شهدت بولندا تغيرات فعلية في وضع الهجرة من بلد عبور إلى مستضيف. يلقي هذا الكتاب الضوء على التجارب المعقدة لطالبي اللجوء واللاجئين في بولندا على خلفية الخطابات المعادية للاجئين وسياسات الاتحاد الأوروبي نفسه في هذا الشأن.

أدى سقوط الشيوعية في عام 1989، وما تلاها من تحولات سياسية واجتماعية اقتصادية عميقة في أوائل التسعينيات، إلى فتح الحدود البولندية وزيادة التنقل من بولندا وإليها. على مدى عقدين ونصف العقد تقريباً، بعد ذلك تعامل معظم المهاجرين الاقتصاديين وطالبي اللجوء الذين وصلوا إلى بولندا على أنه بلد عبور في طريقهم إلى أوروبا الغربية، بدلاً من أن يكون المقصد. ومع ذلك، فقد أحدثت السنوات الأخيرة تغييراً في وضع الهجرة في بولندا التي تشهد تحولاً إلى حالة بلد يهاجر إليه اللاجئون، خاصة من أوكرانيا. على الرغم من التغييرات في وضع الهجرة، لا يزال يُنظر إلى بولندا على أنها دولة لا يمكنها تطوير استراتيجية فعالة ومتماسكة لسياسة الهجرة واللجوء. منذ عام 2015، يُعزى هذا الشرط في الغالب إلى حقيقة أن البلد نفسه كان يمر بأزمة داخلية خطيرة (سياسية ومؤسسية، ديمقراطية وقانونية)، بعد تغيير الحكومة في نهاية ذلك العام. كما أن نسبة الأجانب بين سكان البلاد تتجه نحو الازدياد. يستحوذ الأوكرانيون على النسبة الأكبر من السكان الأجانب، لكن هذه الأخيرة أصبحت أكثر تنوعاً، ويرجع ذلك إلى حد كبير لتوظيف العمال المهاجرين من دول أخرى غير الدول المجاورة، ولا سيما من جنوب آسيا.

تأثيرات الحرب الروسية الأوكرانية

يأتي تزايد عدد المهاجرين نتيجة مزيج من عوامل جذب داخلية مثل النمو الاقتصادي واحتياجات سوق العمل في بولندا، وعوامل خارجية مثل زيادة عدم الاستقرار السياسي والإنساني والاجتماعي والاقتصادي في بلدان أخرى. من بين العوامل الأخيرة، يستحق الوضع المعقد في أوكرانيا التي تحدّها بولندا من الشرق، اهتماماً خاصاً. ارتبطت الزيادة الديناميكية في الهجرة الأوكرانية إلى بولندا (الطوعية والقسرية) في البداية مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في عام 2014.

قدمت الحكومة تسهيلات لهذا التنقل من خلال العديد من الوسائل القانونية المرتبطة بالهجرة الاقتصادية بدلاً من طلب اللجوء. لم يتم تقديم الخطوات القانونية والمؤسسية لدعم الأوكرانيين الفارّين من الصراع في أوكرانيا إلا في نهاية فبراير 2022 بعد التقدم الروسي واسع النطاق للأراضي الأوكرانية. سيؤثر هذا الأخير بالتأكيد في عدد طالبي اللجوء في بولندا. حتى عام 2020، بلغت أرقام المواطنين الروس من أصل شيشاني مستويات عالية. في منتصف عام 2020، أصبح البيلاروسيون المجموعة الرئيسة التي تقدمت بطلب للحصول على الحماية الدولية في بولندا، وظلوا مهيمنين على طلبات اللجوء في بولندا حتى عام 2021. ولكن في ذلك العام، أدت الأحداث في أفغانستان وإجلاء بولندا للمواطنين الأفغان إلى تغيير الاتجاهات في كل من استقبال طالبي اللجوء ومنح الحماية الدولية لهم.

