الخليج- متابعات
بعدما ذكرت مصادر إعلامية، الخميس، أن الجيش السوداني وقوات الدعم السريع وقعا على اتفاق مبادئ أولي في جدة لخفض التصعيد، وأكد خلاله الجانبان التزامهما بسيادة السودان ووحدته، وتعهدا في «إعلان جدة» باحترام المرافق العامة والخاصة في بلديهما، والسماح لجميع المدنيين بمغادرة مناطق الأعمال العدائية. هل سينجح هذا الاتفاق في إنهاء صراع الفرقاء المسلح هناك، ويوقف آلة الحرب وقرع طبولها من الجانبين، ويحقق هدنة شاملة يتبعها عودة اللاجئين والنازحين الذين فروا إلى الدول المجاورة، وعودة حركة الطيران والنشاط التجاري والاقتصادي والزراعي.

وقالت متحدثة باسم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، الجمعة، إن نحو 200 ألف شخص فروا من السودان إلى دول الجوار منذ اندلاع أعمال العنف الشهر الماضي، من بينهم أطفال كثيرون يعانون سوء التغذية وصلوا إلى تشاد في الأيام القليلة الماضية.
وذكرت أولجا سارادو المتحدثة باسم المفوضية في إفادة صحفية إن نحو 60 ألفاً وصلوا إلى تشاد عبر الصحراء، بما في ذلك 30 ألفاً في الأيام القليلة المنصرمة.
وأضافت أن قرابة 90 في المئة ممن وصلوا مؤخراً من النساء والأطفال، وخمس عدد الأطفال الصغار يعاني سوء التغذية.
وأردفت: «تدعو المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى تقديم دعم مالي عاجل لتفادي كارثة إنسانية».
وتابعت: «كان الدعم من القطاع الخاص بطيئاً بالمقارنة مع حالات الطوارئ الأخرى، على الرغم من مدى إلحاح الأزمة وخطورتها.. من المتوقع إطلاق مناشدة جديدة بعد دعوة المفوضية إلى جمع 445 مليون دولار الأسبوع الماضي».
وفي الإفادة نفسها، قال متحدث من منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) إن النيران التهمت مصنعاً في العاصمة السودانية الخرطوم كان ينتج الغذاء للأطفال الذين يعانون سوء التغذية.
وأضاف المتحدث جيمس إلدر: «هذا العرض هو الأكثر قتامة ووضوحاً حتى الآن حول كيف يهدد هذا الصراع حياة الأطفال بطرق متعددة». وقال إلدر إنه لا يعلم إذا كان المصنع قد أحرق عمداً.

