كتب – بنيمين زرزور:

قد يكون من الطبيعي تباين مواقف دول العالم من الحرب الدائرة في أوكرانيا، لكن ذلك يترك آثاره المباشرة في سير المعارك على الأرض، كما سيكون له تأثيره في نتائجها النهائية، وبالتالي في خارطة النفوذ الاستراتيجي الذي تقاتل الدول المتنافسة على زعامة العالم من أجله.

تحول ضبابية الصورة، في معظم جوانبها، دون تلمس ملامح تلك النتائج التي تبقى رهناً بعدد من العوامل، أهمها أداء القوات على الأرض، وهو ما يبدو في مصلحة الروس بالمرحلة الحالية، وصمود التحالف الغربي الذي تعددت مؤشرات تصدعه وتعمقت خلافات أطرافه.

وبينما تشهد الأراضي الواقعة في جنوب وشرق أوكرانيا، حالة من المد والجزر في سير المعارك، خطفت مدينة باخموت الأضواء خلال الأسبوع الماضي. وقد أطلق الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على المدينة الشرقية لقب «حصننا»، في إشارة إلى الأهمية الاستراتيجية التي تتمتع بها المدينة حالياً.

وقد أمضت القوات الروسية الأشهر الستة الماضية في محاولة إعاة السيطرة عليها، وتتعرض المدينة حالياً لوابل من القذائف لا يتوقف، لأن المهمة يجب أن تنتهي قبل الرابع والعشرين من فبراير/شباط الذكرى السنوية الأولى لشن الحرب.

ويخوض الأوكرانيون حرب شوارع تتم فيها التحركات خطوة بخطوة حسب الأوامر في طقس شتوي صعب، فوق ركام جليدي يغطي أرض الشوارع، وأزيز الطائرات الروسية من دون طيار شاغلهم الرئيسي ومصدر الخطر الذي ينبغي الحذر منه على مدار الساعة.

معارك طاحنة

ولا تزال القوات الأوكرانية تسيطر على المدينة، على الرغم من درجات الحرارة دون الصفر، وتضاؤل ما لديها من الذخيرة. وهناك شعور بالخذلان حيال الحلفاء الغربيين الذين كان يفترض فيهم تزويد القوات الأوكرانية بالمزيد من قذائف المدفعية وأجهزة اتصال مشفرة، لكنهم مرغمون على القتال بما لديهم ولو كان قليلاً.

لقد صارت معركة باخموت حرباً داخل الحرب. فأرض المعركة شهدت ولا تزال أعنف المعارك في تاريخ الجيوش الحديثة. وتميل الكفة تدريجياً لمصلحة القوات الروسية التي تتقدم متراً بعد متر بفعل هجمات منسقة على شكل موجات بشرية بتشكيلات محدودة العدد من عناصر مجموعة فاغنر التي تحولت إلى قوة تثير الذعر في أوروبا على حد تعبير دبلوماسي غربي.

وتسيطر القوات الروسية حالياً على طريقين رئيسيين، بينما تسيطر القوات الأوكرانية على طريق ثانوي يشكل خط إمدادها الوحيد. وقال ضابط في اللواء 93 الأوكراني، مسؤول عن الإعلام والتوجيه المعنوي: «إنهم يحاولون الاستيلاء على المدينة منذ يوليو/تموز، ويحققون فوزاً تدريجياً، ولديهم المزيد من الموارد التي تضمن لهم الفوز في حال استمر القتال لآجال طويلة. ولا يمكنني تحديد المدة التي يستغرقها حسم المعركة».

نحو مدن أخرى

وإذا انسحب المدافعون عن باخموت، فسيؤدي ذلك إلى تمهيد الطريق لروسيا للدفع باتجاه مدن أكبر في شرق أوكرانيا، مثل كراماتورسك وسلوفيانسك.

وقد صعَّدت موسكو من هجماتها في مناطق أخرى على خط المواجهة بمنطقة دونباس في الشرق والجنوب، حيث يقول المسؤولون الأوكرانيون إن هجوماً روسياً جديداً بدأ بالفعل.

