شهدت بريطانيا، أمس الأربعاء، أكبر مسيرة عمالية تشهدها منذ سنوات، للمطالبة برفع الأجور وسط ارتفاع معدلات التضخم إلى مستويات قياسية، وانضم ما يقرب من نصف مليون عامل وموظف إلى الإضرابات القطاعية، بالتزامن مع موجة إضرابات شديدة الخطورة و«تعبئات وطنية» في عدد من الدول الأخرى مثل فرنسا وبلجيكا وإسبانيا وهولندا والبرتغال، وعلى الرغم من تعدُّد الأسباب الدافعة لهذه الإضرابات والاحتجاجات، إلا أنها ترجع أغلبيتها إلى الأوضاع الاقتصادية، وارتفاع الأسعار بسبب تأثيرات الحرب في أوكرانيا، في وقت تصرف فيه الحكومات الأوروبية مليارات الدولار لدعم كييف بالمال والسلاح.

وأغلقت آلاف المدارس في المملكة المتحدة بعض أو كل فصولها الدراسية، وأصيبت خدمات القطارات بالشلل وحدثت تأخيرات في المطارات في أكبر يوم إضراب صناعي تشهده بريطانيا منذ أكثر من عقد، حيث تصعّد النقابات الضغط على الحكومة للمطالبة بتحسين الأجور، وسط أزمة غلاء المعيشة. وتهدد اتحادات العمال بمزيد من تعطيل الأعمال على نطاق واسع، مع إصرار الحكومة على رفض المطالبات بزيادة الأجور

ودُعي نحو نصف مليون شخص في المملكة المتحدة إلى الإضراب الأربعاء، عشية مرور مئة يوم على تشكيل حكومة ريشي سوناك المحافظة. وتؤثر الإضرابات في الاقتصاد بأسره وتطول التداعيات كافة البريطانيين حتى غير المضربين منهم، والمضطرين إلى البقاء في المنزل لرعاية أطفالهم أو بسبب عدم قدرتهم على الذهاب إلى مكان عملهم.

وكان سوناك قد قال، الاثنين الماضي، خلال زيارة لعاملين في قطاع الصحة يخططون لمواصلة إضرابهم في الأيام المقبلة «لا أريد سوى… أن يكون لديّ عصا سحرية لأدفع لكم جميعكم أكثر».

غير أنه يعتبر أيضاً أن رفع الأجور سيساهم في زيادة التضخم وتراجع المالية العامة التي تواجه صعوبات منذ بداية جائحة كوفيد-19 وأزمة الطاقة.

وتشير التوقعات الأخيرة لصندوق النقد الدولي إلى أن المملكة المتحدة ستكون هذا العام الاقتصاد الكبير الوحيد الذي سيعاني ركوداً مع انكماش بنسبة 0,6% من إجمالي الناتج المحلي.

في غضون ذلك، من المقرر تنظيم إضراب جديد في قطاع السكك الحديد اعتباراً من الجمعة فيما صوّت عناصر الإطفاء لصالح إضراب هو الأول من نوعه خلال عشرين عاماً.

وتشهد دول أوروبية أخرى، على غرار بريطانيا، موجة من الإضرابات والاحتجاجات، للمطالبة بتحسين أوضاع العمال في ظل أزمة كلفة معيشة، وخلافات بشأن سياسات الإنفاق الوطنية.

أزمة فرنسا بلا حل

وأدت الخلافات بشأن خطط التقاعد بين الحكومة والنقابات في فرنسا، إلى موجة من الاحتجاجات الكبيرة، وتسبب إضراب ثانٍ على مستوى البلاد، أمس الأول الثلاثاء، في تعطيل إنتاج الكهرباء وحركة النقل العام والمدارس. وقالت وزارة الداخلية الفرنسية في بيان، إن 1.272 مليون شخص شاركوا في الإضرابات والاحتجاجات التي تم تنظيمها الثلاثاء احتجاجاً على إصلاحات التقاعد.

ويكمن جوهر الخلاف بين الحكومة والنقابات، في التداعيات الاقتصادية لقرارات رفع سن التقاعد، إذ يصر الرئيس إيمانويل ماكرون على أنَّ الإصلاح «ضروري» لضمان استمرار عمل نظام المعاشات التقاعدية، فيما تقول النقابات إنَّ هناك سبلاً أخرى لتحقيق ذلك، مثل فرض ضرائب على الأثرياء أو مطالبة أصحاب العمل أو المتقاعدين الميسورين بالمساهمة بشكل أكبر.

وفي بلجيكا، تضغط النقابات العمالية من أجل إنهاء ما تعتبره عجزاً في القوى العاملة، وتظاهر أكثر من 12 ألف عامل في القطاع العام ببروكسل، الثلاثاء، في دعوة للمطالبة بإضراب بسبب نقص الموظفين. وتطالب النقابات بمزيد من القوة الشرائية في القطاع العام، والضغط من أجل زيادة الأجور وتحسين ظروف العمل. وقالت النقابات في بيان: «نحن قلقون بشأن عبء العمل الكبير والتوازن غير الواضح بين العمل والحياة.. وهذا هو السبب في أننا سنخرج إلى شوارع بروكسل».

سلسلة إضرابات

وشهدت إسبانيا، الإثنين الماضي، إضرابا لمراقبي الحركة الجوية هو الأول في سلسلة من خمسة إضرابات تحدث كل اثنين بين 30 يناير و27 فبراير، لمطالبة الحكومة بزيادة مؤشر أسعار المستهلك، وإزالة 12 إلى 15% من تخفيضات الأجور. ومن المتوقع أن يؤثر الإضراب الأسبوعي على 28% من إجمالي الحركة الجوية في البلاد.

وبموازاة ذلك،سيبدأ عمال النقل العام الهولنديون إضراباً لمدة 5 أيام في جميع أنحاء البلاد، اعتباراً من الاثنين المقبل، احتجاجاً على انهيار المفاوضات مع الحكومة بشأن اتفاق جماعي جديد يضم 13 ألف موظف. وتسبَّب إضراب سابق في تعطيل نحو 40% من وسائل النقل العام في مناطق مختلفة بالبلاد.

أمَّا في اليونان، فيستعد العمال في خدمات البناء البلدية في جميع أنحاء البلاد، لإيقاف العمل ليوم واحد الخميس، للضغط على الحكومة من أجل رفع مستويات التوظيف، وزيادة الأجور، ووضع حد للخصخصة والاستعانة بمصادر خارجية.

وأمام تصعيد الإضرابات تدرس بعض الحكومات الأوروبية، تعديل تشريعاتها لمواجهة هذه الاحتجاجات، فيما يؤكد مسؤولون وخبراء أن اتساع ظاهرة الغضب في أوروبا يعود مباشرة إلى تأثيرات الحرب في أوكرانيا على الأوضاع المعيشية في دول الاتحاد الأوروبي التي اعتمدت طوال سنوات على إمدادات الطاقة الروسية.


شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version