كتب – بنيمين زرزور:

تعتبر عقيدة الحرب الاستباقية واحدة من ركائز استراتيجيات الأمن القومي الأمريكية. وتكتسب هذه العقيدة أهمية خاصة اليوم، في ظل نذر المواجهة المرجحة مع الصين التي تمليها تطورات المشهد العالمي، ومخاطر تفجّر العديد من البؤر الساخنة، وفي مقدمتها خليج تايوان.

في إطار هذه الخلفية تبدو التصريحات التي تصدر عن المسؤولين الأمريكيين، سواء في البيت الأبيض، أو «البنتاغون»، مبررة في ضوء التحالف الذي عززته زيارة الرئيس الصيني شي جي بينغ، مؤخراً، إلى موسكو، وما نتج عنها من تعميق خطوط المحاور، وتسارع وتيرة إطلاق الصواريخ الكورية الشمالية، ودعوة زعيمها لتكثيف إنتاج المواد اللازمة لإنتاج أسلحة الردع النووية.

فقد أشار قادة في «البنتاغون» قبل أيام، إلى أن الجيش الأمريكي يجب أن يكون جاهزاً لمواجهة محتملة مع الصين، في إطار الدفع باتجاه تمرير مشروع موازنة وزارة الدفاع المقترحة البالغة 842 مليار دولار، وتهدف إلى تطوير وتحديث القوات الأمريكية في عدد من مناطق انتشارها عالمياً، خاصة في آسيا.

وقال وزير الدفاع لويد أوستن، في شهادته أمام لجنة المخصصات الفرعية للدفاع بمجلس النواب: «هذه موازنة أملتها الاستراتيجية العامة لوزارة الدفاع، وحسب ما يقتضي تنافسنا الاستراتيجي مع جمهورية الصين الشعبية».

وتقترح الموازنة إنفاق نحو 9 مليارات دولار لتطوير القدرات العسكرية في المحيط الهادئ والدفاع عن الحلفاء، بزيادة 40 في المئة عن العام الماضي.

وقال الجنرال مارك ميلي، رئيس هيئة الأركان المشتركة، إن سلوك الصين يدفعها نحو المواجهة والصراع المحتمل مع جيرانها وربما الولايات المتحدة. وأضاف: «يجب على وزارة الدفاع أن تواصل تحديث قواتها لضمان استعدادها للقتال إذا لزم الأمر. لقد أصبحت معدلات الاستعداد التشغيلي لدينا أعلى الآن مما كانت عليه في سنوات عدة. هناك أكثر من 60 في المئة من القوة النشطة في أعلى حالات الاستعداد في الوقت الحالي، ويمكن أن تنتشر للقتال خلال أقل من 30 يوماً، بينما يمكن نشر 10 في المئة في غضون 96 ساعة».

استعدادات عسكرية

وقد بدأت «البنتاغون» عملياً، في إعادة ترتيب القوات والمعدات العسكرية الأمريكية في جميع أنحاء العالم، كقوة مضادة لمواجهة القوات الروسية والصينية.

وأفادت صحيفة «وول ستريت جورنال» بأن القيادة العسكرية الأمريكية سترسل طائرات متقدمة إلى أوروبا والمحيط الهادئ. وأضافت أن «البنتاغون» سوف تنقل طائرات الجيش الهجومية من طراز A-10 التي يبلغ عمرها عقوداً، إلى الشرق الأوسط لتحل محل الطائرات الأكثر تقدماً التي ينقلها من هناك إلى أوروبا والمحيط الهادئ.

وتعني عملية إعادة انتشار الطائرات، والتي من المتوقع أن تتم في الأسابيع المقبلة، أن الولايات المتحدة سوف تحتفظ بطائرات أكثر تطوراً لمواجهة ما تعتبره «البنتاغون» تهديدات جديدة من روسيا والصين، في حين تعتبر الطائرات القديمة كافية لحماية المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط.

