«الخليج» – وكالات
أدى قصف هيروشيما وناجازاكي اليابانيتين بقنابل نووية أمريكية في 6 و9 أغسطس/ آب 1945 إلى مقتل نحو 210 آلاف شخص ومأساة يتعذّر نسيانها، لكنها رغم ذلك لم تمنع حلفاً بين اليابان والولايات المتحدة هو الأكثر صلابة في العالم من دون شك.
ويقوم فوميو كيشيدا خلال الأسبوع الجاري بأول زيارة دولة لرئيس وزراء ياباني إلى الولايات المتحدة منذ 2015، وفيما يلي عرض للعلاقة بين واشنطن وطوكيو اللتين انتقلتا من العداء خلال الحرب العالمية الثانية إلى التحالف الوثيق.

  • لماذا قرر اليابانيون الهجوم على الولايات المتحدة

في أعقاب الحرب العالمية الأولى، تبنت اليابان مبدأ لا يستبعد دخول بحريتها في حرب ضد الولايات المتحدة، ولذلك درس العسكريون اليابانيون بدقة العدو المحتمل.
بالمقابل كانت الولايات المتحدة منزعجة تماماً من سعي الإمبراطورية اليابانية إلى توسيع نفوذها في جنوب شرق آسيا.
العلاقات بين واشنطن وطوكيو توترت في ذلك الوقت، وجمدت إدارة فرانكلين روزفلت في يوليو عام 1941 الأصول المالية اليابانية على أراضيها وتوقفت عن بيعها النفط، وذلك بعد أن احتلت القوات اليابانية ما كان يعرف بمنطقة الهند الصينية الفرنسية، كما انضمت بريطانيا وهولندا إلى ذلك الحظر.
ذلك الحظر النفطي كان بالنسبة لليابان الفقيرة بموارد الطاقة والمواد الخام، بمثابة ضربة خطيرة، ووقف بيع النفط أيضاً يعد النقطة الأكثر ضعفاً بالنسبة للبحرية اليابانية التي كانت تبلغ احتياطاتها من زيت الوقود ستة ملايين ونصف المليون طن، وكانت في تناقص في كل يوم، وكانت تغطي الاحتياجات بحد أقصى لا يتجاوز الأربع سنوات.
في تلك الآونة أجرت الولايات المتحدة واليابان بين شهري أبريل ونوفمبر عام 1941 مفاوضات لحل الإشكالات بينهما إلا أنهما فشلتا في ذلك، فكانت الكلمة كما هي العادة في مثل هذه الحالات للعسكر أصحاب الأحذية الثقيلة.
الأدميرال ياماموتو القائد العام للأسطول الحربي الياباني وكان درس في الولايات المتحدة في جامعة هارفرد، وضع خطة جريئة لمهاجمة بيرل هاربور، القاعدة الرئيسية لأسطول المحيط الهادئ الأمريكي.
كان الأدميرال الياباني الشهير يأمل في أن يتم تدمير حاملات الطائرات الامريكية التابعة لأسطول المحيط الهادئ إضافة إلى البوارج الكبيرة ما من شأنه أن يضع المبادرة الاستراتيجية في يد اليابان، ويمنع الأمريكيين أيضاً من التصدي للهجوم الياباني في جنوب المحيط الهادئ بهدف السيطرة على المناطق الغنية بالنفط.
أخذ الأمريكيون في بيرل هاربور على حين غرة، وألقيت في موجات متتالية من الغارات الجوية القنابل والطوربيدات على السفن الحربية الأمريكية الراسية في الميناء، وتم أولًا تدمير البارجة أريزونا وقتل فيها أكثر من ألف بحار، تلتها البارجة أوكلاهوما و395 من طاقمها، وتم تعطيل قسم من أسطول المحيط الهادئ الأمريكي ما يعد فشلًا للخطة التي كان يراد بها تحييد كامل الأسطول الأمريكي في المنطقة، وتعطيل ميناء بيرل هاربور لأطول فترة.
قتل في الغارات اليابانية على بيرل هاربور حوالي 2500 عسكري أمريكي، فيما خسر اليابانيون 64 عسكرياً و29 طائرة فقط.
الرئيس الأمريكي روزفلت خاطب الكونغرس في 8 ديسمبر 1941 قائلاً إن الولايات المتحدة «تعرضت لهجوم جبان وغير مبرر من قبل القوات البحرية والجوية لإمبراطورية اليابان أطلب من الكونغرس إعلان حالة الحرب».

