توقع محللون، الاثنين، أن تواجه باكستان حالة عدم يقين سياسي مدة أسابيع، بعد انتخابات أتت نتائجها غير حاسمة، مع عشرات الطعون المحتملة أمام المحاكم، وخوض الأحزاب المتنافسة مفاوضات لتشكيل ائتلافات محتملة.
وعلى الرغم من تعرّض حزب حركة الإنصاف الباكستانية، بزعامة عمران خان المسجون حالياً، لقمع شديد، فإنّ أداء المرشحين المستقلين الذين دعمهم فاق التوقّعات.
وأظهرت النتائج النهائية التي أعلنت، الأحد، فوز المستقلين بـ 101 مقعد، فيما حصل حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية على 75 مقعداً، وحزب الشعب الباكستاني على 54 مقعداً، والحركة القومية المتحدة على 17 مقعداً.
وحصلت عشرة أحزاب صغيرة على المقاعد الـ 17 المتبقية، مع بقاء مقعدين شاغرين.
ويؤكد مسؤولون في حزب حركة الإنصاف أنهم كانوا سيفوزون بمقاعد أكثر لولا تزوير الأصوات.
وازدادت الشكوك في مصداقية الانتخابات؛ بسبب قطع السلطات الاتصالات وخدمة الإنترنت عبر الهواتف النقالة طوال يوم الاقتراع.
وأكدت المحللة السياسية إمبر رحيم شمسي أن «هناك ثلاثة تحديات محتملة مرتبطة بشرعية الانتخابات من خلال الإجراءات القانونية المطولة والاحتجاجات واحتمال وقوع أعمال عنف».
ولا يمكن للمستقلين تشكيل حكومة على الرغم من حصولهم على العدد الأكبر من المقاعد؛ حيث يجب أن يقوم حزب معترف به أو ائتلاف من أحزاب بتشكيل الحكومة.
إصلاحات
ويبدو تشكيل ائتلاف حكومي بين حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية وحزب الشعب الباكستاني وهما شكّلا حكومة ائتلافية، بعد الإطاحة بعمران خان من منصب رئيس الوزراء بموجب مذكرة حجب ثقة في نيسان/إبريل 2022- النتيجة الأكثر ترجيحاً.
وقالت شمسي لوكالة فرانس برس: «على المدى القصير، فإن أي ائتلاف يتشكل عبر انتخابات مثيرة للجدل إلى حد كبير في بيئة سياسية مشحونة للغاية، سيجد صعوبة في تطبيق إصلاحات لا تحظى بشعبية، والتي تحتاج إليها باكستان بشدة».
وفازت ستة أحزاب صغيرة على الأقل بمقعد أو مقعدين فقط في الانتخابات، وسوف ترحب بانضمام المستقلين إلى صفوفها.
وهذا قد يمنحهم إمكانية الوصول إلى 70 مقعداً إضافياً تخصص للنساء والأقليات الدينية وفقاً لنتائج الانتخابات، ولم يسبق حدوث هذا من قبل وقد يواجه تحديات قانونية.
ويرى الخبير القانوني أسامة مالك أن «للمحاكم دوراً حساساً للغاية في هذه اللحظة».
وأكد لفرانس برس، «سيتعين عليها (أيضاً) أن تقرر إن كانت ستأمر بإعادة فرز الأصوات في مختلف الدوائر الانتخابية». مشيراً إلى أن «إعادة فرز الأصوات في دوائر انتخابية متعددة يمكن أن تؤدي أيضاً إلى تأخير انعقاد البرلمان؛ لذا يجب على المحاكم أن تكون حذرة من ذلك أيضاً».
يصرّ زعماء حركة الإنصاف على أنهم حصلوا على «تفويض شعبي» لتشكيل الحكومة المقبلة.
وأكد رئيس حزب الإنصاف جوهر علي خان، في مقابلة: «لقد قرر الناس لصالح عمران خان»، داعياً أنصار الحزب إلى الاحتجاج أمام مكاتب الانتخابات التي قال، إنه حصل فيها تزوير.
ويبقى احتمال اندلاع أعمال عنف قائماً، فأطلقت الشرطة الباكستانية، الأحد، الغاز المسيّل للدموع؛ لتفريق أنصار عمران خان، بعد أن توعّدت بأنها ستتخذ إجراءات صارمة ضد التجمعات غير القانونية.
ودعت الامم المتحدة، الاثنين، إلى حل الخلافات عبر اللجوء إلى «الأطر القانونية الموجودة».
وصرح المتحدث باسم المنظمة الأممية ستيفان دوجاريك، بأن الأمين العام أنطونيو غوتيريش «يحضّ السلطات والقادة السياسيين على الحفاظ على مناخ هادئ والامتناع عن أي من أشكال العنف».
وفي واشنطن، قال المتحدّث باسم وزارة الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر ردّاً على سؤال بشأن استخدام الشرطة الباكستانية قانوناً يعود تاريخه إلى الحقبة الاستعمارية لمنع التجمّعات التي تضمّ أكثر من أربعة أشخاص، إنّه «يجب احترام حريّة التجمّع في كلّ مكان في العالم».
وأضاف، «نعتقد أنّه يجب إجراء تحقيق معمّق في اتّهامات التزوير» في الانتخابات الباكستانية، مشيراً إلى أنّ الولايات المتّحدة «مستعدّة للعمل مع الحكومة حال تشكيلها».
وخرج مناصرو الحزب في أيار/مايو الماضي عندما اعتقل خان للمرة الأولى، بعد عام على الإطاحة به. وتم اعتقال المئات من قادة الحزب وأنصاره.
وحكم على خان نجم الكريكيت السابق الذي قاد باكستان للفوز بكأس العالم عام 1992، هذا الشهر بالسجن لفترات طويلة بتهمة الخيانة والكسب غير المشروع والزواج غير القانوني.
ولكنّ الأمر قد لا يطول في السياسة الباكستانية، فقد عزلت المحكمة العليا نواز شريف من منصبه بتهمة الفساد في 2017، بعد الكشف عن عقارات فاخرة تمتلكها عائلته عبر شركات قابضة خارجية.
ومنعته المحكمة العليا نفسها من تولي أيّ منصب سياسي مدى الحياة. وأدى إقرار قانون في حزيران/يونيو في عهد حكومة شقيقه شهباز شريف، إلى تسهيل عودته من المنفى.
انشقاقات
يتعين الآن على العشرات من الدوائر الانتخابية إجراء انتخابات فرعية حتى دون الطعن في النتائج.
وفاز العديد من المرشحين في دوائر انتخابية متعددة -وهو أمر يسمح به القانون الباكستاني- لذا سيتعين عليهم اختيار واحدة، وإجراء انتخابات جديدة في الدوائر الأخرى.
كما أن الانشقاقات الحزبية شائعة أيضاً، حيث أعلن اثنان على الأقل من المستقلين الفائزين الذين تعهدوا بالولاء لخان قبل الانتخابات عن انضمامهم إلى حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية.
ومن المتوقع أن يقوم آخرون بذلك، وتواجه الحكومة المقبلة، بغض النظر عن النتيجة، سلسلة من التحديات.