كان العامل الخارجي الآخر في السنوات الأخيرة، المهم في بعده السياسي وفيما يتعلق بالأنشطة الحكومية، هو أزمة إدارة الهجرة واللاجئين في أوروبا في الفترة 2015-2016. على الرغم من أن بولندا لم تشهد بشكل مباشر تدفقاً متزايداً لطالبي اللجوء في ذلك الوقت، إلا أن المناقشات المكثفة حول كيفية الاستجابة للظاهرة على مستوى الاتحاد الأوروبي ساهمت في تغيير نهج بولندا تجاه المهاجرين بشكل عام وطالبي اللجوء بشكل خاص. كما أدت هذه العوامل إلى ترسيخ الممارسات المترددة تجاه الهجرة القسرية. إلى جانب هنغاريا وتشيكيا، كانت بولندا معارضاً رئيساً لآليات تقاسم الأعباء والمسؤوليات عن طالبي اللجوء في الاتحاد الأوروبي أثناء أزمة اللاجئين. 

 تعقيدات تواجه اللاجئين

يركز هذا الكتاب الذي ساهم في تأليفه خمسة مؤلفين هم (كارولينا سوبشاك- شيلك، مارتا باتشوكا، كونراد بيدزيواتر، جوستينا سزانسكا، مونيكا سزوليكا) على الوضع المعقد للمهاجرين قسراً في بولندا، وهي إحدى الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي منذ عام 2004 وعضو في منطقة شنغن منذ عام 2007. وتعتبر دراسة الحالة المحددة هذه مهمة بشكل خاص، لأن بولندا تُعد بمثابة الحدود الشرقية الخارجية للاتحاد الأوروبي، وبالتالي فهي عرضة لتدفق المهاجرين القسريين وغير الشرعيين من بلدان العالم الثالث، على الرغم من أن كلتا الفئتين من المهاجرين لم تمثلا تحدياً حقيقياً للسلطات البولندية منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين حتى عام 2021.

يركز هذا العمل على المهاجرين قسراً، ويقصد به الأشخاص الذين يطلبون اللجوء، ويرغبون في تقديم أو قدموا طلباً للحماية الدولية في بولندا (بغض النظر عن نتيجة إجراءات اللجوء)، وكذلك أولئك الذين حصلوا على الحماية الدولية. ولذلك، فإن مصطلح «الهجرة القسرية»، يشير إلى «حركة الهجرة التي، على الرغم من أن الدوافع يمكن أن تكون متنوعة، إلا أنها تنطوي على القوة أو الإكراه». و«المهاجرون القسريون» هم طالبو اللجوء والمستفيدون من الحماية الدولية، وكذلك الذين – لأسباب مختلفة – يلتمسون اللجوء ولكنهم حُرموا من فرصة التقدم بطلب للحصول عليه أو رُفضت طلبات لجوئهم. منذ عام 2015، كان وضع طالبي اللجوء واللاجئين في بولندا محل اهتمام كبير للسياسيين ووسائل الإعلام والجمهور الأوسع والنخبة الثقافية، ولكن لا تزال هناك العديد من المفاهيم الخاطئة التي نشأت أو تعززت فيما يتعلق بأسباب وصولهم وظروف التقدم بطلب للحصول على الحماية الدولية، وعملهم أثناء إجراءات الاستقبال، والتغيير المحتمل في وضعهم عندما يتلقون وضع الحماية، واستعدادهم للبقاء في بولندا بعد ذلك.

لا يهدف مؤلفو هذا الكتاب فقط إلى لفت الانتباه إلى حالة المهاجرين قسرياً خلال جميع مراحل إجراءات اللجوء وعملية الاندماج، بل لإظهار كيفية استجابة المهاجرين قسرياً والجهات الفاعلة الأخرى المشاركة في استقبال ودمج هذه المجموعة في بولندا بعد عام 2011، وهو تاريخ الربيع العربي الذي ساهم في إحداث تغيير جذري في واقع اللجوء في بعض دول الاتحاد الأوروبي وتكثيف المناقشات حول الاستجابة المحتملة للتدفق الجماعي للمهاجرين القسريين في كل دولة من دول الاتحاد الأوروبي.

