يراهن الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي، في الحرب على نقيضين بين تقدم في روسيا ودفاع في أوكرانيا، وكل ذلك وسط ترقب لرد الكرملين وتحذير أميركي من ضربة روسية واسعة النطاق.
ورغم أن التوغل الأوكراني كسر نمط حرب الاستنزاف التي كانت قائمة إلا أن هناك مخاوف من قدرت القوات الأوكرانية على الصمود في العمق الروسي، مع الأخذ بعين الاعتبار تحديدات خطوط الإمداد، فضلا عن الخبرة الروسية في القتال في المساحات الكبيرة أو حروب الجغرافيا الواسعة.
تقدم في كورسك وخسائر شرقا
وتقابل المكاسب الأوكرانية في كورسك خسائر في منطقة دونيتسك شرقا، حيث أعلنت روسيا عن سيطرتَها على مجموعة من البلدات والقرى في دونيتسك في الأسابيع الأخيرة.
وإلى حدود اليوم لا توجد مؤشرات على تراجع حدة المعارك في شرق أوكرانيا، في الوقت الذي كان يعتقد فيه أن كييف كانت تأمل أن تجبر عمليتها المباغتة عبر الحدود، موسكو على إعادة نشر جنودها.
ولضخ مزيد من الزخم، قام الرئيس الأوكراني بزيارة إلى منطقة سومي المتاخمة لحدود كورسك الروسية، وهي أول زيارة له لمنطقة الحدود منذ دخول قوات بلاده الأراضيَ الروسية قبل أكثرَ من أسبوعين.
وقال زيلينسكي، خلال اجتماع مع قائد الجيش الأوكراني، إنه تمت السيطرة على منطقة أخرى في مقاطعة كورسك، واحتجاز مزيد من أسرى الحرب الروس الذين يأمل في مبادلتهم بالأوكرانيين الأسرى.
التوغل في روسيا وتراجع الدعم الألماني
وتعتبر عملية التوغل، أمرا كبيرا في سياق الحرب، وبحسب محللين عسكريين، فإن العملية الأوكرانية تمثل أكبر هجوم على روسيا منذ الحرب العالمية الثانية، وقد يبلغ عدد القوات الأوكرانية المشاركة فيه نحو 10 آلاف جندي تدعمهم المدرعات والمدفعية.
وتبقى حسابات النجاح والفشل في الهجوم مرتبطة مباشرة بدعم الغرب العسكري لأوكرانيا، فيما يظهر أن زيلينسكي قلق من تعثر حلفائه على مستوى الدعم فجدد مطالبتَهم بتقديم المزيد من الأسلحة.
ويبقى التحدي الأبرز هو تراجع الدعم الألماني حاليا، إضافة لانشغال واشنطن بالانتخابات الرئاسية.
وأشار موقع “بلومبيرغ” في مقال إلى تحولات في سياسات برلين، وأن هناك تقارير تفيد بأن ألمانيا تخطط لخفض المساعدات لأوكرانيا بشكل كبير في المستقبل القريب وخفضت الميزانية إلى النصف بحلول نهاية العام. علما أن ألمانيا هي ثاني أكبر مورد للأسلحة لأوكرانيا بعد الولايات المتحدة.
وبالرغم من تأكيد المستشار الألماني أولاف شولتز أن بلاده ستبقى أكبر داعم لأوكرانيا في أوروبا، لكنه أكد أيضا أن أوكرانيا لم تتشاور مع برلين بشأن توغلها في روسيا، وتوقع أن يكون التقدم محدودا.
الرد الروسي
على الجانب الآخر تواصل روسيا عملياتها شرقا، وتستعد للرد على هجوم كورسك كما بات متوقعا.
ويواصل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هجومه الاتهامي لأوكرانيا، وقال إن قوات كييف حاولت ضرب المحطة النووية في مدينة كورسك. كما تم إجلاء مائة وخمسة عشر ألف مدني من المناطق الحدودية في مقاطعة كورسك.
الاتهامات وعمليات الإجلاء تترافق أيضا مع مخاوف دولية من الرد الروسي حيث قالت السفارة الأميركية في كييف إن هناك خطرا متزايدا من هجمات روسية بصواريخ وطائرات مسيرة على أنحاء أوكرانيا خلال الأيام المقبلة في الوقت الذي تستعد فيه البلاد للاحتفال يوم السبت بالذكرى الثالثة والثلاثين لاستقلالها عن الاتحاد السوفيتي.
وكان بوتين توعد بالرد بشكل متكافئ على التوغل الذي وصفه بأنه استفزاز شديد.
أهمية التقدم في العمق الروسي
يقول الدبلوماسي الأوكراني السابق فولودمير شوماكوف، إنه ورغم التوغل الأوكراني في كورسك إلا أن بوتين لم يتنازل عن شروطه إنهاء الحرب ومن بينها انسحاب كييف من أربع محافظات أوكرانية ونزع السلاح.
ويضيف شوماكوف، في تصريح لـ”سكاي نيوز عربية” أن من بين مكاسب أو رهانات زيلينسكي في التوغل في كورسك ونقل الحرب إلى عمق روسيا:
- استنزاف الجيش الروسي الذي لم يكن مستعدا لهجوم من كييف ولم يعزز أمن حدوده.
- يمكن أن يدفع التوغل الأوكراني في أراضي روسية إلى تبادل الأراضي مستقبلا بين البلدين أو حتى المحطات النوووية في حال السيطرة عليها.
- حماية منطقة سومي ما يمثل ضربة استباقية ضد القوات الروسية لطردها من هذه المنطقة وهز معنويات الجيش الروسي.
ويعتبر شوماكوف، أن “زيلنسكي وجه كل تركيزه للقتال في كورسك بينما يبقى الصراع في مناطق أخرى مثل دونباس أمرا شائكا وسط استخدام روسيا لأسلحة ثقيلة ما تسبب في تراجع القوات الأوكرانية”.
وأمام هذا الواقع يرى الكتحدث أن التوغل في مقاطعة كورسك وبيلغورود يبقى خيارا صعبا بالنسبة لأوكرانيا. متوقعا أن لا تتراجع كييف في المناطق التي تسيطر عليها مثل منطقة سوجي خاصة بعد تدميرها لعدد من الجسور الأمر، الذي من شانه عرقلة الهجوم الروسي.
ويشدد شوماكوف، على أهمية تقديم مزيد من الدعم العسكري لأوكرانيا التي عانت لفترة طويلة من تراجع الدعم الغربي مقابل تقدم القوات الوسية بدعم من حلفائها.