  • هزيمة اليابان واحتلالها

روزفلت افتتح حرب الانتقام من اليابانيين، وأكمل هاري ترومان الذي خلفه في منصب الرئاسة في عام 1945، المهمة بإجبار اليابان على الاستسلام بعد هزيمتها وخسارتها معظم قواتها البحرية والجوية. استعمل ترومان السلاح النووي لأول مرة في التاريخ ضد مدينتين يابانيتين فيما يشبه ضمنياً تنفيذ حكم إعدام نووي.
ورغم هذه المذبحة التي لم يسبق لها مثيل، وقد سبقها 4 سنوات من حرب وحشية، أصبح أشرس الأعداء أفضل أصدقاء، إذا كان ممكناً قول ذلك.
احتل الأمريكيون الأرخبيل حتى 1952 (لم تتم إعادة أوكيناوا حتى 1972)، وينص الدستور الياباني السلمي الذي كتبه الأمريكيون في 1947 على تخلي طوكيو عن الحرب «إلى الأبد».
في 2016، قام باراك أوباما بأول زيارة لرئيس أمريكي إلى هيروشيما، في السنة نفسها زار أوباما وشينزو آبي رئيس الوزراء الياباني حينذاك، معًا بيرل هاربور.

لضمان دفاعها في فترة ما بعد الحرب، تعتمد اليابان بشكل وثيق على الولايات المتحدة التي تمتلك قواعد عسكرية على أراضيها.
هذا الوضع تعزز خلال معاهدة للتعاون المتبادل والأمن بين البلدين تمت المصادقة عليها في 1960 على الرغم من احتجاجات شعبية شديدة في اليابان في ذلك الوقت. ولا تزال هذه المعاهدة سارية المفعول.
ويتمركز حالياً نحو 54 ألف جندي أمريكي في اليابان معظمهم في أوكيناوا، في الطرف الجنوبي للأرخبيل، ومساهمة اليابان المالية في القواعد الأمريكية على أراضيها كبيرة إذ تتجاوز مليار دولار سنوياً.
وفي مواجهة الضغوط المتزايدة التي تمارسها الصين في منطقة آسيا والمحيط الهادئ بشكل خاص، قامت اليابان بمراجعة عميقة لمبادئها للأمن القومي نهاية 2022، وقررت التزود بقدرات خاصة بها «لهجوم مضاد».
وتنوي اليابان التي تمتلك قوات للدفاع عن النفس، أيضاً مضاعفة ميزانيتها الدفاعية لتبلغ 2 في المئة من إجمالي الناتج المحلي بحلول 2027.
ويتخذ التحالف الأمريكي ــ الياباني أكثر فأكثر أشكالاً موسعة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، مثل اتفاقية كواد (التعاون الأمني غير الرسمي الذي يجمع الولايات المتحدة واليابان وأستراليا والهند).
ويمكن أن تتعاون اليابان أيضاً في المستقبل مع تحالف «أوكوس» الدفاعي الذي يضم الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا، وتتفاوض حالياً على اتفاقية عسكرية ثنائية مع الفلبين.

  • علاقات اقتصادية قوية

في 2022، شكلت كل من الولايات المتحدة واليابان المصدر الرئيسي للاستثمارات الأجنبية المباشرة.
ويشكل عدد كبير من الشركات اليابانية جزءًا من المشهد الصناعي في الولايات المتحدة منذ ثمانينات القرن العشرين، لاسيما في قطاع صناعة السيارات (تويوتا وهوندا ونيسان).
مع ذلك، تعاني الولايات المتحدة من عجز تجاري كبير مع اليابان (-71,2 مليار دولار في 2023)، وهذا ما شكل مسألة خلافية في عهد الرئيس دونالد ترامب (2017-2021).
ويعمل البلدان أيضًا على تعزيز تعاونهما في المجالات التكنولوجية الحساسة مثل الطاقة النووية المدنية والفضاء وأشباه الموصلات.
لكن الشراكة الاقتصادية بينهما تنطوي على خطوط حمراء. فالرئيس الأمريكي جو بايدن المرشح لولاية ثانية في انتخابات تشرين الثاني/ نوفمبر، يعارض مشروع استحواذ الشركة اليابانية «نيبون ستيل» على شركة صناعة الصلب الأمريكية «يو إس ستيل» التي تعد رمزاً.


شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version