كتب – المحرر السياسي:

لم يحالف الحظ أطراف النزاع في الحرب الأوكرانية في الحصول على مجرد فرصة عابرة للجم هذا الاندفاع المجنون نحو تصعيد القتال بكل الوسائل، إلى أن انتقلت الأسلحة غير التقليدية من حيز التهديد إلى حيز التنفيذ.

بالتزامن مع مثل هذا الانسداد في الأفق الدبلوماسي والجهد السياسي، كان لزاماً على كل طرف الاستعداد لما هو أسوأ، وهو ما يمكن تتبعه في طبيعة الأسلحة التي ضخها الغرب في أرض المعركة، والتي جاء آخرها من الولايات المتحدة، حيث كشفت وزارة الدفاع الروسية عن إسقاط أول صاروخ منها من طراز «جي إل إس دي بي» الذي يبلغ مداه 150 كيلومتراً، وتطالب كييف بالحصول عليه لضرب أهداف روسية بعيدة في حال شنت هجومها الموعود لاستعادة الأراضي التي تقول إن الروس استولوا عليها.

ولم يقتصر الأمر على تلك الصواريخ، بل إن الجيش الأوكراني كان حصل على راجمات صواريخ «هايمارس» الأمريكية النقّالة عالية الدقّة التي يصل مداها إلى 80 كيلومتراً في يونيو/ حزيران 2022. كما أن ألمانيا أرسلت 18 دبابة من طراز «ليوبارد»، الأسبوع الماضي. وأعلن وزير الدفاع الأوكراني، أوليكسي ريزنيكوف، الاثنين، أنّ دبابات «تشالنجر» البريطانية، و«سترايكر» و«كوغار» الأمريكية، صارت ضمن أسلحة الجيش الأوكراني. بينما ألمحت بريطانيا إلى تزويد كييف بقذائف تحمل مادة اليورانيوم المنضب، ما يؤكد المضي في منحى التصعيد.

من هنا جاء إعلان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، عن نيته نشر أسلحة نووية تكتيكية على أراضي بيلاروسيا، ما يعزز الشعور بزيادة المخاطر التي ينطوي عليها الصراع في أوكرانيا.

أسلحة نووية تكتيكية

يأتي ذلك في أعقاب تحذيرات بوتين بأن موسكو مستعدة لاستخدام «جميع الوسائل المتاحة» لصد الهجمات على الأراضي الروسية، في إشارة إلى ترسانتها النووية.

وقال بوتين إن الرئيس البيلاروسي، ألكسندر لوكاشينكو، حث موسكو منذ فترة طويلة على نشر أسلحتها النووية في بلاده التي تربطها علاقات عسكرية وثيقة مع روسيا. وقد ساعدت روسيا عملياً في تحديث الطائرات الحربية البيلاروسية، بحيث تصبح قادرة على حمل أسلحة نووية، وهو ما أشار إليه لوكاشينكو في أكثر من مناسبة.

وأوضح بوتين أن السبب المباشر لنشر الأسلحة النووية التكتيكية الروسية في بيلاروسيا كان قرار بريطانيا تزويد أوكرانيا بقذائف خارقة للدروع تحتوي على اليورانيوم المنضب.

ويعتبر الكرملين نشر أسلحة نووية تكتيكية في بيلاروسيا، أقل بكثير مما فعلته الولايات المتحدة التي نشرت منذ عقود أسلحتها النووية في بلجيكا وألمانيا وإيطاليا وهولندا وتركيا. ويقول المسؤولون الروس إن الخطوة الروسية لا تنتهك المعاهدة الدولية التي تحظر انتشار الأسلحة النووية.

وتتميز الأسلحة النووية التكتيكية بأنها تستهدف قوات العدو في ميدان المعركة، أي أن مداها قصير نسبياً، وقدراتها أقل بكثير من الرؤوس الحربية النووية المجهزة للصواريخ الاستراتيجية بعيدة المدى القادرة على القضاء على مدن بأكملها.