المتحدث باسم العملية السياسية في السودان خالد عمر، أكد الخميس، أن طرفي الصراع «اقتربا من الوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار»، مؤكداً أن «ملايين السودانيين يتطلعون للمحادثات وهي تقترب من أولى خطواتها بالتوصل إلى اتفاق على قضايا إنسانية، وحماية المدنيين».
وعلى الرغم من التوقيع على إعلان مبادئ في السعودية في ساعة متأخرة الخميس، بعد محادثات استمرت لما يقرب من أسبوع بين الجانبين، فإنه لم يصدر أي من الطرفين حتى الآن بيانات تعترف بالاتفاق، وتواصل القصف الجوي والمدفعي في الخرطوم الجمعة، على الرغم من إعلان الطرفين التزامهما بحماية المدنيين والسماح بعبور المساعدات الإنسانية.
ومنذ اندلاع الاشتباكات بشكل مفاجئ في 15 إبريل/نيسان، لم يبد أي من الجانبين استعداداً لتقديم تنازلات لإنهاء القتال الذي أودى بحياة المئات ويهدد بالزج بالسودان في أتون حرب أهلية شاملة.
ومع هذا، قال ممثل الأمم المتحدة الخاص للسودان فولكر بيرتس إنه يتوقع استئناف محادثات وقف إطلاق النار اليوم أو غداً. وأوضح أن اتفاقات وقف إطلاق النار السابقة لم تصمد بسبب شعور كل طرف بقدرته على تحقيق النصر، لكنه أضاف أنه لاحظ تغيراً في موقفيهما.
لكن هذا الشعور بالتفاؤل يتناقض مع خيبة أمل كثيرين في العاصمة.
وقال محمد عبدالله (39 عاماً) الذي يعيش جنوبي الخرطوم: «كنا نتوقع أن يهدئ الاتفاق الحرب، لكننا استيقظنا على نيران المدفعية والضربات الجوية». ودوت الأصوات نفسها في مدينة بحري المجاورة.
وفي دارفور غربي البلاد، اندلعت بشكل مفاجئ مجدداً اشتباكات بين جماعات مسلحة محلية في مدينة الجنينة، مع إطلاق نار على أحياء واستخدام المدفعية لقصف المدينة للمرة الأولى، وذلك بعد هدوء نسبي استمر أسبوعين.
وفي أجزاء أخرى من دارفور، حيث تدور حرب منذ عام 2003 أودت بحياة 300 ألف وشردت 2.5 مليون، بدا وقف إطلاق النار الذي تم ترتيبه محلياً بين الجيش وقوات الدعم السريع صامداً فيما يبدو.
وتضمن الاتفاق الذي تم التوصل إليه، الخميس، وهو نتاج محادثات جرت بوساطة سعودية وأمريكية في جدة، التزامات بالسماح بعبور آمن للمدنيين والمسعفين والإغاثة الإنسانية، وتقليل الضرر الذي يلحق بالمدنيين والمرافق العامة.
وقال مسؤولون أمريكيون، الخميس، بحسب «رويترز» إن التوقيع ستتبعه مفاوضات بشأن وقف لإطلاق ووصفت السعودية الاتفاق بأنه «خطوة أولى».
وذكر أحد المشاركين في جهود الوساطة إن الوسطاء دفعوا الجانبين للتوقيع على إعلان المبادئ الخاص بحماية المدنيين بهدف تخفيف التوترات في ظل استمرار الخلاف بشأن التوصل إلى وقف أوسع لإطلاق النار.
وقال مسؤول كبير في وزارة الخارجية الأمريكية الخميس: إن الطرفين متباعدان جدا، وأضاف أنهم لا يتوقعون امتثالاً كاملاً للمبادئ الواردة في الإعلان.
واتفق الطرفان على إخلاء المنازل والممتلكات الخاصة الأخرى، لكن أسرة في بحري قالت إن مقاتلي قوات الدعم السريع حاولوا الاستيلاء على منزلها صباح الجمعة.
وقالت الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي والهيئة الحكومية للتنمية لدول شرق إفريقيا (إيغاد): «يتعين على الطرفين نقل تعليمات واضحة لا لبس فيها للرتب الأدنى في سبيل تنفيذ الاتفاق».
وشهدت الإعلانات السابقة لوقف إطلاق النار انتهاكات متكررة، ما ترك المدنيين وسط مشهد مرعب من الفوضى والقصف في ظل انقطاع إمدادات الكهرباء والمياه وشح الغذاء وانهيار النظام الصحي.
وأوقف الكثير من وكالات الأمم المتحدة ووكالات إغاثة أخرى المساعدات للسودان خاصة في العاصمة الخرطوم في انتظار ضمانات لسلامة المؤن والعاملين.
وذكرت منظمة الصحة العالمية، أن 600 على الأقل قتلوا وأصيب أكثر من 5 آلاف في القتال، لكنها أشارت إلى أن الأعداد الحقيقية أكبر من ذلك بكثير على الأرجح.
وقالت وزارة الصحة إن ما لا يقل عن 450 قتلوا خلال اشتباكات اندلعت في ولاية غرب دارفور وحدها.
وفي دارفور، قال الناشط أحمد قوجة إن اتفاق الخميس، قد يساعد على تثبيت وقف إطلاق النار الذي جرى ترتيبه محلياً، لكنه حذر من أن غياب آليات مراقبة تنفيذه سيعرقل تحسن الأوضاع.
وأضاف قوجة، أن القليل من المساعدات الإنسانية وصلت إلى مدينتي نيالا والفاشر الرئيسيتين في دارفور، حيث لم يتلق العاملون أجورهم لشهرين. وفي الجنينة، دُمرت البنية التحتية المحلية وتعطل النظام الصحي تماماً.
وتقول الأمم المتحدة إن أكثر من 700 ألف سوداني نزحوا داخلياً.

