د. محمد عزالعرب*

تواجه العلاقة بين الرئيس التونسي قيس سعيّد والاتحاد العام للشغل توتراً صريحاً، خلال الفترة المقبلة، لاسيما بعد الفجوة في الرؤى تجاه التعامل مع مشكلات الداخل التونسي، حيث ترى مؤسسة الرئاسة أن السلطة للدولة فقط، والحكم لمؤسساتها، في حين أن هناك رأياً مقابله يمثله اتحاد الشغل مفاده أنه لا يمكن تقرير مصير البلاد وإصلاح أحوال شعبها بمعزل عن مؤسسات المجتمع المدني وسلطة اتحاد الشغل.

يبدو أن اتحاد الشغل يرى أن هدف الرئيس هو المزيد من التحكم في السلطة وإدارة الحكم بمفرده، أما اتحاد الشغل فلا يريد التفريط في دوره الوطني في اتخاذ القرارات الحاسمة، لاسيما وأنه كان اللاعب الرئيسي في التوسط بين الفرقاء السياسيين لوضع دستور توافقي عام 2014، ثم مواجهة حركة النهضة حينما حاولت السيطرة على مقاليد الحكم بعد ثورة 2011.

وكان أحد المسببات الرئيسية لتوتر العلاقة بين الرئيس التونسي والاتحاد العام التونسي للشغل انتقاد اعتقال إحدى الشخصيات القيادية النقابية، وهي أنيس الكعبي، الكاتب العام لنقابة الطرق السريعة، فضلاً عن التقدم بشكوى ضد 17 قيادياً من قطاع النقل، بسبب تنفيذ إضراب في محطات استخلاص الطرق السريعة يومي 25 و26 يناير/ كانون الثاني الماضي. جاء ذلك بعد أيام قليلة من خطاب للرئيس سعيّد من داخل أكبر ثكنة للحرس الوطني «العوينة» في تونس، حيث قال «إن الحق النقابي مضمون ولكن لا يمكن أن يتحول إلى غطاء لمآرب سياسية»، داعياً إلى «ضرورة اتخاذ إجراءات ضد من يتآمرون على الأمن القومي أو ضد الشركات العامة».

الطبوبي والرئيس

وفي هذا السياق، عقد الاتحاد العام التونسي للشغل، في 3 فبراير/ شباط الجاري، اجتماعاً ضم رؤساء الاتحادات الجهوية التابعة للاتحاد، للرد على استهداف العمل النقابي من قبل السلطات التونسية بعد اعتقال الكعبي. وقد انتقد نورالدين الطبوبي، رئيس اتحاد الشغل خيارات وسياسات الرئيس سعيّد قائلاً «إن الرئيس اختار الطريق الخطأ، وكان عليه من باب الحكمة توحيد الشعب. بعد فشل مسار الانتخابات في الدورين الأول والثاني»، وبرر «أن الكلمات التي استخدمها رئيس الجمهورية، مثل التطهير والحرب والخيانة العظمي، لا تتناسب مع الواقع التونسي»، معتبراً أن خطاب الرئيسي «خارج السياق الشعبي، وهدفه لفت الأنظار عن النتائج الهزيلة، والفشل الذريع للمسار السياسي الذي اقترحه على التونسيين».

ولفت الطبوبي إلى أن «هناك سياسة لتمرير الإصلاحات الموجعة، وعليهم إلهاء الرأي العام بترهات فارغة، وجرّ المواطنين لتوجيه أصابع الاتهام لاتحاد الشغل وتحميله مسؤولية الأوضاع العامة في البلاد». وهنا دعا الطبوبي القطاعات النقابية المختلفة إلى «التعبئة والاستعداد للدفاع عن الحق النقابي، والحريات العامة والفردية بكل الأشكال النقابية»، ما يرجح أن تشهد الفترة المقبلة إضرابات في قطاعات مختلفة، لاسيما أنه يضم أكثر من مليون عضو، وأثبت قدرته في فترات سابقة على إحداث شلل في الوضع الاقتصادي بالدعوة للإضرابات وتنفيذها.