ولا يزال حوالي 5000 مدني في باخموت بدون مياه أو كهرباء أغلبهم من كبار السن والفقراء، بعضهم موالون لموسكو ينتظرون وصول القوات الروسية.

وسط هذه الصورة، يستعر الجدل حول الدعم الغربي، ومعه تتعمق الخلافات بين الحلفاء حول طبيعة الأسلحة التي يمكن إرسالها لأرض المعركة، ومدى فاعليتها، فضلاً عن حساسيتها لدى كل دولة عضو في التحالف.

وقد حذر ينس ستولتنبرغ، الأمين العام لحلف شمال الأطلسي من أن أوكرانيا تستهلك الذخيرة بوتيرة أسرع مما تستطيع حليفاتها الغربية توفيره، ما يفرض ضغوطاً على الصناعات الدفاعية الغربية، في وقت تكثف فيه روسيا هجومها العسكري.

وقال ستولتنبرغ إن الحرب في أوكرانيا تستهلك كمية هائلة من الذخيرة، وتستنفد مخزون الحلفاء. ويفوق معدل استهلاك أوكرانيا للذخيرة عدة مرات معدل الإنتاج الحالي، وهذا يعرض صناعاتنا الدفاعية لضغوط كبيرة.

وأضاف: «هناك الآن نقاش يدور أيضاً حول مسألة الطائرات، موضحاً أن إمداد أوكرانيا بالطائرات في وقت تتعرض فيه لهجوم عنيف، بحاجة إلى دعم عملي عاجل. وأكد أن تزويد دول الحلف لأوكرانيا بالمقاتلات لن يجعل الحلف طرفاً في الصراع. وتفيد التقديرات بأن أوكرانيا تطلق نحو ستة إلى سبعة آلاف قذيفة يومياً، وهو ما يعادل ثلث ما تستخدمه روسيا، بعد مرور عام على اندلاع الحرب.

وقال ستولتنبرغ إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد بدأ بالفعل هجوم الربيع. لذلك يجب أن نواصل تزويد أوكرانيا بما تحتاجه لإحراز النصر وتحقيق سلام عادل ودائم.

وقال للصحفيين في بروكسل: واضح أننا في سباق لوجستيات. يجب أن تصل القدرات الأساسية مثل الذخيرة والوقود وقطع الغيار إلى أوكرانيا قبل أن تتمكن روسيا من أخذ زمام المبادرة في ساحة المعركة وسوف تنقذ السرعة أرواحا كثيرة.

وبينما تتصاعد حدة المعارك، تتعالى من جديد الأصوات المعارضة للدعم الذي تقدمه بعض الدول الأوروبية للرئيس الأوكراني. فقد ألقى رئيس الوزراء الإيطالي السابق سيلفيو برلوسكوني باللوم على رئيس أوكرانيا في العملية العسكرية الروسية الخاصة، والتي تقترب من عامها الأول، في موقف يتناقض كلياً مع موقف رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني التي تدعم كييف بكل قوة.

وقال برلوسكوني، الذي يعتبر صديقاً للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إن الحرب في أوكرانيا «لم تكن لتحدث مطلقاً» لو كان الرئيس الأوكراني «أوقف مهاجمة جمهوريتي دونباس اللتين تتمتعان بحكم ذاتي»، وهما ضمن أجزاء ضمتها روسيا.

وفي الجانب الآخر، وبعدما فتح رئيس الوزراء البريطاني، ريشي سوناك، الباب أمام بريطانيا لإرسال طائرات مقاتلة إلى أوكرانيا بعد نداء من الرئيس الأوكراني، يخطط البلدان لتصنيع الأسلحة والمركبات العسكرية البريطانية داخل أوكرانيا.

كما تجري شركات دفاعية أوروبية أخرى محادثات مع أوكرانيا، حيث تحرص الشركات البريطانية على عدم إفساح المجال لمنافسيها الفرنسيين والألمان، فيما يعتبر هذا في نظر المحللين تصعيداً غير مباشر لحدة المعارك.


شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version