كتب – بنيمين زرزور:

ربما تحول أصوات الانفجارات في أوكرانيا دون سماع طبول الحرب في شبه الجزيرة الكورية على الرغم من تسارع الأحداث، وارتفاع حدة التوترات التي تنذر بما قد يكون أخطر من الحرب في أوكرانيا، وإن كان هناك من يربط بين المنطقتين من حيث بواعث التهديد على الأقل، إذا استبعدنا الربط الاستراتيجي الذي فرضته التحالفات الأخيرة.

ما يجري بين الكوريتين قد لا يكون تغريداً خارج السرب في الوقت الذي تشهد بؤر التوتر التقليدية على خريطة العالم تحالفات تحمل في طياتها نذر الصدام المباشر أو غير المباشر، بينما مجريات المعارك في أوكرانيا لا تبعث على طمأنة أي من الأطراف.

وإذا كانت مجريات عام 2022 قد كشفت الكثير من مستور حلف شمال الأطلسي ونياته المبيتة ضد روسيا، فقد يكون ذلك كافياً لحث الأطراف على البحث في «دفاترها العتيقة»، عن ملاذ تحسباً لما قد تسفر عنه الأيام القادمة من تصعيد ربما في تايوان أو الشرق الأوسط أو صربيا. الحقيقة أن سياسة «العصا والجزرة» التي اتبعتها واشنطن مع كوريا الشمالية، بهدف تخلي الأخيرة عن برنامجها النووي، لم تثمر حتى الآن على الرغم من تعدد محاولات الرؤساء الأمريكيين، واختلاف أدواتهم التي شملت لقاءات مباشرة مع الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ أون.

التجارب الصاروخية

واليوم تفرض تهديدات صواريخ بيونغ يانغ واقعاً جديداً على خريطة الصراع في شبه الجزيرة الكورية، خاصة أن الرئيس الكوري الجنوبي الجديد يون سوك يول، الذي تولى السلطة في مايو/ أيار الماضي، صعد لهجته ضد الجارة الشمالية منذ انتخابه، واعتبر ردعها بالقوة أفضل حل لتهديداتها.

ولا تزال وتيرة التجارب الصاروخية التي تجريها كوريا الشمالية تثير غضب جيرانها وحلفائهم، وتشهد تزايداً لافتاً؛ حيث سرّعت بيونغ يانغ عمليات إطلاق الصواريخ خلال عام 2022، وهو العام الذي أعلن فيه كيم جونغ أن كوريا الشمالية أصبحت دولة تمتلك أسلحة نووية، وأن أسلحتها موجودة لتبقى.

وأدى ذلك إلى ارتفاع التوترات في شبه الجزيرة الكورية إلى أعلى مستوياتها منذ عام 2017، عندما هدد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كوريا الشمالية بعملية «النار والغضب».

وأحرزت كوريا الشمالية تقدماً كبيراً، أخيراً، بدءاً باختبار صواريخ قصيرة المدى مصممة لضرب كوريا الجنوبية، ثم الصواريخ متوسطة المدى التي يمكن أن تستهدف اليابان. وبحلول نهاية العام، كانت قد اختبرت بنجاح أقوى صاروخ باليستي عابر للقارات حتى الآن – وهو الصاروخ «هوا سونغ 17»، والذي يمكنه نظرياً الوصول إلى أي مكان في الولايات المتحدة.

وقد عدل كيم استراتيجية كوريا النووية في سبتمبر/أيلول؛ حيث أكد أن كوريا الشمالية أصبحت دولة تملك أسلحة نووية وأن هذه الأسلحة لم تعد مصممة للردع وصد العدوان فحسب؛ بل يمكن استخدامها بشكل استباقي وهجومي، لكسب الحرب.

وتضمنت الاستراتيجية لهذا العام أيضاً تصنيع قمر صناعي للتجسس، سيتم إطلاقه هذا الربيع، وصاروخ باليستي عابر للقارات يعمل بالوقود الصلب، والذي يمكن إطلاقه على الولايات المتحدة.

