د. أميرة محمد عبد الحليم*

وسط أجواء مضطربة في أكبر دولة إفريقية تعداداً للسكان، وأقوى اقتصاد في القارة الإفريقية، جرت الانتخابات الرئاسية النيجيرية في 25 فبراير/شباط الماضي 2023، حيث نجح مرشح الحزب الحاكم في نيجيريا بولا تينوبو (70عاماً) في الفوز برئاسة البلاد، وقد أحيطت العملية الانتخابية بالكثير من الجدل والعنف واتهامات المعارضة للجنة الانتخابية بالتزوير.

أثارت الانتخابات العديد من التساؤلات حول المتنافسين في الانتخابات الرئاسية وطبيعة التطورات التي تمر بها الدولة النيجيرية ومدى انعكاسها على تفضيلات الناخبين البالغ عددهم 93 مليون مواطن، وكذلك هل ابتعدت نيجيريا عبر هذه الانتخابات عن معادلة تداول السلطة بالتناوب بين المسلمين والمسيحيين والتي شهدتها منذ تحولها الديمقراطي في عام 1999.

انتماءات المرشحين

تضم الدولة التي تعد زعيمة لإقليم غرب إفريقيا والملقبة ب«عملاق إفريقيا» 220 مليون نسمة وما يقرب من 370 مجموعة عرقية، تتحدث 520 لغة، تنافس في هذه الانتخابات 18 مرشحاً، كان أبرزهم ثلاثة متنافسين، حيث مثل كل مرشح رئيسي إحدى المجموعات الإثنية الثلاث الأكبر في البلاد (اليوروبا والايبو والهوسا الفولاني)، حيث ينتمي أتيكو أبو بكر إلى «حزب الشعب الديمقراطي» وهو مسلم من الهوسا الفولاني من شمال نيجيريا. بما يشبه حالة الرئيس المنتهية ولايته محمد بخاري، الذي أنهى في سن الثمانين ولايته الثانية من ولايتين محددتين دستورياً لمدة أربع سنوات.، وبولا تينوبو، مسلم اليوروبا في الجنوب الغربي، ويمثل «مؤتمر كل التقدميين». حيث فاز الحزب الحالي بالانتخابات لأول مرة في عام 2015. والمرشح الثالث هو بيتر أوبي، وهو مسيحي من الايبو من الجنوب الشرقي. ويعبّر عن نفسه بأنه سياسي كاثوليكي، ووكيل سياسي حر كان يعمل سابقاً مع حزب الشعب الديمقراطي، وانضم إلى حزب العمال في مايو الماضي وينظر إليه على أنه من جيل الشباب وسيكون بديلاً لطبقة سياسية مسنة، ويعبر عن مظلومية تاريخية لجماعة الايبو التي تعرض الكثير منها في الستينيات للطرد من ديارهم في شمال نيجيريا، والفرار إلى قلب أراضيهم في الجنوب الشرقي، وأعلنوا تأسيس جمهورية مستقلة مما أدى إلى اندلاع الحرب الأهلية (حرب بيافرا) 1967-1970 ونتج عنها قتل الآلاف. لذلك ينظر البعض إلى انتخاب رئيس للدولة من الايبو أنه يمثل لحظة من التعافي الوطني.

صراع وسط العنف

وتجرى الانتخابات الرئاسية في ظل معارك وصراع في الشمال الشرقي مع جماعة بوكوحرام الإرهابية، والهجمات المسلحة، وعمليات القتل والخطف، والصراع بين رعاة الماشية والمزارعين والصراع الديني بين المسلمين والمسيحيين خاصة في الحزام الأوسط للبلاد، هذا فضلاً عن نقص السيولة والوقود والطاقة، والفساد الدائم، حيث يتهم المعارضون الحزب الحاكم بالفشل في القضاء على الفساد.

العملية الانتخابية

في إشارة إلى التنوع العرقي للأمة، يجب أن يحصل الفائز بالجولة الأولى على 50 في المئة من العدد الإجمالي بالإضافة إلى 25 في المئة على الأقل من الأصوات في ثلثي الولايات (24 ولاية) ال36 التي تُضاف إليها منطقة أبوجا. كما تدور الرئاسة جغرافياً ودينياً بين الشمال ذي الأغلبية المسلمة والجنوب ذي الأغلبية المسيحية.

وتبنت الحكومة النيجيرية خطوات لضمان شفافية عملية التصويت هذا العام، من خلال وضع ضمانات بيومترية على هوية الناخب. لكن يتم التحقيق مع ما لا يقل عن 23 مسؤولاً بشأن أدوار مزعومة في التسجيل غير القانوني، حيث حذفت السلطات 2.7 مليون اسم من القائمة.

بالإضافة إلى ذلك، تأثرت الانتخابات بالعنف فقد أشارت «اللجنة الوطنية للانتخابات» إلى «تصاعد العنف خلال فترة الحملات الانتخابية». وقالت إنها «رصدت 50 هجوماً، خلال الشهرين الماضيين، بعضها كان موجهاً إلى مكاتبها».

وفى الأول من مارس (آذار) 2023 أعلنت اللجنة الوطنية للانتخابات في نيجيريا فوز المرشح تينوبو مرشح حزب «مؤتمر كلّ التقدميين»، وحصوله على 8.8 مليون صوت، متقدماً على منافسَيه الرئيسيَّين لعتيق أبو بكر، مرشح حزب الشعب الديمقراطي (6.9 مليون صوت)، وبيتر أوبي، مرشح حزب العمال (6.1 مليون صوت). وبالإضافة إلى تصدره النتائج على المستوى الوطني حصد تينوبو أيضاً على أكثر من 25% من الأصوات في ثلثي ولايات البلاد.

في المقابل، دعا حزبا المعارضة الرئيسيان (حزب الشعب الديمقراطي وحزب العمال) إلى إلغاء الانتخابات، معتبرين أن التلاعب بالنتائج أدى إلى «اقتراع لم يكن حراً ولا نزيهاً ولا شفافاً».

تحديات خطِرة

على الرغم من نجاح عملية الاقتراع واختيار الناخبين النيجيريين لرئيس جديد ينتمي إلى جماعة اليوروبا، في الجنوب الغربي للبلاد، وعدم وصول رئيس مسيحي للسلطة في هذا الاقتراع مما يشير إلى خروج معادلة السلطة في نيجيريا عن مسارها الذي صاغته خلال العقدين الأخيرين.

إلا أن هذا الرئيس تنتظره تحديات صعبة، فلم يتمكن الرئيس بخاري خلال 8 سنوات من حكمه معالجة أزمة الإرهاب في الشمال الشرقي للبلاد، وانتشار السلاح والعصابات وقطاع الطرق وتصاعد التوترات الدينية، وتنامي الفساد بشكل كبير، ما دفع الدولة إلى تغيير ثلاث فئات من العملة الوطنية في بداية شهر فبراير 2023، وارتفاع معدلات الفقر (حيث يصل ممن هم تحت خط الفقر إلى 70 مليون مواطن) في الدولة النفطية التي يمثل الشباب 60% من سكانها، وتعد أكبر اقتصاد في القارة الإفريقية..

كلها تحديات تتطلب استراتيجيات واضحة وممولة تدعمها إرادة سياسية حقيقية لتحقيق استقرار الدولة النيجيرية التي تحمل الكثير من مؤهلات الدول الصاعدة في النمو.

* خبيرة الشؤون الإفريقية – مركز الأهرام للدراسات


شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version