وترى واشنطن أن الصين «تهديد فوري»، وفقاً لوثائق مجلة الدفاع الوطني الصادرة عن «البنتاغون»، العام الماضي، وهذا يعني أن الولايات المتحدة ترى في بكين منافساً «لمصالحها وقيمها».

ووصفت الوثائق نفسها روسيا بأنها «تهديد خطر». وتتزايد فرص الاحتكاك بين الطائرات الروسية والأمريكية في أكثر من منطقة خاصة في البحر الأسود، وفي الأجواء السورية حيث نقلت الصحيفة نفسها عن مسؤولين أمريكيين وصفهم للقوات الروسية بأنها أصبحت «أكثر عدوانية».

الخوف على تايوان

وتشعر واشنطن بقلق متزايد من أن الصين سوف تغزو تايوان في مرحلة ما في المستقبل المنظور. ويرى الرئيس الصيني شي جين بينغ، أن «إعادة توحيد» تايوان مع الصين مهمة وجودية للحزب الشيوعي الحاكم. وبالنسبة للولايات المتحدة، فإن الحفاظ على الوضع الراهن في مضيق تايوان أمر بالغ الأهمية للأمن والمصالح الاقتصادية الأمريكية، ومن شبه المؤكد أن أي غزو صيني للجزيرة سيؤدي إلى التدخل الأمريكي في الدفاع عنها.

ولكي تضمن واشنطن ردع أي عمل عسكري صيني ضد تايوان، يجب عليها أن تشجع استراتيجية تطوير الأسلحة الدفاعية التي تقوم عليها خطط الدفاع الشامل في تايوان. كما يجب على واشنطن أيضاً تسريع شحنات الأسلحة إلى تايبيه.

ويتزايد قلق المسؤولين الأمريكيين من تنامي قوة الصين، وحزمها. وبينما تشكل أزمة بالونات التجسس فوق الولايات المتحدة أبرز ملامح الأزمة الحالية، تعتقد واشنطن أن عليها الحفاظ على اليقظة بخصوص النقطة الأكثر سخونة في العلاقات الثنائية، وهي احتمالية الغزو الصيني لتايوان.

يذكر أن الرئيس الصيني أكد في أكثر من مناسبة أن إعادة توحيد تايوان مع الصين يمثل أولوية قصوى، وأمر جيشه بالاستعداد لضم الجزيرة بحلول عام 2027 (الذكرى المئوية لتأسيس الحزب الشيوعي الصيني). ومع ذلك، فإن أي عمل عسكري من هذا القبيل لن يكون سهلاً على الإطلاق، خاصة وأن تايوان تبعد أكثر من مئة ميل، وهذا يعني نشر القوات الصينية في المياه (الغادرة تاريخياً)، فضلاً عن إنزال قوات هائلة على مساحة مكشوفة من شواطئ الجزيرة المحمية جيداً، كل ذلك منع تدخل الجيش الأمريكي أو الحد منه.

وإدراكاً منها لهذه التحديات، استثمرت القوات المسلحة الصينية بكثافة في القدرات التي من شأنها أن تسمح لها بالوفاء بتفويض شي من خلال بناء أكبر قوة بحرية في العالم، وقوة جوية تتم ترقيتها بشكل مستمر، وتخزين آلاف الصواريخ التي صمم بعضها لمهاجمة القواعد الأمريكية وحاملات الطائرات. وقد أكد الرئيس شي عام 2016 استعداد الصين بالقول «لدينا العزم والقدرة والاستعداد الكامل للتعامل مع الاستقلال التايواني، وإذا لم نتعامل معه، فسوف تتم الإطاحة بنا».

ونظراً للأهمية الاستراتيجية التي تكتسبها الجزيرة في دفاع واشنطن عن مصالحها في المنطقة وعن حلفائها خاصة اليابان وكوريا الجنوبية، فإن منح هذه الأزمة أولوية في خطط «البنتاغون» وقرارات البيت الأبيض، يزيد من احتمالات المواجهة العسكرية التي قد لا تكون بعيدة، خاصة من منظور الحرب الاستباقية.


شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version