د. محمد عز العرب*

تزداد الأزمة السياسية بين الرئيس قيس سعيّد وقوى المعارضة عمقاً في تونس، خاصة في ظل تمسك أطراف الأزمة برؤيتها وشروطها الخاصة بالإصلاح السياسي والدستوري، وفي ظل غياب التوافق اللازم لإخراج البلاد من أزماتها الراهنة، على الأقل في الأجل القصير، وهو ما تستغله حركة النهضة لتثبيت سرديتها، وهي أن سوء إدارتها للسلطة لم يكن السبب الرئيسي لمتاهة الانتقال التي مرت بها البلاد خلال أثر من العقد.

ثمة مؤشرات دالة على تعمق الأزمة السياسية بين الرئيس سعيّد وقوى المعارضة، على نحو ما تعبر عنه الأبعاد التالية:

1- استمرار الاعتقالات السياسية، بحق المعارضين وبعض رجال الأعمال والقضاة؛ وذلك بعد توجيه اتهامات إليهم، تنوعت بين التآمر على الأمن القومي للبلاد، وافتعال وإثارة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية داخل المجتمع، وكذلك تورط بعض القضاة في عرقلة العدالة القضائية بشأن البت في بعض القضايا المنظورة أمام الهيئات القضائية منذ عام 2013، خاصة ما يتعلق بتورط بعض قادة حركة النهضة في اغتيال المعارضين «شكري بلعيد» و«محمد البراهمي»، هذا إلى جانب توجيه اتهامات لعدد من قادة الحركة بالتورط في دعم وتمويل الإرهاب خلال توليهم السلطة خلال الفترة من 2011 إلى 2020، غير أن هذه الاعتقالات أثارت قلق المجتمع الدولي خاصة الولايات المتحدة والأمم المتحدة؛ حيث طالبتا، السلطات التونسية باحترام حق التعبير عن الرأي، وعدم التضييق على الحقوق والحريات العامة في البلاد. وفي هذا السياق، اتهمهم الرئيس قيس سعيّد بالاستقواء بالخارج، ومحاولة تدويل الأزمة السياسية الراهنة في البلاد، سواء بالاتصال بدول أجنبية، أو من خلال التواصل مع شخصيات أجنبية للمشاركة في المسيرات والتظاهرات الاحتجاجية التي تشهدها البلاد حالياً، ويعد ذلك تدخلاً سافراً في الشؤون الداخلية للبلاد.

حل المجالس البلدية وتمديد الطوارئ

2- حل المجالس البلدية؛ حيث أعلن الرئيس سعيّد في 9 مارس/ آذار الجاري مرسوماً رئاسياً يقضي بحل المجالس البلدية، والاستعاضة عنها بنيابات متخصصة، وافتتاح القانون الانتخابي لأعضاء المجالس البلدية، إضافة إلى مرسوم بشأن انتخاب أعضاء المجلس الوطني للجهات والأقاليم، إلا أن ذلك أثار موقف المعارضة السياسية؛ حيث رأت «جبهة الخلاص الوطني» أن حل المجالس البلدية يعد حلقة جديدة في سلسلة الإجراءات الانقلابية التي كرّست وضع رئيس الدولة يدَه على كل السلطات منذ قرارات 25 يوليو/ تموز 2021.

3- تمديد حالة الطوارئ، أصدر الرئيس قيس سعيّد مرسوماً رئاسياً في 31 يناير/ كانون الثاني الماضي، يقضي بتمديد حالة الطوارئ المفروضة في البلاد منذ عام 2015، حتى 31 ديسمبر/ كانون الأول 2023، نتيجة استمرار الأوضاع السياسية والأمنية غير المستقرة في البلاد.

4- تواصل تظاهرات «جبهة الخلاص الوطني»، التي تضم في عضويتها حركة النهضة وبعض الأحزاب السياسية، للمطالبة بإسقاط النظام السياسي القائم والدعوة لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة، في ظل عدم اعترافهم بشرعية الانتخابات البرلمانية الأخيرة؛ وذلك استناداً إلى مقاطعة نحو 89% من الناخبين لهذه الانتخابات، كما توظف المعارضة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، لتأليب الرأي العام ضد رئيس الدولة وحكومته التي يطالبون بتغييرها بسبب فشلها في إدارة شؤون البلاد وحل هذه الأزمات.

