د. محمد عزالعرب *
ما زالت متاهة المرحلة الانتقالية مستمرة في تونس ولم تصل بعد إلى نهايتها، على الرغم من مرور عقد وعامين على التغيير الذي شهدته البلاد، دون أن يقود ذلك إلى استقرار سياسي. فعلى الرغم من وجود دعم من قطاعات للرأي العام التونسي وبعض القوى السياسية لمشروع الجمهورية الجديدة الذي يسعى الرئيس قيس سعيّد لتدعيم ركائزه منذ منتصف عام 2021.
شهدت بدايات عام 2023 توسعاً في الجبهة المعارضة له، التي تتشكل من جبهة الخلاص الوطني وفي مقدمتها حركة النهضة وحزب الدستوري الحر وغيرهما، وهو ما عكسته التظاهرات والتظاهرات المضادة التي شهدتها البلاد مؤخراً.
فقد خرج المئات من المواطنين للتظاهر في العاصمة التونسية يوم 14 يناير 2023 بالتزامن مع ذكرى الثورة الشعبية التي أسقطت نظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، وانقسمت التظاهرات بين مؤيد ومعارض للرئيس قيس سعيّد ومشروعه السياسي.
تصعيد المعارضة
وتركزت المطالب التي رفعتها الأحزاب المنظمة والمشاركة في هذه المظاهرات، في الآتي:
1- سحب الثقة من رئيس الدولة، طالبت الأحزاب المنظمة لهذه المظاهرات وعلى رأسها حركة النهضة وجبهة الخلاص الوطني بسحب الثقة من رئيس الدولة «قيس سعيّد» وتقديم استقالته والدعوة لإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وذلك احتجاجاً على تدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد بسبب الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها الرئيس «قيس سعيّد» في 25 يوليو 2021، ومواصلته تطبيق هذه السياسات دون تشاور أو تنسيق مع الأحزاب والقوى السياسية، ورفضه إشراكهم في إجراءات الإصلاح السياسي والدستوري التي تضمنتها خريطة الطريق المعلنة في 13 ديسمبر 2022.
2- إلغاء الجولة الثانية من الانتخابات البرلمانية، حيث تدعو الأحزاب والقوى السياسية المعارضة بإلغاء نتائج الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية نظراً لانخفاض نسبة المشاركة والتي بلغت نحو 11% فقط من إجمالي أعداد الناخبين، في حين بلغت نسبة المقاطعة 89% وهو ما تستند إليه الأحزاب المعارضة في المطالبة بعدم إجراء الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية.
3- إجراء حوار وطني لإنقاذ البلاد، تحاول الأحزاب والقوى السياسية التي قامت بتنظيم هذه المظاهرات، العودة مرة أخرى إلى صدارة المشهد السياسي، وذلك من خلال الضغط على الرئيس «سعيد» لإشراكهم في العملية السياسية الحالية الخاصة بإجراءات الإصلاحات السياسي والدستوري، وهو ما يضمن لهم أن يصبحوا جزءاً من المشهد السياسي في مرحلة ما بعد الانتخابات البرلمانية، وفي هذا الإطار طرح الاتحاد التونسي العام للشغل مبادرة لإنقاذ البلاد من أزماتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية الراهنة، وهو ما دفع الاتحاد لدعوة أنصاره لتنظيم تحركات قطاعية لخوض معركة وطنية– وفقاً لتصريحات الأمين العام للاتحاد نور الدين الطبوبي- من أجل الاستحقاقات الاجتماعية.
4- تقييد الحقوق والحريات العامة، جاءت مظاهرات المعارضة احتجاجاً على ما وصفه نقيب الصحفيين محمد ياسين الجلاصي بالإجراءات الأمنية التي أصبحت تقيد الحقوق والحريات العامة لأفراد المجتمع التونسي في الوقت الراهن.
وفي مواجهة التصعيد الذي تمارسه الأحزاب السياسية المعارضة ضد الرئيس «قيس سعيّد»، لجأ الأخير إلى بعض الإجراءات، ومنها الاستعانة بقوى الشارع خاصة أن هناك الكثير من المؤيدين للرئيس سعيَد ومنحوه ثقتهم لمواصلة ما يقوم به من إصلاحات سياسية جذرية، وهو ما يقوم الرئيس سعيّد بتوظيفه من خلال تأكيده المستمر في تصريحاته المختلفة على أن الكلمة النهائية تعود للشعب. وتعمد الرئيس سعيّد التأكيد على أن تاريخ «14 يناير» هو تاريخ سقوط نظام زين العابدين بن علي ومغادرته تونس وليس ذكرى الثورة، بل يوم 17 ديسمبر هو ذكرى الثورة بوصفه تاريخاً لبدء الاحتجاجات التي أفضت لسقوط النظام السابق.
كما تبنى الرئيس قيس سعيّد خطاباً سياسياً اتسم بالحدة والتصعيد في مواجهة الأحزاب والقوى السياسية المعارضة ووجّه تهماً لها بالعمالة وخيانة الدولة التونسية.
علاوة على استكمال إجراءات مشروعه السياسي، إذ واجه الرئيس سعيّد المظاهرات التي خرجت للمطالبة برحيله وإسقاط نظامه السياسي، بالإيعاز إلى الهيئة العليا المستقلة للانتخابات للإعلان في اليوم التالي مباشرة لهذه المظاهرات في 15 يناير الجاري، بتحديد يوم 29 يناير(كانون الثاني) الجاري موعداً لإجراء الجولة الثانية من الانتخابات البرلمانية في 131 دائرة انتخابية ويتنافس فيها 262 مترشحاً.
تأزم الاقتصاد
وقد تزامن مع ذلك استمرار تعثر الاقتصاد التونسي، وهو ما عبرت عنه مؤشرات مختلفة مثل تراجع النمو وازدياد معدل التضخم والذي حذر منه محافظ البنك المركزي التونسي في تصريحات بتاريخ 4 يناير الجاري من أن بلاده قد لا تستطيع السيطرة على معدلات التضخم إذا لم يتم اتخاذ إجراءات. وتوقع بأن يصل التضخم إلى 11% في عام 2023 ارتفاعاً عن 8.3% في عام 2022، وهو ما يتطلب التوصل لاتفاق سريع مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بقيمة 1.9 مليار دولار، على حد تصوره.
وقد يكون ذلك أحد أساليب الضغط من الاتحاد التونسي للشغل ومقدمة لاحتجاجات وإضرابات مرتقبة خلال الأسابيع القادمة، ستشمل يومي 25 و26 يناير(كانون الثاني) الحالي المقبل قطاعات النقل البري والبحري والجوي.
خلاصة القول، إن الأوضاع المعقدة التي تشهدها البلاد من حيث الاستقطاب السياسي والتأزم الاقتصادي والإضراب الفئوي والتهديد الأمني تعمّق من متاهة الانتقال.
* رئيس وحدة الدراسات العربية والإقليمية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية