خاصصادرات الصين مهددة بسبب تعريفات ترامبمع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض الشهر المقبل، وفي ظل تصاعد تهديداته بزيادة الرسوم الجمركية على الصادرات الصينية، تبدو التوترات الاقتصادية بين واشنطن وبكين على أعتاب مرحلة جديدة قد تؤثر بعمق على نمو الاقتصاد الصيني.وبينما تتجه الأنظار إلى أداء الصادرات الصينية، التي تشكل محركاً رئيسياً للنمو، يتصاعد القلق بشأن تأثير هذه السياسات المرتقبة على مسار الاقتصاد العالمي.
في حين أسهمت الصادرات الصينية في تعزيز نمو الناتج المحلي الإجمالي خلال 2024 وسط تباطؤ سوق العقارات، فإن التوقعات لعام 2025 تشير إلى تباطؤ محتمل في وتيرة النمو، وفقاً لتحذيرات خبراء اقتصاديين بارزين. هذا التباطؤ قد يدفع بكين إلى البحث عن أدوات جديدة لدعم الاقتصاد، بينما تواجه تحدياً معقداً بين تحقيق الاستقرار الداخلي والرد على السياسات الحمائية الأميركية.
في هذا السياق، يحذر خبراء اقتصاديون من أن نمو الصادرات الصينية قد يضعف أو حتى ينكمش العام المقبل نتيجة للرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس دونالد ترامب، في الوقت الذي تهدد فيه الإدارة الأميركية القادمة بعرقلة مصدر حيوي للتوسع بالنسبة لبكين.
الصادرات الصينية ارتفعت بنحو 5.4% بالدولار من يناير إلى نوفمبر على أساس سنوي إلى 3.2 تريليون دولار، مما عزز نمو الناتج المحلي الإجمالي في وقت تكافح فيه السلطات لاستعادة الثقة خلال تباطؤ سوق العقارات المستمر.
لكن خبراء الاقتصاد يتوقعون على نطاق واسع تباطؤ النمو في العام 2025 بسبب الرسوم الجمركية، التي يقول كثيرون إنها ستزيد من حاجة بكين إلى تعزيز دعمها للاقتصاد .
ونقل تقرير لصحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية، عن كبير خبراء الاقتصاد الصيني في مورغان ستانلي، روبن شينغ، قوله إن الصادرات “كانت جزءاً كبيراً من النمو الاقتصادي في العام 2024.. وأعتقد بأن هذه المساهمة ستتقلص بالتأكيد”.
ورغم تباين التوقعات بشأن التأثير المحتمل لهذه الإجراءات (رفع الرسوم الجمركية من جانب الإدارة الأميركية)، فإن:
غولدمان ساكس يتوقع بأن تتراجع الصادرات الصينية بنسبة 0.9 بالمئة بالدولار الأميركي العام المقبل. في حين توقع يو بي إس ونومورا نمواً صفرياً في الصادرات.
بنوك أخرى، بما في ذلك مورغان ستانلي وآي إن جي، تشير إلى أن الصادرات ستستمر في الارتفاع، ولكن بمعدل أبطأ بكثير مما كانت عليه في العام 2024.
تشير تقديرات استطلاع للرأي أجراه خبراء اقتصاديون ونشرته شركة فوكس إيكونوميكس لاستطلاعات الرأي إلى أن نمو صادرات السلع الصينية سيبلغ 2 بالمئة فقط في العام 2025، وهو انخفاض حاد عن توقعات النمو البالغة 3.9 بالمئة قبل شهر.
تأثير التوترات التجارية
أستاذ الاقتصاد الدولي، الدكتور علي الإدريسي، يقول لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إن الاقتصاد الصيني يواجه تحديات كبيرة نتيجة التوترات التجارية المتصاعدة مع الولايات المتحدة، مما قد يترك تأثيرات واضحة على نموه في السنوات المقبلة، مستعرضاً بعض التأثيرات المحتملة على الاقتصاد الصيني، والتي تؤثر بدورها على معدلات النمو، على النحو التالي:
تراجع الصادرات التي كانت محركاً رئيسياً لنمو الاقتصاد الصيني .. ذلك أن فرض رسوم جمركية جديدة قد يؤدي إلى انخفاض الطلب على المنتجات الصينية في الأسواق الأميركية، مما يسهم في تباطؤ النمو الاقتصادي بشكل ملحوظ.
زيادة الضغوط الانكماشية، باعتبار أن انخفاض الصادرات من المتوقع أن يفاقم مشكلة الانكماش التي يعاني منها الاقتصاد الصيني، مما سيؤثر على الأسعار والأرباح، ويضيف مزيدًا من التعقيدات إلى المشهد الاقتصادي.
تراجع الاستثمارات الأجنبية، وذلك بالنظر إلى أن عدم اليقين الناتجة عن هذه التوترات قد تؤدي إلى انخفاض الاستثمارات الأجنبية المباشرة، مما سيؤثر بدوره على النمو الاقتصادي وفرص العمل.
ويشير إلى أن ثمة مجموعة من الإجراءات الصينية المتوقعة، بما في ذلك المضي قدماً في إجراءات تحفيز الاقتصاد المحلي، وكذلك السماح بخفض قيمة اليوان في العام 2025 كإجراء لمواجهة تأثير الرسوم الجمركية، بهدف تعزيز تنافسية صادراتها في الأسواق العالمية.
ويتوقع الإدريسي أن تؤدي هذه التوترات إلى تباطؤ في نمو الاقتصاد الصيني خلال العام 2025، مما سيزيد من حاجة الحكومة الصينية إلى تعزيز السياسات التحفيزية ودعم الاقتصاد المحلي للحفاظ على الاستقرار، في ظل انكماش التجارة الدولية.
ماذا يعني تباطؤ نمو الصادرات بالنسبة للاقتصاد الصيني؟
وفق تقرير الصحيفة البريطانية، فإن تباطؤ نمو الصادرات من شأنه أن يأتي في لحظة حرجة بالنسبة للاقتصاد الصيني. فقد حول الرئيس شي جين بينج التركيز نحو الطلب المحلي في مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي السنوي الأسبوع الماضي، في إشارة إلى الحاجة المتجددة إلى تعزيز النمو.
أظهرت أحدث البيانات الاقتصادية الصادرة الأسبوع الماضي ضعفاً غير متوقع في مبيعات التجزئة ، مما أضاف إلى الضغوط على صناع السياسات. وكانت بكين قد قدمت بالفعل تدابير في أواخر سبتمبر لدعم أسعار سوق الأسهم وحزمة إعادة تمويل للحكومة المحلية الشهر الماضي.
وحذر تشينغ من مورغان ستانلي من أن تباطؤ نمو الصادرات “من شأنه أن يجعل مشكلة الانكماش في الصين أسوأ”.
وقال متحدث باسم المكتب الوطني للإحصاء يوم الاثنين الماضي، إن البيئة الخارجية أصبحت “أكثر تعقيداً”.
فيما نقلت الصحيفة عن كبير خبراء الاقتصاد الصيني في بنك نومورا، تينج لو، قوله إن:
التعريفات الجمركية قد تبدأ في التأثير على صادرات الصين اعتباراً من منتصف عام 2025.
في سيناريو غياب العقبات مثل التعريفات الجمركية، يتوقع نمو الصادرات بنسبة 4-5 بالمئة.
كما أشار رئيس قسم الاقتصاد الصيني في كابيتال إيكونوميكس، جوليان إيفانز بريتشارد، إلى أن:
التعريفات الجمركية واسعة النطاق لن يتم فرضها حتى الربع الثاني من العام.
الصادرات ستظل “صحية” حتى ذلك الحين.
لكنه يتوقع انخفاضًا أكثر حدة بنسبة 3.5 بالمئة في العام 2026.
تأثيرات عميقة على الصين
كبير الاقتصاديين في شركة ACY، الدكتور نضال الشعار، يؤكد في تصريح لموقع اقتصاد سكاي نيوز عربية، أن:
السياسات الحمائية التي تتبناها الولايات المتحدة الأميركية ستلحق ضرراً بالغاً بالصين، خاصة في ظل فرض تعريفات جمركية مرتفعة على الصادرات الصينية.
الصين تعد واحدة من أكبر المصدرين إلى الولايات المتحدة، وهذه التعريفات ستؤدي إلى انخفاض كبير في حجم التصدير، مما سيؤثر سلباً على العملية الإنتاجية وعلى أغلب الشركات الصينية.
الصين في الماضي تمكنت من تحويل إنتاجها إلى دول أخرى مثل الفلبين وفيتنام وكمبوديا والهند للتخفيف من تأثير الضرائب الأميركية، لكنها لن تتمكن من فعل ذلك الآن بسبب تصريحات وإجراءات أميركية تهدف إلى ملاحقة الدول التي تسهّل دخول البضائع الصينية إلى السوق الأميركية بشكل غير مباشر.
وفيما يخص إمكانية رد فعل انتقامي من الصين، يستبعد الشعار ذلك في الوقت الحالي، موضحاً أن الصين ليست جاهزة حالياً اقتصادياً أو سياسياً لمواجهة الولايات المتحدة، خصوصاً في ظل الزخم الكبير الذي ستشهده السياسات الأميركية تحت قيادة الرئيس المنتخب دونالد ترامب، والذي يروج لشعار “أميركا أولاً”.
كما يشير كبير الاقتصاديين في شركة ACY، إلى أن الصين تميل إلى التفاوض بدلاً من التصعيد، وهو ما ظهر في ردود فعلها المتزنة بعد تصريحات ترامب بشأن احتمال زيادة التعريفات الجمركية مجدداً، مؤكداً أن السياسات الحمائية تؤثر سلباً على جميع الدول، سواء كانت مصدرة أو مستوردة، مما يجعل التفاوض الخيار الأكثر واقعية للصين لتجنب تصعيد إضافي.
ويتوقع في هذا السياق أن يشهد العام 2025 زيادة مؤكدة في التعريفات الجمركية على الصين، لكنه لا يعتقد بأن ترامب سينفذ أقصى وعوده بهذا الشأن. وبدلاً من ذلك، يرى أن التعريفات سترتفع بشكل معتدل، مما سيدفع الصين إلى إيجاد حلول عبر التفاوض لتخفيف الأعباء الاقتصادية. ويحذر من أن تنفيذ الحد الأقصى من الزيادات في الرسوم الجمركية قد يتسبب في ركود اقتصادي عميق في الصين، يصعب عليها تجاوزه.
نادر رونغ هوان: لاتزال أسس الاقتصاد الصيني إيجابيةضغوط واسعة
ووفق تقرير صحيفة “فايننشال تايمز”، تواجه بكين ضغوطا للوصول إلى هدفها الرسمي للنمو الاقتصادي السنوي البالغ نحو 5 بالمئة، وهو الهدف الذي قال شي هذا الشهر إنه “واثق تماما” من تحقيقه.
وقدر بنك غولدمان ساكس أن الصادرات ستسهم في نهاية المطاف بنحو ثلاثة أرباع نمو الناتج المحلي الإجمالي في العام 2024، وهو ما توقعه بنحو 4.9 بالمئة. ويتوقع البنك أن ينخفض هذا الرقم إلى 4.5 بالمئة العام المقبل نتيجة لفقدان نمو الصادرا.
ووفق الصحيفة، فقد استند خبراء الاقتصاد في تقديراتهم لنمو الصادرات والناتج المحلي الإجمالي إلى مجموعة من السيناريوهات المتعلقة بالرسوم الجمركية. على سبيل المثال، يتوقع بنك باركليز أن يتأثر الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تتراوح بين 0.8 و1 بالمئة بسبب التوترات التجارية، بافتراض فرض رسوم جمركية بنسبة 30 بالمئة.
لكن لاري هو، كبير خبراء الاقتصاد الصيني في ماكواري، قال إنه “من المستحيل تقريبا” التنبؤ بالصادرات نظرا لعدم اليقين بشأن “حجم وتوقيت وتنفيذ التعريفات الجمركية”.
قدرة الصين على المواجهة
على الجانب الآخر، يقول الخبير الاقتصادي من لندن، أنور القاسم، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”:
الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة ليست وليدة اللحظة، بل تمتد جذورها إلى السبعينيات.
مع تبادل تجاري يتجاوز 300 مليار دولار (في 2023)، يشكّل هذا الرقم نقطة قوة للطرفين.
الصين تتمتع بمزايا قد تفوق الولايات المتحدة، منها انخفاض تكلفة العمالة، وجودة الإنتاج.
بكين قطعت شوطاً كبيراً في تطوير الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدمة، مما يجعلها قادرة على منافسة الغرب حتى في مجالات كانت تحتكرها الولايات المتحدة.
وفي هذا السياق، يشدد على أن الصين من جانبها تمتلك عديداً من خيارات الضغط المختلفة على الاقتصاد الأميركي، منها على سبيل المثال:
فرض قيود على الشركات الأميركية العاملة في الصين.
رفع التعريفات الجمركية على البضائع الأميركية.
تعزيز التعاون مع الاقتصادات الناشئة مثل الهند وأميركا اللاتينية.
التوسع في مبادرات اقتصادية كبرى مثل “البريكس” ومنظمة “شنغهاي”.
ويشير القاسم إلى أن الاقتصاد الأميركي يواجه تحديات داخلية مثل التضخم واضطرابات أسعار الطاقة، بينما تستفيد الصين من شراكات استراتيجية مع روسيا ودول أفريقيا وآسيا، كما أن بكين تمضي بخطى ثابتة في تعزيز نفوذها العالمي، مما يجعل من الصعب على الولايات المتحدة محاصرتها.
ويعتقد الخبير الاقتصادي بأن “الصين لديها القدرة على معاقبة الولايات المتحدة اقتصادياً دون التأثير على استقرارها الداخلي، فيما تحتاج الولايات المتحدة إلى الصين أكثر مما تحتاج الصين إلى الولايات المتحدة”.
هذا الصراع -وفق القاسم- قد يأخذ أبعاداً جديدة مع عودة دونالد ترامب إلى السلطة. لكن حتى الىن تبدو الصين أكثر ارتياحاً في إدارة هذه الحرب لصالحها انتظاراً لما ستؤول إليه فترة ترامب.