وعلى عكس الأسلحة الاستراتيجية، التي كانت خاضعة لاتفاقيات الحد من التسلح بين موسكو وواشنطن، لم يتم تقييد الأسلحة التكتيكية أبداً، بموجب أي اتفاقيات من هذا القبيل، ولم تنشر روسيا أي أرقام في ترسانتها، أو أية تفاصيل أخرى تتعلق بها.

وتعتقد الحكومة الأمريكية أن روسيا تمتلك نحو 2000 سلاح نووي تكتيكي، والتي تشمل قنابل يمكن حملها بالطائرات، ورؤوساً حربية للصواريخ قصيرة المدى وقذائف مدفعية.

بينما يتم تركيب الأسلحة النووية الاستراتيجية على الصواريخ الباليستية العابرة للقارات، أو الغواصة المجهزة لإطلاق الصواريخ، ويتم تخزين الأسلحة النووية التكتيكية في عدد قليل من مرافق التخزين الخاضعة لحراسة مشددة في روسيا، ويستغرق الأمر وقتاً لتسليمها إلى الوحدات القتالية.

تجهيز الطائرات

وقد عززت موسكو تجهيزات عشر طائرات بيلاروسية بحيث تستطيع حمل أسلحة نووية، وستبدأ أطقمها التدريب على استخدامها اعتباراً من 3 إبريل/نيسان المقبل. كما منحت موسكو بيلاروسيا أنظمة الصواريخ قصيرة المدى من طراز «إسكندر» التي يمكن تركيبها على أنظمة الصواريخ التقليدية، أو تحميلها رؤوس حربية نووية.

وأكد بوتين أن روسيا ستحتفظ بالسيطرة على أي أسلحة نووية يتم نشرها في بيلاروسيا، تماماً كما تسيطر الولايات المتحدة على أسلحتها النووية التكتيكية على أراضي حلفائها في «الناتو».

ومن المفترض أن يسمح نشر الأسلحة النووية التكتيكية في بيلاروسيا، على جبهة يبلغ طولها 1084 كيلومتراً من الحدود مع أوكرانيا، للطائرات والصواريخ الروسية بالوصول إلى الأهداف المحتملة هناك بسهولة أكبر، وبسرعة أعلى، إذا قررت موسكو استخدامها. كما أنه يوسع من قدرة روسيا على استهداف العديد من أعضاء «الناتو» في شرق ووسط أوروبا.

وقد حذر ديمتري ميدفيديف، نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، الأسبوع الماضي، من أن محاولات أوكرانيا لاستعادة السيطرة على شبه جزيرة القرم تشكل تهديداً «لوجود الدولة الروسية»، وهو أمر يستدعي رداً نووياً بموجب العقيدة الأمنية للبلاد.

وقال: «إن كل يوم يتم فيه تزويد أوكرانيا بالأسلحة الغربية يجعل نهاية العالم أقرب».

وقال المحلل العسكري الأوكراني، أوليه جدانوف، إن هدف بوتين هو ثني حلفاء أوكرانيا الغربيين عن تزويد كييف بمزيد من الأسلحة قبل أي هجوم مضاد. وأضاف: «يستخدم بوتين الابتزاز النووي في محاولة للتأثير في الوضع في ساحة المعركة، وإجبار الشركاء الغربيين على خفض إمدادات الأسلحة والمعدات تحت تهديد التصعيد النووي».

وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض، جون كيربي، إن المسؤولين الأمريكيين «لم يروا أي تحرك لأية أسلحة نووية تكتيكية، أو أي شيء من هذا القبيل» منذ إعلان بوتين بشأن بيلاروسيا.

وقالت المتحدثة باسم «الناتو» أوانا لونجيسكو: «الخطاب النووي الروسي خطر وغير مسؤول. ولم يشهد الحلف حتى الآن أي تغيير في الموقف النووي لروسيا».


شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version