خاص

بريطانيا تواجه تحديات كبيرة منذ خروجها من الاتحاد الأوروبي

تُعَد “ملحمة” خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي درساً ملموساً في المخاطر: فقد ألحقت الضرر بما كان يُعتقد لفترة طويلة بأنه من بين أكثر الديمقراطيات استقرارا في العالم.

هذا ما ذكره الكاتب الصحافي البريطاني، مارتن وولف، في مقال له بصحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية، تحدث خلاله عن ما وصفه بـ “الدروس المريرة من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي”، خلص في نهايته إلى أنه:

  • يتعين على المملكة المتحدة أن تحاول إصلاح علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي.
  • كما يتعين على حكومتها أيضاً أن تعمل على تحسين أدائها الاقتصادي.
  • إذا فشلت الحكومة المقبلة في تحسين المسار الاقتصادي، فقد تكون هنالك تداعيات أكثر سلبية.

استعان الكاتب في مقاله بكتاب صدر أخيراً بعنوان “ما الخطأ الذي حدث في خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي: وما الذي يمكننا أن نفعله حيال ذلك؟” من تأليف بيتر فوستر.

يُظهر الكتاب كيف مزج تحالف شعبوي كلاسيكي من المتعصبين والانتهازيين التحليل التبسيطي مع الخطابة الساخنة والأكاذيب الصريحة لإضعاف العلاقة الاقتصادية الأكثر أهمية في المملكة المتحدة وتهديد استقرارها الداخلي. ولحسن الحظ، هناك فرصة للتعلم من هذه التجربة والبدء في تصحيح الأمور.

ويضيف وولف في مقاله:

  • كان من المؤكد أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سوف يسير على نحو خاطئ، لأنه استند إلى افتراضات زائفة.
  • لا يمكن للبلدان أن تتمتع بالسيادة الكاملة في التجارة (..) تم إنشاء قواعد السوق الموحدة لأن البديل كان عبارة عن أنظمة تنظيمية متعددة ومختلفة وبالتالي تجارة أكثر تكلفة (وأصغر).
  • يتعين على المؤسسة أيضًا أن تقرر ما إذا كانت البلدان تلتزم بالقواعد التي اتفقت عليها. وكان هذا هو الدور الذي لا غنى عنه لمحكمة العدل الأوروبية.
  • ومن ثم فإن إنشاء السوق الموحدة كان بمثابة عمل من أعمال التبسيط التنظيمي. إن تركها من شأنه أن يزيد من التنظيم لأي شركة تحاول البيع في كل من المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي.

وتساءل: لنفترض أن إحدى الشركات تفكر في دخول سوق الاتحاد الأوروبي اليوم. مع تساوي الأمور الأخرى، هل سيكون من المنطقي أن يكون مقرك في المملكة المتحدة وليس في أي من أعضائها السبعة والعشرين؟ بالطبع لا. مع مرور الوقت، سوف ينمو الانفصال.

وينطبق هذا أيضًا على العلاقات الشخصية أو التعليم أو الخبرة العملية أو العمل كشخص مبدع أو مستشار أو محامٍ، بعد أن أدى هذا التحرير (الخروج من الاتحاد) إلى الحد بشكل كبير من حرية ملايين عديدة من الأشخاص على كلا الجانبين.

نفوذ بريطانيا

من لندن، قال الخبير الاقتصادي، نهاد إسماعيل، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”:

  • تلك المنطقة التجارية هي سوق كبيرو بحجم 500 مليون شخص وإجمالي الناتج الاقتصادي لها يزيد عن 15 ترليون دولار، ولكن كل الاتفاقات التي وقعت حتى الآن بما فيها مع سنغافورة وأوكرانيا لن تعوض خسارة بريطانيا بخروجها من الاتحاد الاوروبي.
  • خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أفقدها نفوذها في أوروبا اقتصاديا وجيوسياسياً، ولا شك أن الخروج لم يكن موفقا.
  • تكبد الاقتصاد البريطاني خسائر اقتصادية تقدر بـ 300 مليار استرليني أي ما يزيد عن 400 مليار دولار بحلول 2035 حسب تقديرات مركز دراسات كامبريدج ايكونوميكس البريطاني.
  • تقلص حجم الاقتصاد 140 مليار استرليني منذ الخروج من الاتحاد الأوروبي.
  • خسائر الصادرات البريطانية للاتحاد الأوروبي بلغت 23 بالمئة، وبالمثل تقلص التبادل التجاري مع دول أعضاء الاتحاد الأوروبي مثل ألمانيا وفرنسا ولكن الخاسر الأكبر كان بريطانيا.

بريطانيا تؤجل تطبيق الضوابط الحدودية المرتبطة ببريكست لـ2024

أبرز التحديات

وبالعودة لمقال “الفاينانشال تايمز”، فإن وولف يشير إلى أنه من المؤكد أن كثيرين يعرفون الآن أن التحديات التي تواجه البلاد ــ عدم كفاية البنية الأساسية، وتباطؤ الإبداع، وانخفاض الاستثمار، وضعف أداء الشركات، والتفاوتات الإقليمية الضخمة، وارتفاع فجوة التفاوت في الدخل ــ لا علاقة لها بعضوية المملكة المتحدة في الاتحاد الأوروبي.

