د. أميرة محمد عبدالحليم *

في خطوة على طريق توقيع الاتفاق السياسي الذي يمثل طوق النجاة وأساساً للعملية السياسية خلال المرحلة الانتقالية في السودان وصولاً إلى الانتخابات، أعلن تحالف قوى الحرية والتغيير في الخامس والعشرين من شهر مارس (آذار) الحالي، اكتمال المسوّدة النهائية للاتفاق السياسي وتسليمها إلى الأطراف المعنية، ما يمهد لتشكيل حكومة مدنية في مطلع الشهر الحالي ( إبريل).

منذ توقيع الاتفاق الإطارى بين المكوّن العسكري ممثلاً في مجلس السيادة الانتقالي الحاكم، مع تحالف قوى الحرية والتغيير(المجلس المركزي)، وقوى سياسية ومهنية سودانية أخرى، منها الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل والمؤتمر الشعبي وجماعة أنصار السنة المحمدية، ومنظمات مجتمع مدني في الخامس من شهر ديسمبر2022، هناك جهود يبذلها مجلس السيادة الانتقالي برئاسة الفريق عبدالفتاح البرهان ونائبه محمد حمدان دقلو وكذلك تحالف قوى الحرية والتغيير على نحو متسارع لاستقطاب وجذب عدد كبير من الأطراف والقوى السياسية للتوقيع على الاتفاق الاطاري، حيث لم تشارك في الاتفاق العديد من القوى السياسية ما حمل تهديدات واسعة للعملية السياسية التي جددت الآمال عند الشعب السوداني بالعودة إلى المسار الذي بعثته ثورته في ديسمبر 2018، وأدت الإجراءات الاستثنائية التي تبناها مجلس السيادة الانتقالي 25 أكتوبر 2021 إلى تجميدها.

مرحلة انتقالية واعتراضات

ويهدف الاتفاق الإطاري الجديد لإطلاق مرحلة انتقالية مدتها عامان ويقودها المدنيون. وتختتم هذه المرحلة بإجراء انتخابات من أجل إنهاء الأزمة السياسية المستمرة في البلاد، والعودة إلى الحكم المدني، برعاية أممية وإقليمية، واعتمد موقعو الاتفاق الإطاري على آلية ورش العمل والمؤتمرات لفتح النقاش أمام جميع مكونات الشعب السوداني والقوى السياسية والمجتمع المدني والتكوينات المجتمعية المختلفة للمشاركة في النقاش وطرح تساؤلاتها حول القضايا التي يشملها الاتفاق ( اتفاق السلام والعدالة الانتقالية وتفكيك النظام السابق وإصلاح الأجهزة الأمنية والعسكرية وقضية شرق السودان)، وفي الثامن من يناير2023، انطلقت المرحلة النهائية للعملية السياسية بين الموقّعين على الاتفاق الإطاري.

إلا أن رفض عدد من القوى السياسية المشاركة في توقيع الاتفاق الإطاري يعيق الوصول إلى التوافق الوطني المنشود، ويعرقل تنفيذ بنوده ومناقشة القضايا الخمس التي يسعى الاتفاق إلى تسويتها وفي مقدمتها اتفاق السلام الذي وقّعه مجلس السيادة الانتقالي مع عدد من الحركات المسلحة في أكتوبر2020 والذي يشوبه الكثير من المشكلات خاصة في ظل استمرار الصراع وقتل الكثير من الأبرياء في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، هذا فضلاً عن تزايد أعداد النازحين وتشكيل حركات مسلحة جديدة، وكذلك مسار شرق السودان لما له من أهمية بالغة، سواء فيما يتعلق بالاستقرار الأمني أو تأمين ميناء بورسودان، هذا فضلاً عن الترتيبات الأمنية والعسكرية في ظل إعلان مجلس السيادة الانتقالي عن عودة القوات المسلحة إلى ثكناتها وعزوفها عن العمل السياسي، فقد عارضت بعض الأحزاب والقوى السياسية توقيع الاتفاق الإطاري، بدعوى أن تحالف الحرية والتغيير (المجلس المركزي ) أصبح أذرعاً سياسية للجيش وأنها ترفض هيمنة التحالف على العملية السياسية وتحديده للمشاركين فيها، فيما تمانع قوى داعمة للانتقال المدني الديمقراطي، من بينها الحزب الشيوعي والبعث ولجان المقاومة، الاتفاق الإطاري لعدم تيقنها من قدرته على تحقيق «مدنية الدولة» وأن الاتفاق لم يشمل جميع الأطراف السياسية وأن تحالف الحرية والتغيير عمل على إقصاء عدد من القوى السياسية ورفض مشاركتها في الاتفاق.

ضغوط إقليمية ودولية

وعلى الرغم مما تطرحه الجهود المبذولة من القوى المدنية والعسكرية، للوصول إلى توافق حول العملية السياسية في البلاد خلال العامين القادمين، وصولاً للانتخابات ومحاولة توسيع قاعدة المشاركة في العملية السياسية عبر اجتذاب القوى المعارضة للاتفاق الإطاري، إلا أن استمرار رفض وتردد عدد من القوى السياسية والحركات المسلحة ينذر بمزيد من التهديدات للعملية السياسية، وخاصة الحركات المسلحة وفي مقدمتها رئيس حركة العدل والمساواة جبريل إبراهيم ورئيس حركة تحرير السودان، مني أراكو مناوي، التي تركز في مشاركتها على نصيبها من السلطة وفقاً لاتفاق سلام جوبا الموقع في أكتوبر 2020، إلا أن الكثيرين يراهنون على مجموعة من المتغيرات التي قد تساهم في دعم المسار السياسي في السودان وخفض التصعيد من قبل الأطراف المناوئة، وأهمها الضغوط الإقليمية والدولية التي دفعت الفرقاء في السودان للوصول إلى الاتفاق الإطاري وقامت برعايتها، حيث جاء الاتفاق برعاية الآلية الثلاثية (الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي و«إيجاد» ) ورحبت به كافة الأطراف الإقليمية والدولية الأخرى ومنها الترويكا ( النرويج والولايات المتحدة والمملكة المتحدة) التي حذرت في فبراير 2023 من خطورة عدم التنفيذ الفاعل والسريع لاتفاق السلام الموقع مع الحركات المسلحة، حيث تتزايد أهمية تحقيق الاستقرار في السودان لدى الكثير من الدول في ظل الموارد الضخمة التي يمتلكها السودان، هذا فضلاً عن موقعه الجغرافي المتميز، ويتضاعف هذا الاهتمام في ظل الحرب الروسية الأوكرانية التي أدت لمراجعة القوى الدولية المختلفة لسياستها في القارة الإفريقية.

ومن ناحية أخرى فإن الأوضاع الاقتصادية التي يعيشها الشعب السوداني حيث ترتفع أسعار السلع لأكثر من 500% وكذلك يتزايد التضخم والبطالة وتأتي التغيرات المناخية لتضيف أبعاداً جديدة للأزمة الحالية التي يعيشها هذا الشعب، ما يؤكد ضرورة استعادة الاستقرار في هذه الدولة لجذب الاستثمارات والمساعدات الإقليمية والدولية، وكذلك أهمية تشكيل حكومة انتقالية تدير شؤون المواطنين في ظل المعوقات التي تتزايد مع استمرار الانقسامات والفوضى في البلاد وما يصاحبه من افتقاد الأمن المجتمعي مع انتشار جرائم السرقة والقتل، ومن ناحية ثالثة، قد تسعى بعض القوى السياسية والحركات المسلحة الرافضة أو المترددة في الانضمام للاتفاق الإطاري في إعادة النظر في موقفها حتى لا تحرم من المشاركة في المسار السياسي المقبل، أو تفتقد الدعم الذي تحصل عليه من عدد من القوى الإقليمية والدولية، حيث يشير البعض إلى أن هذه القوى والحركات تسعى للاحتفاظ بنصيبها في السلطة خلال المرحلة المقبلة.

* باحثة في الشؤون الإفريقية بمركز الأهرام للدراسات السياسية


شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version