تعديل المسار

غير أن اتحاد الشغل يمسك العصا من المنتصف، إذ يطالب الاتحاد الرئيس أيضاً بضرورة تعديل المسار السياسي، واللجوء إلى الحوار مع القوى والأحزاب السياسية، وعدم الانفراد بالسلطة، ما لا يجد قبولاً – حتى الآن- من جانب الرئيس سعيد، الذي أكد في خطابه السابق الإشارة إليه أنه لن يخسر أبداً المعركة، ولن يقبل إلا بالانتصار والقضاء على هؤلاء الذين وصفهم ب«أعداء الدولة والشعب»، في إطار القانون والعدالة.

خيارات بديلة

إن التصعيد المحتمل من جانب اتحاد الشغل ضد الرئيس قيس سعيد من شأنه أن يضاعف من حالة عدم الاستقرار الممتد، لاسيما في ظل أزمة اقتصادية ومالية حادة، إذ إنه لا يمكن للرئيس قيس سعّيد أن يمضي قدماً في مشروعه في ظل التباين مع قوى المعارضة، خاصة اتحاد الشغل الذي يسعى لصياغة برنامج متكامل هدفه الرئيسي إنقاذ البلاد من دون الاهتمام بتصورات من يحكم، ومن يعارض.

ومن ثم، فإن المخرج الرئيسي هو قبول الرئيس سعيّد بالحوار مع اتحاد الشغل، عبر استعراض مختلف اتجاهات التفكير بشأن إصلاح قطاع النقل، البري والبحري والجوي، الذي يعتبر العاملون فيه أنه يمر بأوضاع متردية، فضلاً عن تجنب فرض ضرائب جديدة الذي أقره قانون المالية مؤخراً، ويؤدي إلى رفع الدعم الجزئي عن الغذاء والطاقة بنسبة 26.4 في المئة مقارنة بعام 2022، كما خفضت الحكومة نفقات التحويلات الاجتماعية لفائدة الطبقات الضعيفة بنسبة 8 في المائة. والمحاسبين والمترجمين، من 13 في المئة إلى 19 في المئة، وتقليص فاتورة الأجور في القطاع الحكومي من 15.1 في المئة عام 2022 إلى 14 في المئة في العام الجاري.

وهذه الإجراءات لا تحظى بموافقة اتحاد الشغل، على نحو يستوجب التفكير في خيارات بديلة لإنقاذ العجز المالي للدولة بعد مضاعفات الحرب الروسية الأوكرانية، والتأخر في الاتفاق مع صندوق النقد الدولي للحصول على تمويل جديد. ومن المحتمل أن تظهر أصوات داخل الحكومة التونسية تقنع الرئيس قيس سعيّد بعدم فرض ضرائب إضافية، والتعويل على تعيين محمد علي البوغديري وزيراً للتربية والذي كان قيادياً سابقاً في اتحاد الشغل، على نحو يمكنه مفاوضة زملائه من القيادات النقابية التي عمل معها لسنوات، بما يؤدي إلى ترضية الاتحاد، وفي حال تعثر حدوث ذلك يتم نقل مشكلات قطاع التربية إلى أحد القياديين السابقين في اتحاد الشغل، ما سيجعل الصراع بين أطراف نقابية من الجانبين.

مراجعة المسار

وبناء عليه، فإن السياقات الداخلية يفترض أن تحفز الرئيس سعيّد على مراجعة مساره باستمالة اتحاد الشغل وعدم التصعيد معه، في ظل استمرار تدني معدل النمو وارتفاع معدلات الفقر والبطالة والتضخم وارتفاع المديونية، حتى لا تستغل حركة النهضة وجبهة الخلاص هذه الأوضاع لتأجيج الشارع، ومحاولة العودة للمشهد السياسي من جديد، والعودة إلى مسار ما قبل 25 يوليو/ تموز.

* رئيس وحدة الدراسات العربية والإقليمية بمركز الأهرام


شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version