خاص

النفط الروسي

يرى خبراء طاقة أن انتخابات الرئاسة الأميركية دفعت الرئيس جو بايدن، الذي يتخوف من تأثير ارتفاع أسعار النفط على اقتصاد البلاد والأميركيين وخصوصاً ما يتعلق بأسعار الغازولين، إلى غض الطرف عن النفط الروسي الذي يخضع للعقوبات الغربية، لمنع ارتفاع الأسعار وخصوصاً مع وصول خام برنت بالأمس إلى 87 دولاراً للبرميل.

وقد حثت الولايات المتحدة أخيراً أوكرانيا على وقف الهجمات على البنية التحتية للطاقة في روسيا بما فيها مصافي النفط، محذرة من أن ضربات الطائرات دون طيار تخاطر برفع أسعار النفط العالمية وإثارة الانتقام بحسب صحيفة “فاينانشيال تايمز”.

وذكرت الصحيفة أن البيت الأبيض يشعر بالإحباط بشكل متزايد بسبب هجمات الطائرات دون طيار الأوكرانية التي ضربت مصافي النفط والمحطات والمستودعات ومنشآت التخزين في جميع أنحاء غرب روسيا ما أضر بقدرتها على إنتاج النفط.

كما تشعر واشنطن بالقلق من أنه إذا استمرت أوكرانيا في ضرب المنشآت الروسية، بما في ذلك العديد منها التي تبعد مئات الأميال عن الحدود، فإن روسيا يمكن أن تنتقم من خلال مهاجمة البنية التحتية للطاقة التي يعتمد عليها الغرب ويشمل ذلك خط أنابيب CPC الذي ينقل النفط من كازاخستان عبر روسيا إلى السوق العالمية.

ولا تزال موسكو واحدة من أهم مصدري الطاقة في العالم على الرغم من العقوبات الغربية المفروضة على قطاع النفط والغاز الروسي وهي:

  • حظر الاتحاد الأوروبي للنفط والغاز الروسي وتعهده بإنهاء اعتماده على صادرات الغاز من روسيا بحلول عام 2030.
  • فرض حد أقصى لسعر برميل النفط الخام الروسي المنقول بحراً عند 60 دولاراً.
  • فرض سقف سعر على المشتقات النفطية الروسية بواقع 100 دولار للبرميل للمنتجات الأعلى سعراً مثل وقود الديزل والبنزين في حين تم تحديد قيمة المنتجات الأقل جودة عند 45 دولاراً للبرميل.

وارتفعت أسعار النفط نحو 15 بالمئة هذا العام، إلى 87 دولارا للبرميل ما أدى إلى ارتفاع تكاليف الوقود في الوقت الذي يبدأ فيه الرئيس الأمريكي جو بايدن حملته لإعادة انتخابه.

المصلحة أولاً واخيراً

قال ممدوح سلامة خبير النفط العالمي في حديثه لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”: “إذا صحت التقارير القائلة بأن الولايات المتحدة حثت أوكرانيا على وقف هجماتها على البنية التحتية لمنشآت النفط والغاز الروسية إضافة إلى مصافي النقطـ فإن ذلك يعود إلى تخوف الولايات المتحدة من تأثير ذلك على إمدادات النفط ومشتقاته في العالم في وقت يزداد فيه سوق النفط العالمي ضيقاً وترتفع الأسعار وخصوصاً في ظل انتخابات الرئاسة الأميركية”.

وأضاف أن الولايات المتحدة تنظر أولاً وأخيراً إلى مصلحة اقتصادها وتعمل جاهدة لوقف ارتفاع أسعار النفط فوق حد معين لتأثير ذلك على الاقتصاد الأميركي وارتفاع أسعار الغازولين على المواطنين الأميركيين ما ستكون له تأثيرات كبيرة على انتخابات الرئاسة المقبلة، لهذا السبب تعمل الولايات المتحدة منذ يناير عام 2022 وحتى الآن على التلاعب بسوق النفط العالمي بالتعاون مع وكالة الطاقة الدولية وتجار النفط والمضاربين للتأثير على السوق ومنع الأسعار من الارتفاع وهو ما أدى إلى بقاء أسعار خام برنت منخفضة نسبياً طوال عامي 2022 و2023 ومطلع عام 2024.

كيف تضغط الولايات المتحدة على الأسعار

وذكر سلامة العديد من السبل التي تستخدمها الولايات المتحدة للضغط على الأسعار ومنها،  

  • رفع قيمة الدولار الأميركي عن طريق رفع أسعار الفائدة.
  • إعلانات إدارة معلومات الطاقة الأميركية عن ارتفاع ضخم مبالغ جداً فيه لإنتاج الولايات المتحدة من النفط.
  • الإعلان عن ارتفاع المخزون النفطي الأميركي كلما بدأت الأسعار بالارتفاع.
  • الإيحاء لوكالة الطاقة الدولية لنشر تقارير تشير إلى ضعف الطلب العالمي على النفط ووجود تخمة في السوق لإجبار الأسعار على الانخفاض.

لكن خبير النفط العالمي يرى أن “الطلب العالمي القوي على النفط وقوة أساسيات سوق النفط وازدياد الضيق في السوق أخذت تطغى على المضاربات والتلاعب في السوق من جانب الولايات المتحدة لهذا السبب قفز خام برنت إلى 87 دولاراً للبرميل الواجد بالأمس وهو في طريقه إلى اختراق سعر 90 دولاراً قريباً جداً”.