  • تجارة الذهب وأسعار الوقود

تسببت الاشتباكات بين الجيش وقوات الدعم السريع في العاصمة الخرطوم بإغلاق المطار والمصارف وانقطاع الكهرباء عن الشركات وتعطيل الشحن بعد تعرض مكاتب ومصانع ومخازن للنهب على يد مسلحين.
وتحتاج البلاد بشدة للعملة الصعبة التي تجنيها من الصادرات، وخاصة تجارة الذهب التي تقدر قيمتها بنحو ملياري دولار، لتتمكن من استيراد الوقود والقمح والأدوية والأغذية في ظل ما تشهده من كارثة إنسانية. وستفاقم المشكلات التي تواجهها التجارة مأساة بلاد يعتمد نحو ربع سكانها على المساعدات الغذائية حتى من قبل اندلاع القتال الشهر الماضي.
ويعاني السودانيون توقف الخدمات الأساسية وشح السيولة وإمدادات الغذاء، فضلاً عن التزايد الحاد في أسعار الوقود.
وقال أحد وكلاء الشحن: «أي شيء يمر عبر الخرطوم لا يمكنك القيام به»، مشيراً إلى أن البنوك تعرضت للنهب، كما تعطلت الأنظمة المصرفية والجمركية المركزية، فيما لم تعد عمليات السحب والإيداع متاحة إلا في الضواحي.
وأوضح مسؤول في ميناء بورتسودان، وهو مركز الملاحة البحرية الرئيسي بالبلاد، أن عمليات الشحن التجارية عبر الميناء توقفت بالكامل مع وقف شركات الشحن الكبرى للحجوزات الجديدة.
وقال وزير المالية السوداني جبريل إبراهيم إن مسؤولين من كل من الحكومة والميناء والقطاع المصرفي في بورتسودان يحاولون حل المشكلة.
وأضاف الوزير: «نؤكد للناس أنه السلع حتنساب… حتتخلص بصورة طبيعية، ما هيكون في شح في السلع بسبب إجراءات مالية معقدة»، دون التطرق إلى توقف نشاط الشحن.

  • عجز تجاري وخسائر اقتصادية ضخمة

وبلغ العجز التجاري في السودان 6.7 مليار دولار العام الماضي، وتسببت إصلاحات كانت تهدف إلى جذب التمويل الأجنبي في انهيار سريع في قيمة الجنيه مع ارتفاع التضخم لأحد أعلى المعدلات في العالم.
وكان المستثمرون يضعون خططاً لإقامة مشروعات جديدة خاصة في مجال الزراعة بهدف الاستفادة من الأراضي مترامية الأطراف الصالحة للزراعة وغير المستغلة والتوسع في عمليات معالجة المواد الخام لتنويع الصادرات.
وقال مصدر للحوم: «إذا استمرت الحرب ستخرج الشركات السودانية من سوق اللحوم بالكامل لأن المستوردين لن ينتظروا»، وأشار إلى أن فرصة الابتعاد عن تصدير الماشية إلى تصدير اللحوم صارت مهدرة الآن.
وبالفعل أعلنت مصر، وهي مستورد كبير للماشية السودانية، أنها تبحث سبل تنويع مصادر الاستيراد.
وعلى المدى الأطول ستقوض الأضرار التي لحقت بالمنطقة الصناعية الرئيسية في البلاد بمدينة بحري، حيث تعرضت مصانع كبرى للإحراق أو النهب، محاولات التعافي.
وقال أحد التجار الذين يتعاملون في السمسم والبذور الزيتية والسكر وتتكبد شركته خسائر يومية من جراء عدم الالتزام بالتعاقدات ونهب المستودعات وتضرر البنية التحتية: «إذا انتهت الحرب سيحتاج القطاعان الخاص والصناعي لوقت طويل ولدعم كبير للعودة لما كانا عليه».
ويشكو سكان في السودان من غياب الشرطة عن المشهد، بينما تبادل طرفا الصراع الاتهامات بالمشاركة في أعمال النهب.


شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version