استبعاد المفاوضات

ويفترض المراقبون أن عام 2023 لن يختلف عن سابقه مع استمرار بيونغ يانغ في اختبار ترسانتها النووية وتحسينها وتسريع وتيرتها، في تحدٍ لعقوبات الأمم المتحدة.

ومع وجود مثل هذه القائمة الواسعة من الأهداف، فمن غير المرجح أن يختار الزعيم الكوري الشمالي هذا العام العودة إلى المحادثات مع الولايات المتحدة. فقد انهارت الجولة الأخيرة من مفاوضات نزع السلاح النووي في عام 2019، ومنذ ذلك الحين لم يبدِ كيم أي علامة على رغبته في التحدث.

وكان واضحاً تمتين علاقات كوريا الشمالية مع كل من الصين وروسيا، ما يرى فيه المحللون انعطافاً كلياً في السياسة الكورية الشمالية. وهذا يفرض على واشنطن تغيير منظورها الاستراتيجي للتعامل مع التهديد النووي الكوري وسط تزايد الأصوات التي تنادي بالاعتراف ببيونغ يانغ كدولة نووية والتعايش معها على هذا الأساس، بدلاً من تهديدها.

وتصاعد التوتر منذ مايو/أيار مع وصول رئيس كوريا الجنوبية الجديد، الذي وعد بأن يكون أكثر صرامة في التعامل مع كوريا الشمالية. ويعتقد أن أفضل طريقة لوقف تجاوزات الجارة الشمالية هي الرد بالقوة العسكرية.

وقد أجرى مناورات عسكرية مشتركة واسعة النطاق مع الولايات المتحدة، احتج عليها الشمال، وأطلق المزيد من الصواريخ. وأدى ذلك إلى بدء دورة تصعيد متبادلة تضمنت تحليق طائرات حربية لكل من الجارتين بالقرب من حدود الأخرى، وإطلاق نيران المدفعية في البحر.

وتصاعد الموقف، أخيراً، عندما حلقت كوريا الشمالية بشكل غير متوقع بخمس طائرات من دون طيار في المجال الجوي لكوريا الجنوبية التي فشلت في إسقاطها، ما كشف نقطة ضعف في دفاعاتها، وأثار القلق بين الكوريين الجنوبيين العاديين. وقد تعهد الرئيس الجنوبي بأن ينتقم ويعاقب الشمال على كل استفزاز.

وتصاعدت مع تلك التطورات مخاوف المحللين من أن يشهد العام الحالي مواجهة مباشرة بين الكوريتين، نتيجة استمرار التصعيد أو نتيجة خطأ غير محسوب.

وتوحي الغيوم المتلبدة في سماء شبه الجزيرة الكورية بأنه لا مخرج من الأزمة في ظل ما يشهده العالم من تعزيز التحالفات، خاصة حلفاء الولايات المتحدة الذين حمّلوا أنفسهم مسؤولية محاصرة الصين. ويراهن هؤلاء على تغيير نظام الحكم في بيونغ يانغ، وهذا يدخل في نطاق التفكير الرغائبي. فأهم ما يميز كوريا الشمالية ذلك الغموض المحيط بسياساتها ودوائر القرار فيها؛ بحيث تبقى معظم الأخبار التي تتناقلها وسائل الإعلام العالمية في إطار التكهنات والتحليل، خاصة تلك التي تتعلق بظهور كيم تشو آي، ابنة الزعيم كيم في ثلاث مناسبات عسكرية والذي أثار تكهنات حول خلافته.

وإذا تمكنت القوى الفاعلة في المنطقة من تجنب صدام في المحيط الهادي الذي تزداد بؤر التوتر فيه سخونة، فقد لا يمكنها تجنبه في شبه الجزيرة الكورية التي تقترب من درجة الغليان.


شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version