لتسليط الضوء على جذور الإطار القانوني والمؤسسي والتنظيمي لقبول المهاجرين القسريين واستقبالهم وإدماجهم، يشير المؤلفون أيضاً إلى العقدين السابقين. فقد طورت بولندا سياسة اللجوء ما بعد الشيوعية على خلفية تحولات نظام اللجوء في الاتحاد الأوروبي. ومع ذلك، يولي العمل اهتماماً خاصاً بأحدث سياسات وممارسات اللجوء، وتحديداً منذ عام 2015، عندما بدأت العديد من العمليات تؤثر على حوكمة الهجرة القسرية. وارتبط ذلك بالبعد الخارجي، مثل بناء التعاون مع بلدان أوروبا الوسطى والشرقية الأخرى بهدف تطوير آليات الاستجابة لضغوط الهجرة العالية وآليات أخرى غير تلك المقترحة على مستوى الاتحاد الأوروبي. أيضاً، في نهاية عام 2015، إلى جانب تغيير السلطة السياسية في بولندا، يمكننا أن نلاحظ بداية نقاش مكثف حول قدرة بولندا واستعدادها لقبول طالبي اللجوء في سياق المخاطر الأكبر المفترضة على الأمن والنظام العام. شكلت كل هذه الحقائق الظروف التي تمكن فيها المهاجرون القسريون الذين وصلوا في نهاية المطاف إلى بولندا من تنفيذ حقهم في اللجوء والتمتع بالمساعدة المقدمة لطالبي اللجوء واللاجئين.

بولندا دولة اتسمت في السنوات الأخيرة بخطابات معادية للاجئين ولأوروبا، خاصة في 2015-2017 فيما يتعلق بتنفيذ آلية الاتحاد الأوروبي المؤقتة لنقل طالبي اللجوء من إيطاليا واليونان أثناء إدارة أزمة الهجرة واللاجئين في أوروبا؛ وهي على الرغم من وعودها إلى جانب هنغاريا وتشيكيا، لم تنفذ هذه الآلية. وفي الوقت نفسه، تم قبول طالبي اللجوء ضمن الإطار العادي للتشريعات الوطنية. بولندا بلد التناقضات. ويمثل الانفتاح الفعلي على الهجرة الاقتصادية والتعليمية من البلدان التي يُنظر إليها على أنها قريبة ثقافياً ولغوياً، مع مراعاة المصالح الديمغرافية والاجتماعية والاقتصادية للبلد (انخفاض عدد السكان، وشيخوخة المجتمع، وانخفاض عدد الطلاب، والحاجة إلى زيادة تدويل الجامعات واحتياجات سوق العمل وما إلى ذلك)، لكنه يمثل أيضاً إحجاماً – أعلنت عنه الحكومة المركزية وأبلغته علناً – عن قبول المهاجرين القسريين وغير الشرعيين من دول الشرق الأوسط، والتي غالباً ما يتم تحديدها على أنها دول مسلمة.

بنية الكتاب

يتكون الكتاب من 11 فصلاً. يبدأ بمقدمة تلقي الضوء على الحاجة إلى فهم أفضل لسياق عمل ظاهرة الهجرة القسرية في بولندا، والتي تعد واحدة من أحدث الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، كما أنها جزء من الجغرافية السياسية من أوروبا. تشير المقدمة إلى الجوانب الجيوسياسية وغيرها من الظروف على المستوى الكلي التي يجب أخذها في الاعتبار لدراسة السياسات والممارسات الحالية تجاه طالبي اللجوء وكيف يمكن استقبالهم. يقدم الفصل الأول الإطار النظري والمنهجي الرئيس للتحليل المقدم في الكتاب.

يهدف الفصل الثاني إلى إلقاء الضوء على الظروف الجيوسياسية التي تطور فيها نظام قبول طالبي اللجوء إلى بولندا بعد عام 2015، بسبب حاجته إلى منظور أوسع لدى الدولة، لأن طلب اللجوء لا يتعلق فقط بعبور الحدود وطلب الحماية، ولكن أيضاً بشأن الالتزامات التي قبلتها أو رفضتها الدول في مجال تقديم أنواع مختلفة من المساعدة للأشخاص الذين يفرون من الصراعات والعنف والاضطهاد. وتتعلق الأخيرة بالاتفاقات الدولية، ومن بينها اتفاقية جنيف على مستوى الأمم المتحدة لعام 1951 وبروتوكول نيويورك لعام 1967، وهما حجر الأساس؛ كما تعتبر تشريعات وسياسات الاتحاد الأوروبي المتعلقة بالهجرة واللجوء نقاطاً مرجعية حاسمة أيضاً. لذلك يركز هذا الفصل على قضيتين رئيسيتين. أولهما هو وصف بولندا كدولة ما بعد الشيوعية انضمت إلى مجتمع دولي ملتزم بتوفير الحماية الدولية للأشخاص الفارّين من الاضطهاد، وهو ما تم تأكيده رمزياً في عام 1991 إلى جانب توقيع اتفاقية جنيف لعام 1951 من جانب بولندا. يهدف هذا الجزء إلى عرض كل من الظواهر والتطورات في القانون الدولي وقانون الاتحاد الأوروبي التي تؤثر في إنشاء نظام بولندا لإدارة الهجرة القسرية. يركز الجزء الثاني على حجم الهجرة القسرية إلى بولندا بعد عام 1989، مع الأخذ في الاعتبار سياقات الاتحاد الأوروبي ومجموعة فيشغراد.

