كتب – المحرر السياسي:

تصطدم جهود دول العالم في ما يتعلق بمواجهة أزمات الكوكب الملحة والكوارث الطبيعية المفاجئة التي تهدد سلامة سكانه، بحالة من عدم التوافق تصل حد الاختلاف أوالصدام أحياناً، خاصة عندما تبنى مواقف الدول الفاعلة من أزمة ما على أيديولوجيات السياسة طويلة الأمد، أومصالح آنية لهذه الدولة، أو تلك.

إذا كانت طبيعة بعض الأزمات تحتمل التأجيل والمماطلة في الحل إلا أن الكوارث الطبيعية التي تأتي بلا سابق إنذار، تتطلب تحركات عاجلة واستجابات فاعلة، الأمر الذي يفضح ازدواجية المعايير لدى دول الغرب على وجه الخصوص، في التعامل مع هذه الكوارث.

ولا يغيب عن ذاكرة المتابعين الموقف الذي اتخذته بعض دول القارة الأوروبية من اللاجئين بعد نشوب الحرب في أوكرانيا، حيث دعت إلى طرد اللاجئين من خارج دول الاتحاد الأوروبي لإحلال الفارين من الحرب محلهم بدعوى أن المهاجرين الجدد هم «أبناء جلدتهم».

السياسة أولاً

وتتكرر هذه المواقف مع كل أزمة، وهو ما يتكرر اليوم في التعامل مع كارثة الزلزال الذي ضربت سوريا وتركيا بداية الشهر الجاري، حيث اتخذت دول الغرب تقودها الولايات المتحدة، مواقف تراوحت بين التمنع والتردد في تقديم الدعم ومواد الإغاثة العاجلة للشعب السوري بحجة العقوبات.

وكان واضحاً كما في حالات سابقة، أن السياسات الغربية تقدم ما هو سياسي على ما هو إنساني. إلا أن الانكشاف الأخلاقي ربما يكون دفع واشنطن لتجميد العقوبات جزئياً لمدة ستة أشهر يشمل المواد الإغاثية فقط. وفي ظل كارثة مدمرة كهذه يعتبر الموقف الأمريكي أقل من الحد الأدنى المتوقع من دولة بهذا الحجم تعطي دروساً للعالم في حقوق الإنسان.

وقد شجع القرار الأمريكي دول أوروبا على الخروج عن صمتها، والسماح بإرسال مساعدات للمنكوبين لكن عن طريق منظمات غير حكومية، وهو موقف لا ينطوي على قرار سياسي واضح، بل يدع إيصال المساعدات في حالة من الفوضى التنظيمية التي قد تحول دون المبادرة لجمعها وإيصالها أصلاً. ويتناقض هذا الموقف مع إعلان المفوضية الأوروبية عن عقد مؤتمر للمانحين من أجل مساعدة سوريا وتركيا على مواجهة تبعات الكارثة الشهر المقبل.

وفي الوقت الذي أحدث الزلزال هزة في الترتيبات السياسية على صعيد المنطقة، حيث سارعت الدول العربية لنجدة الشعب السوري بكل السبل وفي مقدمتها دولة الإمارات العربية المتحدة التي زار وزير خارجيتها سمو الشيخ عبد الله بن زياد آل نهيان، دمشق، والتقى بالرئيس بشار الأسد الذي اعرب عن تقديره للموقف الإماراتي وعن أهمية الدعم الذي قدمته الإمارات في تخفيف آثار الكارثة، تتسبب عراقيل محلية على الأرض في وصول المساعدات وجهود الإغاثة لمواقع الزلزال الذي ضرب عدة مدن وبلدات في الشمال والغرب السوري، وهدم آلاف المنازل وشرد الملايين، فضلاً عن القتلى والمصابين.

حواجز المعابر

ولم تفكك قوة الزلزال الهائلة تلك الحواجز التي تفصل بين الأطراف المتحاربة على الأرض التي عرقلت العمل الإنساني قبل الزلزال، وبعده.

ولا تزال الأطراف تبحث عن مخرج من تعقيدات المعابر وآليات دخول مواد الإغاثة وتوزيعها. فقد أقر وكيل الأمين العام للأمم المتحدة ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ، مارتن غريفيث، بفشل المنظمة في مساعدة آلاف المدنيين السوريين، وعجزها عن إيصال المساعدات إلى المنكوبين جراء الزلزال.

وقال غريفيث في تغريدة نشرت على حسابه عبر «تويتر»، «لقد خذلنا سكان شمال غربي سوريا. إنهم على حق في شعورهم بأن العالم تخلى عنهم وهم يتطلعون إلى مساعدة دولية لم تصل».

وقال غريفيث إن موافقة الحكومة السورية على وصول المساعدات للأجزاء الواقعة خارج سيطرتها خطوة جيدة تفتح نوافذ الأمل. وأضاف أن جهود الإغاثة سيتم تنسيقها مع الأمم المتحدة والهلال الأحمر العربي السوري، واللجنة الدولية للصليب الأحمر.

وسمح إعلان الحكومة بإيصال المساعدات عبر الخطوط الأمامية الداخلية، وليس عبر الحدود من البلدان المجاورة الذي يخضع لحسابات سياسية خارجية. ويحتاج الشريان الحيوي الوحيد لإيصال الإغاثة لتلك المناطق،إلى إذن من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

وأكد يان إيغلاند، الأمين العام للمجلس النرويجي للاجئين، أن أكثر المناطق التي ضربها الزلزال في سوريا تقع في الشمال الغربي، حيث تختلط فيه الأمور ما يحول دون الوصول الكامل والحر عبر الخطوط الأمامية، وتوزيع كامل ومجاني للمساعدات.

وتتعرّض الأمم المتحدة الآن لضغوط متزايدة لإيجاد طرق جديدة للتغلب على السياسة وإنشاء طرق جديدة مع تزايد القلق بشأن عمق المعاناة، حيث يلجأ الملايين إلى الخيام أو البقاء في أرض مفتوحة، في طقس شتوي صعب.

وتمثل الخريطة السياسية في سوريا حقل ألغام في وجه العمل الإنساني حيث يقع جزء كبير من شمال غرب سوريا تحت سيطرة «هيئة تحرير الشام»، وهي حركة متشددة صنفتها واشنطن كمنظمة إرهابية. وتسيطر القوات الكردية السورية التي تدور في الفلك الأمريكي على مساحات واسعة من الأراضي، لكنها تقيم في بعض الأحيان تحالفات بناء على ما تمليه مصالحها. وتزيد الجيوب التي تسيطر عليها قوات ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية «داعش»، من المخاطر الكامنة في أي عملية إغاثة.

وتطالب الأمم المتحدة بالفصل بين ما هو سياسي وما هو إنساني، عند العمل على إغاثة منكوبي الزلزال في سوريا وتركيا، وهو ما تؤكد عليه بعض الدول، ومنها روسيا والصين، ومعها المنظمات غير الحكومية، وقد استجابت الحكومة السورية لنداءات هذه الأطراف.

وسط هذا الخليط المعقد من المواقف السياسية تستمر الكارثة وتبعاتها في حصد أرواح القابعين تحت الأنقاض، ويستمر عداد الموت في إحصاء الضحايا الذين توقعت الأمم المتحدة أن يصل إلى 8 أضعاف المعلن عنه، بعد أن تجاوزت الأرقام الرسمية في البلدين حاجز 40 ألف قتيل.


شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version