كتب: بنيمين زرزور

لن تمر حادثة المنطاد الصيني مرور الكرام على العلاقات المتوترة أصلاً بين بكين وواشنطن، خاصة وأن توقيتها الذي ربما كان مدروساً بعناية فائقة، نقل اللعب بين أجهزة استخبارات الدولتين من دائرة التخمين والشك إلى دائرة الاستفزاز.

صحيح أن الولايات المتحدة تمارس أنشطة تجسسية مستمرة في محيط الصين، وهو ما أكدته الخارجية الصينية في إطار تبرير الحادثة، إلا أن المخاوف المتعلقة بتطوير تقنيات عليا صينية واستخدامها ضد الولايات المتحدة ربما شكلت العائق الأساسي في وجه تمرير القصة أو قبول تبريرها.

ولا يزال مسؤولو البنتاغون والمخابرات يحاولون فهم ماهية ثلاثة أجسام طائرة مجهولة الهوية فوق ألاسكا وكندا وميتشيغان أسقطتها الطائرات المقاتلة الأمريكية بالصواريخ أيام 10 و11 و12 من شهر فبراير/ شباط الجاري.

وفي السابع من الشهر نفسه، ذكرت صحيفة «واشنطن بوست» أن المسؤولين الأمريكيين قد اكتشفوا برنامج مراقبة واسع النطاق متعدد السنوات يديره جيش التحرير الشعبي الصيني فوق القارات الخمس. وعلى الرغم من خطورة هذه التطورات، فإن الوضع في الولايات المتحدة ولّد الكثير من السخرية والتعليقات الرصينة.

ومن غير الواضح ما إذا كانت واشنطن سوف تواجه المزيد من الهجمات المستهجنة فجأة. ولكن ما هو مؤكد أنه في أعقاب التوغل الأخير لمنطاد «التجسس» الصيني، فإن الجيوش الأمريكية والكندية صارت أكثر يقظة في تحديد طبيعة بعض الأجسام التي كان من الممكن السماح لها بالمرور في السابق.

فبعد عبور المنطاد هذا الشهر، عدلت قيادة الدفاع الجوي في أمريكا الشمالية، «نوراد»، نظام الرادار بحيث أصبح أكثر حساسية. نتيجة لذلك، زاد عدد الكائنات التي اكتشفها بشكل حاد. أي أن «نوراد» كثفت عمليات التقاط الأجسام المتوغلة لأنها تبحث عنها، مدفوعة بالوعي المتزايد الناجم عن الغضب حول منطاد التجسس، الذي طاف فوق الولايات المتحدة لمدة أسبوع قبل أن تسقطه طائرة «إف 22» في 4 فبراير(شباط).

الأجسام المجهولة

ويعتقد بعض المسؤولين أن الأجسام يمكن أن تكون من الصين، أو قوة أجنبية أخرى، وقد تهدف إلى اختبار قدرات الاستكشاف الأمريكية بعد منطاد التجسس. وقد اعترض الجيش الأمريكي جسماً طائراً مجهول الهوية في 10 فبراير(شباط) فوق المحيط المتجمد الشمالي بالقرب من ألاسكا، وآخر في 11 فبراير(شباط) فوق إقليم يوكون وثالثاً فوق ميتشيغان في 12 فبراير(شباط).

وقال المسؤولون إنهم يراجعون مقاطع الفيديو وقراءات أجهزة الاستشعار الأخرى التي جمعها الطيارون الأمريكيون الذين راقبوا الأجسام قبل تدميرها. ولكن لن يتم تأكيد الطبيعة الدقيقة للأجسام، ومن أين أتت وما هو المقصود منها، وحتى مكتب التحقيقات الفيدرالي لم يصل إلى نتائج.

