د. محمد عز العرب*

لا تزال تونس تواجه معضلة عدم الاستقرار الممتد نتيجة فجوة الثقة بين الرئيس قيس سعيّد وقوى المعارضة، منذ طرحه مشروعه للتغيير في 25 يوليو/ تموز 2021، الرامي إلى تأسيس نظام رئاسي، ووضع حد للنظام البرلماني، بحيث شهدت الأسابيع القليلة الماضية، تصاعد حدة الصدام بين الطرفين، خاصة المنتمين لحركة النهضة وجبهة الخلاص، والقريبين منهما، فضلاً عن القطيعة بين الرئيس والاتحاد التونسي للشغل، على نحو ما عكسته السياقات التالية:

1- مواصلة الأجهزة الأمنية حملة اعتقال بحق رموز المعارضة، والتي طالت نشطاء سياسيين وإعلاميين وقضاة ورجال أمن، (ضمت القائمة عدداً من قيادات حركة النهضة، وأعضاء من جبهة «الخلاص» وبعض الوزراء السابقين وشخصيات حزبية). وقد تم توجيه اتهامات لبعض تلك الرموز ب«التآمر على أمن الدولة، الداخلي والخارجي»، والتخطيط لتنفيذ انقلاب على الرئيس قيس سعيّد، نتيجة قيامها بالاتصال ببعض الشخصيات الأجنبية والبعثات الدبلوماسية المعتمدة لدى تونس، فضلاً عن محاولة تنفيذ جرائم إرهابية، وكذلك الإضرار بالأمن الغذائي للدولة، وقضايا فساد مالي.

وفي هذا السياق، دعت وزارة الخارجية التونسية في بيان صادر عنها بتاريخ 28 فبراير/ شباط الماضي، البعثات الدبلوماسية إلى عدم التدخل في شؤونها الداخلية، حيث قالت «تونس حريصة على تسهيل عمل واتصالات البعثات الدبلوماسية المعتمدة لديها خدمة لعلاقات الصداقة والتعاون مع البلدان الشقيقة والصديقة، مع التقيّد بمقتضيات اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية التي تنص على واجب احترام الدبلوماسيين لقوانين الدولة المعتمدين لديها وعدم التدخل في شؤونها الداخلية».

حصار النهضة

2- إجراء تحقيقات مع زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي، في 21 فبراير/ شباط الماضي، بشأن وجود تعاملات للأخير مع قيادات من تنظيم «أنصار الشريعة»، التي تصنف بأنها «تنظيم إرهابي»، وفقاً للقانون التونسي لعام 2013، بعد ثبوت ارتباطها بتنظيم «القاعدة»، ومشاركتها في اغتيال بعض رموز المعارضة السياسية، خاصة شكري بلعيد، ومحمد البراهمي، وضلوعها في العمليات الإرهابية في جبال الشعانبي على الحدود مع الجزائر، والتي أدت إلى مقتل عشرات الجنود، وكذلك لدورها في إدخال وتخزين الأسلحة، ويتواجد حالياً عدد من قياداتها داخل السجون بتهم إرهابية.

وفي مايو/ أيار 2022، صدر قرار من القضاء التونسي بمنع الغنوشي من السفر، وتجميد حساباته المالية، مع قياديين من النهضة. كما أمر القضاء، منذ أسابيع، بالقبض على نائب رئيس حركة النهضة نورالدين البحيري، والقيادي السابق عبد الحميد الجلاصي. ولعل ذلك يعكس توجه وتحرك مؤسسات الدولة التونسية، وفي مقدمتها الرئيس قيس سعيّد، لتضييق الخناق على قيادات حركة النهضة، وضرورة محاسبتهم وعدم إفلاتهم من العقاب.

إضرابات متزايدة

3- تنظيم تظاهرات مناوئة للحكومة على خلفية تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، والتي قادها الاتحاد التونسي للشغل في بعض المناطق التونسية، مثل الكاف وسليانة وقفصة والمهدية وسوسة وقابس وتطاوين. وهنا، أكد العديد من الرموز القيادية في الاتحاد مثل سامي الطاهري الرئيس المساعد للاتحاد الوقوف ضد خيارات الرئيس سعيّد، على نحو ما عكسته الشعارات المرفوعة من قبل المتظاهرين ومن بينها «يا حكومة عار.. عار.. الأسعار اشتعلت نار»، و«يا حكومة صندوق النقد الدولي»، وهي إشارة إلى الإصلاحات التي تعهدت بها الحكومة، مقابل التوصل إلى اتفاق بالحصول على قرض من الصندوق.

ويتوازى مع ذلك، تنظيم إضرابات فئوية كالتي قام بها موظفو وعمال شركة الكهرباء والغاز العمومية (التابعة للاتحاد التونسي للشغل)، في 23 فبراير/ شباط الماضي، للمطالبة بالحصول على منح، والتصدي لما اعتبروه اعتزاماً من الحكومة لبيع المؤسسات العمومية. كما زادت حدة التوتر بين الرئيس والاتحاد التونسي للشغل بعد مشاركة الأمينة العامة لاتحاد النقابات الأوروبية، إستر لينش، في أحدى التظاهرات التي دعا إليها الاتحاد، وإدلائها بتصريحات اعتبرت تدخلاً في الشأن الداخلي التونسي.

خطاب الكراهية

4- انطلاق احتجاجات معارضة لتوجهات الرئيس قيس سعيّد تجاه المهاجرين من دول إفريقيا جنوب الصحراء، على نحو ما جرى أمام النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين، والتي شارك فيها العديد من المنظمات غير الحكومية، لمطالبة الرئيس سعيّد بالاعتذار لجالية تلك الدول، حيث حمل المتظاهرون لافتات تحمل عنوان «لا للعنصرية» و«الكرامة والحقوق لكل المهاجرين والمهاجرات». وقد جاء ذلك على خلفية تصريحات أدلى بها الرئيس دعا فيها إلى اتخاذ إجراءات عاجلة ضد الهجرة غير النظامية لمواطني دول إفريقيا جنوب الصحراء، حيث اعتبر أن وجودهم في تونس «مصدر عنف وجرائم وممارسات غير مقبولة»، على نحو يؤدي إلى تغيير التركيبة الديموغرافية لتونس، محذراً من وجود مخطط لتوطينهم.

وهنا، أصدر رئيس الاتحاد الإفريقي، موسى فقي محمد، بياناً دان فيه بشدّة «تصريحات السلطات التونسية الصادمة ضد مواطنينا الأفارقة، والتي تتعارض مع روح منظمتنا ومبادئنا التأسيسية».

أفق غير واضح

خلاصة القول، لا يوجد أفق يمكن استشرافه من واقع التفاعلات الداخلية بأن تونس سوف تتجاوز أزمتها في المدى المنظور، لاسيما في ظل غياب المساحات الوسط التي يمكن الوصول إليها بين الرئيس وقوى المعارضة، بخلاف عمل الاتحاد التونسي للشغل على توظيف سياسات الشارع والقيام بالإضرابات الفئوية في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، علاوة على اشتعال بعض قضايا الرأي العام، ومنها وضعية اللاجئين الأفارقة في تونس، ومحاولة بعض قوى المعارضة توظيفها لتأليب الرأي العام الدولي ضد الرئيس سعيّد، بدعوى نشر خطاب الكراهية في المجتمع التونسي.

* رئيس وحدة الدراسات العربية والإقليمية في مركز الأهرام للدراسات


شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version