5- تأليب الاتحاد العام التونسي للشغل الشارع ضد السلطة الحاكمة؛ إذ تم بالاشتراك مع «اتحاد الشباب المعطلين عن العمل» وبعض ممثلي الأحزاب السياسية تنظيم احتجاجات مناهضة للرئيس، في مناطق مختلفة وخاصة بالعاصمة، ورفع المحتجون شعارات من قبيل «لا للحكم الفردي» و«حريات حريات.. دولة البوليس وفات (انتهت)»؛ بهدف الدفاع عن الحريات العامة والنقابية. وفي هذا السياق، دعا «الاتحاد الجهوي للشغل بتطاوين» العاملين في شركة sitep بحقل «البرمة» إلى تنفيذ إضراب عام عن العمل أيام 22 و23 و24 مارس/آذار الجاري؛ وذلك بسبب عدم استجابة الحكومة لمطالب العمال والمرتبطة بتحسين أوضاعهم الاقتصادية والمعيشية وتوفير ظروف السلامة المهنية لهم.

مبادرة إنقاذ

وعلى الرغم من التصعيد الذي يمارسه الاتحاد التونسي العام للشغل، فإنه تم إطلاق تصريحات لأمين عام الاتحاد نور الدين الطبوبي بتاريخ 5 مارس/ آذار الجاري، يؤكد فيها أن الاتحاد ليس من دعاة العنف، وهو يعمل على ترسيخ آلية الحوار. كما أكد الطبوبي مواصلته المشاورات الخاصة بمبادرة إنقاذ البلاد من أزماتها الداخلية؛ حيث يقوم الاتحاد بالتنسيق مع «الهيئة الوطنية للمحامين»، و«منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية»، و«الرابطة التونسية لحقوق الإنسان» (مستقلة)- دون التنسيق مع أي من الأحزاب السياسية المتصدرة للمشهد؛ بسبب تورطهم في تأزم الأوضاع الداخلية للبلاد، من أجل إيجاد مبادرة لإخراج تونس من أزماتها الحالية على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، متهماً رئيس الدولة بعدم الرد على الدعوات التي تقدم بها الاتحاد لعقد جلسات لمناقشة تطورات الأوضاع السياسية والاقتصادية وكذلك الموقف من بعض الاتفاقات التي تم إبرامها سابقاً مع الحكومة ولم يتم تنفيذها.

لذا، يرجح البعض سيناريو اتجاه الأوضاع نحو الاستقرار النسبي؛ إذ يرجح هذا السيناريو أن يبدي رئيس الدولة التونسية بعض الاستجابة لمطالب المعارضة وخاصة فيما يتعلق بمبادرة الاتحاد التونسي العام للشغل بإجراء حوار وطني موسع في محاولة لطرح بعض الحلول والمقترحات الفاعلة التي قد تسهم في حل المشكلات الداخلية وخاصة الاقتصادية منها، في ظل عدم قدرة الحكومة الحالية على حل الأزمة الاقتصادية، وربما يلجأ الرئيس لإجراء بعض التعديلات الوزارية الموسعة أو تغيير الحكومة بأكملها، وعرض ذلك الأمر على البرلمان الجديد لتعزيز ثقة المواطنين فيه.

تأزم متواصل

خلاصة القول إن السيناريو الأمثل لاستقرار الأوضاع هو الحوار، في حين أن المسار المحتمل هو المزيد من التأزم، لا سيما في ظل عدم استجابة الرئيس سعيّد لمبادرة الحوار التي طرحها اتحاد الشغل؛ بل ووجود مؤشرات للتقارب بين الأخير وحركة النهضة بعد دفاع الاتحاد عن بعض قيادات النهضة، ومن بينهم علي العريّض وزير الداخلية السابق والصادق شورو والحبيب اللوز، في حين أن أحزاب معارضة أخرى تتحاشى التحالف مع النهضة، لأنها تحملها الفشل الذريع في إدارة الشأن العام، على نحو يجعل البلاد تدور في حلقة مفرغة من دون دليل واضح للخروج منها.

* رئيس وحدة الدراسات العربية والإقليمية بمركز الأهرام للدراسات


شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version