وقال الجنرال جلين دي فانهيرك، قائد القيادة الشمالية للقوات الجوية، «لم أستبعد أي شيء في هذه المرحلة». وأكد لويس إليزوندو، ضابط المخابرات العسكرية الذي أدار برنامج الصحون الطائرة في البنتاغون حتى عام 2017، على نفس الانطباع. لكنه قال إن إدارة بايدن يجب أن تجد طريقة لضمان اليقظة بشأن ما يجري في السماء فوق أمريكا كلما ظهر شيء غير معروف.. وهذه مهمة صعبة.

وكثف البنتاغون ووكالات الاستخبارات دراستهم للحوادث غير المبررة بالقرب من القواعد العسكرية في السنوات الأخيرة، بناء على طلب من الكونغرس. وقد حددت الدراسات حول ما يسميه مجتمع المخابرات «بالظواهر الجوية غير المحددة»، أنشطة لم يتم اكتشافها سابقاً لمراقبة التدريبات والقواعد العسكرية الأمريكية. والعديد من هذه الحوادث غير المبررة كانت مناطيد، ويعتقد الآن أن بعضها كان عبارة عن محاولة مراقبة من قبل الصين أو قوى أخرى، باستخدام كل من المناطيد وطائرات المراقبة بدون طيار.

وفي تقرير عام صدر الشهر الماضي، قالت أجهزة المخابرات إنه من بين 366 حادثة غير مفسرة، تم تحديد 163 فيما بعد على أنها مناطيد. وقالت وثيقة سرية ذات صلة نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» نتائجها هذا الشهر إن حادثين على الأقل في قواعد عسكرية أمريكية يمكن أن يكونا أمثلة على التكنولوجيا الجوية المتقدمة، التي ربما طورتها الصين.

الصين أو روسيا

وقال مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية إن إحدى النظريات هي أن الصين أو روسيا أرسلت الأجسام لاختبار قدرة نظام جمع المعلومات الاستخبارية الأمريكي، ومدى سرعة إدراك الولايات المتحدة لما يجري ومدى سرعة رد الجيش على مثل هذا التوغل.

ويتفق المسؤولون الأمريكيون في اعتقادهم بأن منطاد التجسس الذي عبر الولايات المتحدة كان آلة صينية تهدف إلى مراقبة القواعد العسكرية الأمريكية. وقالوا إنه لم يتضح ما إذا كانت الصين سيطرت بشكل كامل على المنطاد خلال رحلته بأكملها. وربما كان منطاد التجسس الصيني مزوداً بآلية تدمير ذاتي، لكن بكين لم تستخدمها، في إشارة محتملة إلى رغبة المسؤولين الصينيين في مواصلة جمع المعلومات الاستخباراتية، حتى بعد انكشافهم.

وإذا كان أي من الأجهزة التي تم تدميرها في أمريكا الشمالية صينية، فسيكون ذلك بمثابة استفزاز كبير في أعقاب منطاد «التجسس». ويبدو أن المسؤولين في بكين يريدون الحد من التوترات بشأن الحادثة، ما يحمل المسؤولين الأمريكيين على الاعتقاد أنه من غير المرجح أن تكون استفزازات أو اختبارات صينية متعمدة.

مدني وعسكري

ومكمن الخطورة في ما يجري أن استراتيجية الحزب الشيوعي الصيني تقوم على جهل الغرب بتفاصيل استراتيجية «دمج العسكري بالمدني» التي تهدف إلى إزالة الحواجز بين قطاعي الأبحاث المدنية والتجارية في الصين، وقطاع الصناعات العسكرية والدفاعية. وهذا يتيح الزعم بسهولة أن الشركات الصينية الخاصة التي تقف وراء التكنولوجيا المستخدمة في هذه المناطيد لا علاقة لها بالأنشطة العسكرية الصينية.

وعندما تجمع شركة خاصة معلومات أجنبية ذات قيمة عسكرية، تخضع تلك المعلومات لتمحيص مختلف الأجهزة. من هنا يصبح منطاد عابر للقارات مثقل بأجهزة استشعار ويتنقل عبر ستة مواقع حساسة في الولايات المتحدة، ذا قيمة عسكرية كبيرة. فهل يفهم الأمريكيون الدرس؟


شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version