كتب: بنيمين زرزور

تصنف خطوة أستراليا للحصول على غواصات نووية، ضمن الجهود التي تقودها واشنطن لإحكام الحصار على الصين خوفاً من هيمنتها على منطقة المحيطين الهادي والهندي، وتهديد مصالح الولايات المتحدة وحلفائها في منطقة مرشحة للانفجار في أي وقت.

صحيح أن كانبيرا حافظت على توازنات سياستها الخارجية خلال قرن كامل من الزمان، واستفادت كثيراً من تطوير علاقاتها الاقتصادية مع الصين خاصة في العقود الثلاثة الماضية، إلا أن التحالفات التي تفرضها واشنطن على دول المنطقة لم تدع لها خياراً حتى إنها استبدلت مكرهة صفقة الغواصات الفرنسية بأخرى أمريكية.

وفي سياق المواجهة مع الصين، عزز اللقاء الثلاثي لدول اتفاقية «أوكوس» بريطانيا وأستراليا والولايات المتحدة أسس الشراكة الأمنية، حيث كشفت الدول الثلاث عن خطط لتطوير أسطول جديد من الغواصات الهجومية التي تعمل بالطاقة النووية.

وقد صمم المشروع أساساً لمواجهة القوة المتنامية للصين في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، لذا كان طبيعياً أن تعرب الصين عن استيائها رغم أن أطراف الاتفاق أكدت أن الغواصات ليست سوى جزء من شراكة أمنية واسعة النطاق.

وتم التوقيع على اتفاقية «أوكوس» عام 2021 باعتبارها «شراكة أمنية ثلاثية معززة». وكان ميلادها مثيراً للجدل، حيث بدأ بالتخلي عن صفقة مع فرنسا لتوفير الجيل القادم من الغواصات الأسترالية.

مشروع متعدد المراحل

ولم يذكر الإعلان الأوّلي سوى أن الولايات المتحدة وبريطانيا سوف توفران التكنولوجيا اللازمة لنشر الغواصات الجديدة، دون الخوض في التفاصيل. وقد كشف إعلان أوكوس الأسبوع الماضي عن تفاصيل جديدة تقول إن المشروع متعدد المراحل.

في المرحلة الأولى، سوف تجري الغواصات الأمريكية زيارات دورية للموانئ الأسترالية، بينما يتم تدريب الضباط الأستراليين على كيفية تشغيل القوارب التي تعمل بالطاقة النووية. وفي المرحلة الثانية التي تبدأ نحو عام 2027، سيتم نشر ما يصل إلى خمس غواصات أمريكية وبريطانية في غرب أستراليا. وفي المرحلة الثالثة، في أوائل العقد الثالث من القرن الحالي، سوف تشتري أستراليا ثلاث غواصات من طراز «فرجينيا» مع خيار شراء غواصتين أخريين.

وفي الوقت نفسه، سوف تطور الدول الثلاث غواصة جديدة تعتمد على التصميم البريطاني، وتستخدم أحدث التقنيات الأمريكية ويتم بناؤها في أستراليا وبريطانيا، بواقع غواصة واحدة كل عامين بدءاً من أواخر 2030 إلى أواخر 2050، ثمانية منها سوف تصنع في أستراليا. وتتسلم المملكة المتحدة أول غواصة في أواخر 2030 وستحصل أستراليا على أول غواصة في أوائل الأربعينيات.

وينطوي هذا المشروع على الكثير من المخاطر. فقدرات أستراليا المالية لا ترقى إلى المستوى الذي يمكنها من ضخ 245 مليار دولار أمريكي على مدى ثلاثة عقود، في وقت تعاني فيه الدولة ضغوطاً في الميزانية. ويتطلب المشروع إنشاء البنية التحتية لبناء الغواصات من الصفر تقريباً، فضلاً عن صيانتها وخدماتها الدورية.

رفض صيني

لكن العقبة الرئيسية التي تواجهها أستراليا هي معاداة الصين التي ترفض رفضاً قاطعاً حجة حكومات «أوكوس» بأن المشروع لا يستهدف دولة بمفردها، بل يهدف بدلاً من ذلك إلى تعزيز الأمن الإقليمي. وقد حذر متحدث باسم وزارة الخارجية الصينية من أن المبادرة تتبنّى «عقلية عفا عليها الزمن في الحرب الباردة» محصلتها صفر، ولن تؤدي إلا إلى تفاقم سباق التسلح والإضرار بالسلام والاستقرار الإقليميين.

وتتضح معالم التمحور أكثر على صعيد دول المنطقة وتتصاعد الانقسامات، وكلا الجانبين يساهم في تأجيج التوترات. وتعمل الصين من جانبها على بناء جيشها، الأمر الذي يثير مخاوف لدى دول الجوار. وفي خطاب ألقاه أمام مجلس الشعب الوطني، وعد الرئيس الصيني شي جين بنغ بتحويل جيش الصين إلى «جدار عظيم من الفولاذ». ومن الواضح أن الهدف الأساسي لاتفاقية أوكوس هو ردع الصين عن تحريك هذا الجدار إلى الخارج. لكن من غير المرجح أن تغير الصفقة مواقف أي من الجانبين.

وتشكو الصين أيضاً من أن نقل تكنولوجيا الدفع النووي «يشكل خطر انتشار نووي مؤكد وينتهك أغراض وأهداف معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية». لكن الطاقة النووية شيء والأسلحة النووية شيء آخر في نظر قادة دول أوكوس الثلاثة – أنتوني ألبانيز، والرئيس الأمريكي جو بايدن، ورئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك – الذين أكدوا أنهم لا يزالون «ملتزمين بأعلى معايير حظر انتشار الأسلحة النووية».

والعقبة الأخرى التي يواجهها المشروع تكمن في القوانين الأمريكية التي تمنع نقل التقنيات المتقدمة. من اللافت للنظر في الصفقة التي لعبت الولايات المتحدة دوراً فعالاً في إنشائها وتصر على أنها ضرورية للسلام والاستقرار الإقليميين، تتطلب تعديل اللوائح الأمريكية الخاصة.

ويرى الأمريكيون أن المشروع مغامرة جديرة بالمخاطرة، لأن الولايات المتحدة وحلفاءها وشركاءها في أمسّ الحاجة إلى قدرات إضافية للحفاظ على السلام والاستقرار الإقليميين. ويمكن أن توفر قدرات الغواصات المحسّنة – إمكانية القيام بدوريات لفترات أطول والذهاب بعيداً عن القواعد الرئيسية – وهي ميزة حاسمة في النزاع.

أما بالنسبة لبريطانيا فسوف تربطها الاتفاقية بالمنطقة على نطاق أوسع، وتفرض عليها التزاماً خاصاً حيال الشراكة مع واشنطن، حيث تتحدث الحكومتان عن جعل منطقة المحيطين الهندي والهادئ أولوية، ولا شك أن الالتزامات هي التعبير الأكثر إقناعاً عن النوايا لكل من الحلفاء والخصوم.

ويرى المراقبون أن اتفاقية أوكوس تعكس إحياء تحالف « الأنجلو سفير» وهو العنصر الشاذ في كيمياء هذا التحالف الذي يقتضي القفز فوقه ضم دول أخرى مثل اليابان.


شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version