ورداً على سؤال فيما إذا كانت الولايات المتحدة ستغض الطرف عن النفط الروسي الذي يخضع للعقوبات أجاب سلامة: “إن الولايات المتحدة تتصرف بشكل مكيافيلي إذا شعرت أن مصالحها الاقتصادية ستتأثر من ارتفاع أسعار النفط، من هذه الزاوية ربما ستضطر إلى غض الطرف عن دول تستورد النفط الروسي خصوصاً أن صادرات النفط الروسي التي تزيد عن 8 ملايين برميل في اليوم هي عنصر أساسي لضمان استقرار الأسعار”.

“سوق النفط الآخذة في الازدياد ضيقاً لا تستطيع الآن أو في المستقبل الاستغناء عن النفط الروسي وما سيحفز الولايات المتحدة إلى غض الطرف أنه لم يعد بمقدورها سحب ملايين البراميل من الاحتياطي الاستراتيجي خصوصاً أنها سحبت خلال عامين ونصف العام من إدارة الرئيس جو بايدن 291 مليون برميل أو 46 بالمئة من الاحتياطي الاستراتيجي الكامل دون تأثير يذكر على الأسعار”، بحسب سلامة.

الغرب يريد الـتأثير على إيرادات روسيا النفطية فقط 

من جهته، قال عامر الشوبكي مستشار الطاقة الدولي في حديثه لموقع اقتصاد سكاي نيوز عربية: “كان واضحاً منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية والارتفاعات الكبيرة لأسعار النفط والغاز أن الغرب بات أكثر حرصاً على توضيح أهدافه بالتأثير فقط على الإيرادات الروسية من أسعار الطاقة التي كانت هي السبب الرئيسي لصمود الاقتصاد الروسي حتى الآن أمام العقوبات الغربية، وبالتالي عدم الـتأثير على أسعار الطاقة ارتفاعاً لأن التأثير الأكبر سيطال في هذه الحالة أوروبا ذاتها والولايات المتحدة.

حتى أن الغرب حرص على عدم فرض عقوبات على طرف ثالث فسهل مرور النفط الروسي إلى الهند وربما في أحيان كثيرة كان يذهب النفط الروسي ذاته مكرراً كمشتقات نفطية ليعود إلى القارة الأوروبية والولايات المتحدة، بحسب الشوبكي الذي أوضح أيضاً أنه تم غض النظر نوعاً ما عن أسطول الظل الذي تستخدمه روسيا في تمرير نفطها خارج نطاق السقوف السعرية التي حددها الغرب.    

وأضاف الشوبكي: “أما مستجدات الحرب الروسية الأوكرانية، فهو بدء استهداف قطاع الطاقة في روسيا أو أوكرانيا، سواء استهداف روسيا لمحطات توليد الكهرباء في أوكرانيا، أو استهداف أوكرانيا مصافي النفط العملاقة في روسيا وهو ما يعطل إنتاج المشتقات النفطية الروسية التي يعتمد العالم على جزء منها وخصوصاً الديزل لأن البنزين الروسي تم إيقاف تصديره لمدة ستة أشهر لذلك فإن تأثير مثل هذه الضربات سيرفع أسعار النفط وهذا ما حدث فعلاً بوصول خام برنت إلى 87 دولاراً للبرميل وهو أعلى سعر منذ أربعة أشهر”.

ارتفاع النفط يقلق “الديمقراطيين”

هذا الارتفاع في سعر النفط يشكل أخباراً سيئة للديمقراطيين وللرئيس بايدن فيما يتعلق بالانتخابات الأميركية كما يحبط في الوقت ذاته جهود الاحتياطي الفيدرالي في نيته لتخفيض أسعار الفائدة يونيو المقبل، لأن ارتفاع سعر النفط له دور رئيسي في عودة التضخم إلى القارة الأوروبية والولايات المتحدة أكثر من المتوقع ومن هنا يأتي حرص واشنطن على ربط المساعدات المقدمة لأوكرانيا بامتناعها عن ضرب منشآت الطاقة الروسية لعدم التأثير أـكثر على أسعار النفط، طبقاً لما قاله مستشار الطاقة الدولي الشوبكي.

وتأتي اعتراضات الولايات المتحدة على ضرب منشآت الطاقة الروسية في الوقت الذي يواجه فيه بايدن معركة صعبة لإعادة انتخابه هذا العام مع ارتفاع أسعار البنزين، حيث زادت بنسبة 15 بالمئة تقريباً هذا العام إلى حوالي 3.50 دولارًا للغالون.

وقال بوب ماكنالي، رئيس شركة رابيدان إنيرجي الاستشارية ومستشار الطاقة السابق بالبيت الأبيض: “لا شيء يخيف رئيساً أميركياً في منصبه أكثر من ارتفاع أسعار محطات الوقود خلال عام الانتخابات”.

والجدير ذكره أن أوكرانيا كثفت هجماتها الجوية في الأسابيع الأخيرة، مع توسع برامج الطائرات دون طيار وتحول الحرب البرية لصالح موسكو، ويأتي ذلك أيضاً في أعقاب الاستياء المتزايد في كييف بشأن ما يُنظر إليه على أنه نهج الغرب المتناقض للحد من عائدات الطاقة في موسكو.

ووقع ما لا يقل عن 12 هجوماً على مصافي التكرير الروسية الكبرى منذ عام 2022، وتسعة على الأقل هذا العام، إلى جانب العديد من المحطات والمستودعات ومرافق التخزين، والهدف من “العمليات الخاصة” هو إعاقة إمدادات الوقود للقوات الروسية وقطع التمويل عن المجهود الحربي للكرملين، وفقًا لمسؤولين في كييف.

في حين ذكرت هيليما كروفت، المحللة السابقة في وكالة المخابرات المركزية والتي تعمل الآن في RBC Capital Markets، مؤخراً أن أوكرانيا أظهرت أنها قادرة على ضرب معظم البنية التحتية لتصدير النفط في غرب روسيا، مما يعرض حوالي 60 بالمئة من صادرات البلاد للخطر.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version