د. أحمد سيد أحمد *

انعقد اجتماع وزراء الخارجية العرب على هامش الدورة ال 159 لمجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري، يوم الأربعاء 8 مارس (آذار)، وسط ظروف ومتغيرات مهمة تواجه المنطقة والعالم، وتفرض حتمية التنسيق العربي والخروج برؤية عربية مشتركة لمواجهة تلك التحديات والتعامل مع تلك المتغيرات وتحديد الأولويات.

أول هذه التحديات هو استمرار غياب حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية في ظل متغيرات جديدة انعكست في وجود حكومة اليمين الإسرائيلي الدينية المتشددة وتزايد منسوب التوتر مع الفلسطينيين منذ توليها السلطة واشتمالها على عدد من الوزراء المتشددين من اليمين المتطرف مثل وزير المالية سموترتش ووزير الأمن ايتمار بن غفير، وهو ما انعكس في تصاعد حدة العنف الإسرائيلي ضد الفلسطينيين خاصة من جماعات المستوطنين المتطرفين، حيث استشهد أكثر من 300 فلسطيني منذ بداية هذا العام على أيدى قوات الأمن الإسرائيلية والمستوطنين، إضافة إلى استمرار حصار واقتحام البلدان الفلسطينية، ووصل الأمر إلى دعوة الوزير سموترتش إلى محو بلدة حوارة الفلسطينية بنابلس بعد قيام المستوطنين بمهاجمتها وحرق عدد كبير من ممتلكات الفلسطينيين فيها وهو ما أثار رفضاً وإدانة دولية وعربية واسعة.

في ظل هذه الأجواء مع تصاعد الاعتداءات الإسرائيلية وغياب الدور الأمريكي الفاعل في عملية السلام وعدم انخراط إدارة بايدن حتى الآن في تنفيذ حل الدولتين الذي دعا إليه، وفى ظل انشغال العالم بالحرب الروسية الأوكرانية، تبرز أهمية بلورة موقف عربي موحد إزاء هذه التطورات وتكثيف وتنسيق الجهود العربية سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي للتحرك عبر ثلاثة مسارات متوازية، أولها: تقديم الدعم المالي والمادي للشعب الفلسطيني للتخفيف من معاناته وأزماته، ومواجهة الاعتداءات الإسرائيلية خاصة الإجراءات المتعلقة بتهويد القدس وبناء المستوطنات وهدم منازل الفلسطينيين ومصادرة أملاكهم وغيرها. وثانيها: تعزيز ودعم المصالحة الوطنية الفلسطينية وترتيب البيت الفلسطيني من الداخل. وثالثها: التحرك بفاعلية على المستوى الدولي مع الشركاء الفاعلين مثل أمريكا والاتحاد الأوروبي والصين وروسيا، وكذلك على مستوى الأمم المتحدة لرفض الإجراء الإسرائيلية وسياسة الأمر الواقع والعمل على إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود 1967 في إطار حل الدولتين باعتباره السبيل الوحيد لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة.

عودة سوريا

ثاني هذه التحديات والأولويات هو عودة سوريا إلى الجامعة العربية، فمن المهم بلورة موقف عربي موحد وتوافقي من أجل إعادة سوريا إلى الجامعة العربية بعد شغور مقعدها لأكثر من عشر سنوات. وتؤيد غالبية الدول العربية عودة سوريا لأن استمرار الغياب له تداعيات سلبية سواء على سوريا أو على العالم العربي وترك فراغات كثيرة ملأتها دول إقليمية ما أثر سلباً في الأمن القومي العربي وأطال من أمد الأزمة السورية. كما أنه من الناحية العملية فإن أغلب الدول العربية أعادت فتح سفارتها في دمشق وعقد البرلمان العربي جلسة استثنائية في البرلمان السوري في شهر فبراير(شباط) الماضي، وبالتالي أصبحت الأرضية مهيأة لعودة سوريا لبيتها العربي ولمنظومتها العربية.

الأمن المائي العربي

ثالث هذه التحديات هو تعزيز الأمن المائي والغذائي العربي، في ظل الأزمات العالمية الاقتصادية خاصة مع استمرار الحرب الروسية الأوكرانية ودخولها العام الثاني، وتأثيرها السلبي على الأمن الغذائي العربي مع ارتفاع أسعار الغذاء عالمياً، وتضرر العديد من الدول العربية من ذلك، وهو ما يتطلب رؤية عربية مشتركة بشأن تعزيز الأمن الغذائي العربي وتعزيز التعاون العربي في مجال الزراعة، كذلك تعزيز التكامل الاقتصادي العربي، وتوظيف الموارد العربية الطبيعية والبشرية، وهذا بدوره يتطلب تفعيل اتفاقات التعاون الاقتصادي العربية.

وهذا الأمر أصبح ضرورة حتمية تفرضها الظروف والأزمات العالمية، كما يتطلب بالتوازي تسوية الأزمات العربية خاصة في سوريا واليمن وليبيا واليمن ولبنان والتي أعاقتها عن تحقيق التنمية. كما يبرز أهمية تعزيز الأمن المائي العربي في ظل ارتفاع معدلات الفقر المائي العربي واستمرار العديد من الأزمات حول الأنهار العربية، وتضرر دول المصب العربية مثل مصر والعراق وسوريا، من جراء سياسات دول المنبع الإقليمية، وقد أدرج مجلس وزراء الخارجية العربية في الدورة ال 159 مسألة سد النهضة كبند ثابت على جدول أعمال المجلس تعبيراً عن أهمية تعزيز الأمن المائي العربي ورفض السياسات الانفرادية، كذلك تعزيز الأمن المائي لسوريا والعراق.

تحديات النظام الدولي

إضافة إلى الأولويات السابقة والتي تتطلب رؤية عربية مشتركة، تبرز أهمية تعزيز التنسيق والموقف العربي بشأن التطورات البارزة في النظام الدولي والتحول من نظام الأحادية القطبية الذي ساد خلال العقود الثلاثة الماضية بقيادة الولايات المتحدة إلى النظام الدولي متعدد القطبية والذي تبرز فيه أقطاب مهمة مثل الصين وروسيا، وهو ما يتطلب تبنّي سياسة عربية تقوم على التوازن والاستقلالية والحيادية لتعظيم المصالح العربية وبناء الشراكات الاقتصادية والإستراتيجية مع كافة القوى الدولية، وهذا النهج الذي تبنته الإمارات العربية المتحدة والسعودية ومصر وساهم في تعزيز المصالح العربية خاصة خلال الأزمة الروسية الأوكرانية والاستقطاب الحاد بين القوى الكبرى، أمريكا وروسيا والصين، وهو ما ساهم في تعظيم الأهمية الاستراتيجية للمنطقة العربية.

القمة العربية وخريطة طريق

لا شك أن القمة العربية المقبلة بالسعودية يقع عليها عبء ومسؤولية كبيرة في توحيد وتنسيق المواقف والرؤى العربية للتعامل مع التحديات السابقة وغيرها، ومن المهم عدم تكرار المعالجات التقليدية السابقة وتناول عشرات البنود والقضايا التي تطرح كل عام على أجندة القمة دون إنجاز أي منها، لكن من المهم التركيز على عدد محدود من القضايا ذات الأولوية التي تواجه المنطقة العربية وبلورة رؤية موحدة بشأنها، ووضع خريطة عربية واضحة الأهداف والأولويات والآليات للتعامل مع تلك التحديات.

* خبير العلاقات الدولية في الأهرام


شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version