يوضح الفصل الثالث كيفية بدء إضفاء الطابع الأمني على الهجرة القسرية في بولندا في عام 2015 نتيجة لأزمة إدارة اللاجئين والهجرة، والتي تزامنت مع الحملات الانتخابية قبل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في بولندا التي أجريت في العام نفسه. تم تقديم وصول اللاجئين المحتمل إلى بولندا بنجاح باعتباره «تهديداً أمنياً» رئيسياً أدى إلى تحول في مواقف المجتمع البولندي تجاه طالبي اللجوء واللاجئين. يبحث هذا الفصل في كيفية تأطير السياسيين ووسائل الإعلام للمهاجرين قسراً (طالبي اللجوء واللاجئين) على أنهم قضية أمنية في بولندا منذ عام 2015، وعواقب ذلك التأطير على الرأي العام للمهجرين قسراً.

يقدم الفصل الرابع الإطار القانوني لقبول طالبي اللجوء وتزويدهم بالمساعدة اللازمة، فضلاً عن توفير الحماية للاجئين المعترف بهم.. ويناقش الفصل الخامس نتائج التحليلات التجريبية المخصصة لتجارب طالبي اللجوء واللاجئين في ممارسة حقوقهم المرتبطة بطلب اللجوء في السياق البولندي. يركز هذا الفصل على مسألة طلب الحماية والحصول عليها أو رفضها، كما يتضح من طالبي اللجوء وممثلي المنظمات والمؤسسات المشاركة في إدارة الهجرة القسرية.

ويركز الفصل السادس على الجوانب القانونية والمؤسسية لإدماج طالبي اللجوء واللاجئين في مجال التعليم ودراسة الممارسات الفعلية للاندماج في مجال واحد مختار، وهو تعلم اللغة البولندية. ينصب التركيز على وصول طالبي اللجوء واللاجئين البالغين إلى دورات اللغة البولندية، إلى جانب مع فاعليتهم ودوافع المشاركين لبدء تعلمهم ومواصلته، من أجل معرفة التسهيلات والعقبات الموجودة في اكتساب المتقدمين للغة في البلد المضيف.

ويكشف الفصل السابع عن أهمية السكن باعتباره أحد أهم الاحتياجات الأساسية التي يجب توفيرها أو تلبيتها بشكل فردي لجميع الأشخاص الذين يطلبون اللجوء. يقيّم الفصل المشاكل الرئيسة المرتبطة بتوفير السكن والبدلات. يستكشف الفصل الثامن حالة المهاجرين القسريين من طالبي اللجوء والمستفيدين من الحماية الدولية (اللاجئون والأشخاص ذوو الحماية الفرعية) في سوق العمل البولندي بعد عام 2011. يلخص الفصل التاسع أهمية توفير الخدمات الطبية للمهاجرين في البلد المستضيف، ويبين كيف يتم تزويد طالبي اللجوء بهذه الخدمات من قبل مقدم رعاية صحية يتم اختياره من قبل مكتب الأجانب. أخيراً، يقودنا الفصل العاشر إلى مناقشة حول الدور الأساسي للحقوق والمواطنة في الاندماج الناجح للاجئين، ويتناول الإطار القانوني للحصول على الجنسية وغيرها من الحقوق للمستفيدين من الحماية الدولية في بولندا. كما يحتوي على لمحة عامة عن إحصاءات تجنيس اللاجئين في بولندا. ينتهي الكتاب باستنتاجات في الفصل الحادي عشر يلخص الاعتبارات المهمة لصانعي القرار والخبراء الذين يتعاملون مع قضايا نظام اللاجئين في بولندا، وسياسات الاستقبال والاندماج.


شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version