروبي بإشراك روسيا، بشكل عملي وثابت، في محاولة لخلق وضع «يربح فيه الجميع» للمنطقة بأكملها.
وتناقش سينيزا رودين، العلاقات مع منطقة أخرى مجاورة مهمة: غرب البلقان، وتخلص إلى أنه من الناحية المؤسسية، فإن المفوضية الأوروبية ومجلس الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء الفردية (وليس الممثل الأعلى) هي التي تلعب الدور الأكثر أهمية في هذه المنطقة. بعبارة أخرى، لم تنجح معاهدة لشبونة في تكوين صوت واحد للاتحاد الأوروبي عند التعامل مع (جميع) البلدان الثالثة. كما تؤيد رودين بشدة التوسع المستقبلي للاتحاد الأوروبي. وتحذر من أنه في غياب دورة جديدة من مفاوضات العضوية في غرب البلقان ومع تركيا، ستتأثر الذاكرة المؤسسية للاتحاد الأوروبي بشكل سلبي، وستتأخر عمليات التوسع المستقبلية من دون داع. كما يعالج جوزيف جوزيف أكثر القضايا إثارة للجدل في تاريخ توسيع الاتحاد الأوروبي: العضوية المحتملة لتركيا، ويتوقع أن النقاش الساخن سيستمر لسنوات، ويخلص إلى أن مفاوضات الانضمام لن تكون مسألة خلاف حول المكتسبات الجماعية بقدر ما ستكون مهمة للمناورات والمفاوضات الدبلوماسية.
الدول العربية في حوض المتوسط
في فصل عن الاتحاد الأوروبي والدول المتوسطية غير الأعضاء، يعود ألفريد توفياس إلى آليات سياسة الجوار الأوروبية التي قدمها توم كاسير في هذا العمل. وينظر توفياس إلى حالة معينة: سياسة الجوار الأوروبية والدول العربية في حوض البحر الأبيض المتوسط، ويجد أن الاتحاد الأوروبي يجب أن يولي اهتماماً خاصاً لهذه المنطقة، لأنه مع صعود الصين والهند، من المرجح أن تصبح أكثر اعتماداً على منطقة البحر الأبيض المتوسط من أجل استيراد إمدادات الطاقة. ويقترح أنه من المهم بالنسبة للاتحاد الأوروبي أن يكون أكثر مرونة ومساومة مع بعض مصالحه قصيرة الأجل (على سبيل المثال، الحمائية في الزراعة أو التنقل المحدود)، من أجل تحقيق علاقات أفضل ومفيدة للطرفين مع الجوار على المديين، المتوسط والطويل.
العلاقات مع القارات الأخرى
يناقش الجزء الثالث من الكتاب علاقات الاتحاد الأوروبي مع القارات الأخرى. ويتناول الفصل الذي كتبه دانيال هاميلتون تأثير معاهدة لشبونة في العلاقات عبر الأطلسي. ويلاحظ أن كلاً من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة يشعران بالإحباط بسبب تعقيدات الهيكل المؤسسي وترتيبات صنع القرار لكل منهما، وأن معاهدة لشبونة لم تفعل شيئاً يذكر لمعالجة هذه الجوانب. كما يشير إلى أن العلاقات عبر الأطلسي فشلت في التطور على غرار التغييرات التي تحدث في الاتحاد الأوروبي. ويحذر هاملتون من أنه في حالة عدم وجود جهود واعية من كلا الجانبين، للحفاظ على هذه العلاقات وتعزيزها، فإن طبيعة التحديات المعاصرة قد تشجع الجانبين على الابتعاد عن بعضهما بعضاً.
وفي فصل مخصص لعلاقات الاتحاد الأوروبي مع أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، يتذكر خواكين روي أنه لم تزد العلاقات مع هذه المنطقة إلا بعد انضمام إسبانيا والبرتغال إلى الاتحاد الأوروبي. ويجادل روي بأن العلاقة بين الاتحاد الأوروبي والمنطقة غير متكافئة، ولكنها مفيدة، حيث إن الاتحاد الأوروبي هو أحد أكبر المانحين في هذا المجال، ويقدم نموذجاً للتكامل. ويقترح علاقات أقوى بين كندا والاتحاد الأوروبي، مندداً بحقيقة أن العلاقات التجارية الأخيرة قد تدهورت بسبب النزاعات، ويحذر من أن كندا قد تحول اهتمامها نحو مناطق أخرى من العالم، مثل شرق آسيا.
وفي الفصل المخصص للعلاقة بين الاتحاد الأوروبي وإفريقيا، أكد ماوريتسيو كاربوني، أن القارة الإفريقية لعبت دائماً دوراً رئيسياً في العلاقات الخارجية الأوروبية، منذ معاهدة روما التأسيسية. ويحلل بشكل نقدي بنود سلسلة الاتفاقيات الرئيسية الثلاث بين الاتحاد الأوروبي وإفريقيا: اتفاقية ياوندي، اتفاقية لومي، واتفاقية كوتونو. وفي فصلها عن علاقات الاتحاد الأوروبي مع شرق آسيا، تجادل فيلومينا موراي بأن هناك أرضية مشتركة متزايدة بين هذه الجهات الفاعلة من خلال المشاركة متعددة الأبعاد في التجارة والاستثمار والتنمية، والوصول إلى الأسواق، والجوانب المختلفة للسياسة الخارجية. وتحدد الكاتبة هذه العلاقات الإيجابية من خلال القوة الناعمة للاتحاد الأوروبي، والتي يُنظر إليها على أنها بديل مفيد للنهج الأمريكي، وترى أن الاتحاد الأوروبي فشل في تبنّي نهج متماسك تجاه المنطقة حتى قبل التسعينات.
وتحلل مارا كايرا، تطور السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي بقوة كبيرة مع الصين. وتقدم لمحة تاريخية عن العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والصين، منذ بداية العلاقات الرسمية في السبعينات، وحتى الوقت الحاضر، عندما يبدو أن العلاقات بين الفاعلين مدفوعة، في الأغلب، بالبراغماتية. وتشير إلى أن العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والصين لا تزال مقتصرة على الحوارات في قطاعات محددة، نظراً لوجود نقاط الخلاف (تايوان، التبت، وحظر الأسلحة)، وعدم فهم الصين لطبيعة مشروع الاتحاد الأوروبي. وتجد لورا فيريرا بيريرا، بأن الاتحاد الأوروبي يجب أن يلعب دوراً استباقياً، وأن يتصرف بطريقة متسقة أكثر على المستوى الدولي.
ويشير الكتاب في النهاية إلى أنه سيكون من المفيد مقارنة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي بسياسة الدول القومية، وأن الاتحاد الأوروبي كان الأكثر نجاحاً في علاقاته مع دول ثالثة في مجال «السياسة المنخفضة» (الاقتصادية والقضائية، التعاون الشرطي). وفي حين أن معاهدة لشبونة لا تجعل الاتحاد الأوروبي يبدو أشبه بدولة، إلا أنها توفر الأدوات لسياسة خارجية أكثر فاعلية، ونجاح الاتحاد الأوروبي مشروط بالإرادة السياسية المشتركة بين الدول الأعضاء والمؤسسات.