ومما ذكره في المقال أيضاً: لقد زعمت أن محاولة العودة إلى الاتحاد الأوروبي الآن ستكون خطأً. ولكن من الممكن السعي إلى تحسين علاقة المملكة المتحدة بها، وخاصة فيما يتعلق بحركة الأشخاص والعمال والمعايير التنظيمية، وخاصة في المواد الغذائية والمصنوعات. ولا توجد حالة جيدة للانحراف عن هذا الأخير. وفي هذا الصدد، هل سيكون التنظيم الخاص بالذكاء الاصطناعي في المملكة المتحدة أو آلية تعديل حدود الكربون منطقيا؟ وبشكل أكثر جرأة، فإن الحجة القوية لصالح العودة إلى الاتحاد الجمركي وبالتالي إزالة الصعوبات التي خلقتها قواعد المنشأ الآن.

عقبات تنظيمية

وأشارت الباحثة في الشؤون الأوروبية بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، الدكتورة مرام ضياء الدين، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إلى أن:

  • غرفة التجارة البريطانية حذرت من أن الشركات التي تصدر إلى الاتحاد الأوروبي تواجه تكاليف متزايدة بعد ثلاث سنوات من البريكست نتيجة للتحديات التنظيمية مثل فرض ضرائب جديدة على الكربون وتغييرات في ضريبة القيمة المضافة ومراقبة الحدود الإضافية، ما يجعل التجارة مع البلدان الأكثر بعدًا بدلاً من أوروبا أسهل بالنسبة للشركات البريطانية.
  • القطاعات الأكثر تضررًا من البريكست هي الأغذية والمشروبات، والكيماويات، والتصنيع المتقدم.

كيف تأثر الاقتصاد البريطاني؟

وأوضحت أنه بينما أضر قرار الاتحاد الأوروبي بالبدء في تطبيق نظام ضريبي على حدود الكربون اعتبارًا من أكتوبر 2023، بالشركات، التي كان مطلوب منها تقديم بيانات حول استخدام الكربون لمستوردي الاتحاد الأوروبي، مع فرض الضرائب اعتبارًا من يناير 2026، فإن مسح العضوية الذي أجري في يوليو 2023، والذي وجد أن ما يقرب من ثلثي المصدرين في المملكة المتحدة قالوا إن التجارة مع الاتحاد الأوروبي أصبحت أكثر صعوبة مما كانت عليه قبل عام – مقارنة بخمس المصدرين فقط إلى بقية العالم.

وفي قطاع الأغذية الزراعية، لا تزال قدرة المملكة المتحدة على الوصول إلى الاتحاد الأوروبي أسوأ من دول مثل نيوزيلندا، حيث تدعم غرفة التجارة البريطانية خطة حزب العمال المعارض للاتفاق على اتفاق بيطري لبروكسل والمملكة المتحدة لإزالة الحواجز أمام التجارة.

وغادرت المملكة المتحدة الاتحاد الأوروبي في 31 يناير 2020. كان ذلك قبل إعلان COVID-19 وباءً في 11 مارس 2020. في ذلك الوقت لم يكن من الواضح ما إذا كان الاقتصاد السياسي العالمي سيتغير.

وفيما يخص أثر الخروج على الاقتصاد البريطاني، استشهدت الباحثة في معرض حديثها مع موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، بدراسة للمعهد الوطني للبحوث الاقتصادية والاجتماعية، أشارت إلى:

  • انخفاض التجارة مع الاتحاد الأوروبي وما يرتبط به من انخفاض في شروط التجارة في المملكة المتحدة، وانخفاض الإنتاجية، وانخفاض دائم في الاستعداد للاستثمار في المملكة المتحدة.
  • تشير التقديرات إلى أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي قد أدى بالفعل إلى خفض الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في المملكة المتحدة نسبة إلى خط الأساس بنسبة تقل قليلاً عن 1بالمئة في عام 2020، حين عدل المستهلكون والشركات توقعاتهم حتى قبل دخول اتفاق التجارة والتعاون بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة حيز التنفيذ.
  • انخفض الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في المملكة المتحدة بنحو 2 بالمئة إلى 3 بالمئة بسبب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، مقارنة بالسيناريو الذي تحتفظ فيه المملكة المتحدة بعضوية الاتحاد الأوروبي. وهذا يتوافق مع خسارة دخل الفرد بحوالي 850 جنيهًا إسترلينيًا.
  • التأثير السلبي لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يتصاعد تدريجيا، ليصل إلى نحو 5 بالمئة إلى 6 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي أو حوالي 2300 جنيه استرليني للفرد بحلول عام 2035.

هل كان الخروج ناجحاً؟

وفي شهر مايو الماضي، كشف استطلاع أجرته YouGov عن أن نسبة تصل إلى 9 بالمئة فقط من البريطانيين يعتبرون الخروج من الاتحاد الأوروبي “نجاحاً” أكثر من كونه “فشل”. كما أن 62 بالمئة من المشاركين في الاستطلاع اعتبروه فشلاً أكثر من كونه نجاح (من بينهم 37 بالمئة من المؤيدين السابقين للخروج).

تشير البيانات ذاتها إلى أن 75 بالمئة من البريطانيين يعتقدون بأن “خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي كان من الممكن أن يكون ناجحاً، لكن تنفيذه من قبل هذه الحكومات و / أو الحكومات السابقة جعله فاشلاً”. 

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version