إعداد: أحمد البشير

تواجه رئيسة الوزراء البريطانية الجديدة ليز تراس، امتحاناً صعباً في إعادة ترتيب البيت البريطاني، بعد «حكومة الزومبي» التي قادها بوريس جونسون، على مدار نحو ثلاث سنوات، وسيكون عليها إثبات جدارتها في التعامل مع قضايا جوهرية مثل التضخم وتفاقم أزمة كلفة المعيشة لدى شعبها، وخصوصاً ما يتعلق بالطاقة.

تعهدت تراس في خطاب تنصيبها رئيسة للوزراء بإعادة بناء الاقتصاد و«تجاوز العاصفة» التي اجتاحت بلادها، لكن هذه المهمة ستكون شاقة؛ إذ إنها ترث اقتصاداً متعثراً على شفا ركود طويل محتمل، مع تضخم قياسي من المتوقع أن يزداد سوءاً على مدار الأشهر المقبلة، فيما يعاني الملايين من البريطانيين للحصول على المساعدات الحكومية لتسديد فواتير الطاقة المرتفعة.

وسرعان ما بدأت تراس في تعيين أعضاء كبار في مجلس وزرائها أثناء تعاملها مع ملف قضايا هيمنت عليه أزمة الطاقة الناجمة عن الحرب الروسية الأوكرانية، والتي تهدد بوصول فواتير الطاقة إلى مستويات لا يمكن تحملها، وإغلاق الشركات وترك أفقر الناس في البلاد يرتجفون في منازلهم هذا الشتاء.

تكاليف الطاقة الباهظة

وعلى رأس جدول أعمال تراس، التعامل مع أزمة كلفة المعيشة المدفوعة بالارتفاع الصاروخي لتكاليف الغاز الطبيعي والكهرباء. واعتباراً من شهر أكتوبر/تشرين الأول المقبل، ستشهد ملايين الأسر ارتفاعاً في متوسط فاتورة الكهرباء السنوية إلى نحو 3500 جنيه إسترليني (4000 دولار)، أي ما يقرب من ثلاثة أضعاف ما دفعوه قبل عام، ومن المتوقع أن تستمر الفواتير في الارتفاع وقد تتجاوز حاجز ال 4 آلاف جنيه في بداية عام 2023.

وبدأت الزيادات الحادة في تكاليف الطاقة في العام الماضي؛ إذ تستورد بريطانيا نسبة صغيرة فقط من غازها من روسيا، لكن المملكة المتحدة تعتمد على الغاز أكثر من جيرانها الأوروبيين، لأن لديها موارد طاقة نووية ومتجددة أقل.

وبالمقارنة مع الدول الأوروبية الأخرى، تعتمد المملكة المتحدة بشكل أكبر على الغاز لتدفئة المنازل وتوليد الكهرباء، كما أن الدولة لا تمتلك نفس السعة لتخزين الغاز، ما يضطرها للشراء من الأسواق الفورية على المدى القصير.

وتحذر مؤسسات خيرية وصحية من أن الأزمة ستضرب الفئات الأشد فقراً مع حلول فصل الشتاء. وتقول المستشفيات إن تكاليف الطاقة ستؤثر في رعاية المرضى، بينما تحذر عشرات الشركات الصغيرة من أنها ستغلق أبوابها في حال لم تحصل على مساعدات حكومية عاجلة.

تضخم متصاعد

والأمر لا يتعلق فقط بالغاز والكهرباء، فقد ارتفعت التكاليف الأخرى، مثل الطعام، بشكل عام، كما ارتفع معدل التضخم منذ العام الماضي ووصل الآن إلى ما يزيد على 10% للمرة الأولى منذ أزمة أسعار النفط في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي.

والأسوأ قادم لا محالة؛ إذ توقع بنك إنجلترا أن الحرب في أوكرانيا قد تدفع التضخم في المملكة المتحدة إلى 13.3% الشهر المقبل. ويعتقد البعض، مثل بنك سيتي الأمريكي، بأن التضخم قد يرتفع إلى 18% في العام المقبل قبل أن يتراجع.

وقال غريغ ثويتس، الخبير الاقتصادي ومدير الأبحاث في مؤسسة «ريزوليوشن فاونديشن»، وهي مؤسسة فكرية للشؤون الاقتصادية والاجتماعية في المملكة المتحدة: «الأجور الحقيقية تنخفض بأسرع وتيرة مما كانت عليه منذ 45 عاماً على الأقل، أو منذ 100 عام».

تحذيرات من ركود طويل

وتوقع بنك إنجلترا أن الارتفاع الصاروخي في أسعار الطاقة سيدفع اقتصاد المملكة المتحدة إلى الركود في وقت لاحق من هذا العام، مع توقع انخفاض الناتج الاقتصادي في كل ربع سنة من عام 2023.

ويقول صندوق النقد الدولي إنه من المتوقع أن يشهد اقتصاد المملكة المتحدة أضعف نمو بين مجموعة الدول السبع في عام 2023. وأضاف ثويتس: «النقطة المهمة هي أن هذه الأزمة الحادة في مستوى المعيشة التي نعيشها الآن تأتي على خلفية 15 عاماً من النمو الضعيف للغاية في اقتصاد المملكة المتحدة».

خطة تراس

وحددت تراس ثلاث أولويات لحكومتها الجديدة وهي تخفيض الضرائب والتعامل مع ارتفاع فواتير الطاقة وإصلاح هيئة الصحة الوطنية، إلا أنها حذرت من أن ذلك لن يكون إلا «ضمادة مؤقتة على الجرح» من دون وجود إصلاحات اقتصادية جوهرية.

وستكلف حزمة التعامل مع فواتير الطاقة المرتفعة دافعي الضرائب 150 مليار جنيه إسترليني، مع وضع سقف لفواتير الطاقة؛ بحيث تكون بحدود 2500 جنيه سنوياً. وستكون هنالك توزيع معونات مالية بقيمة 400 جنيه إسترليني لكل فرد والتي من شأنها أن تخفف بشكل فعال حدة الارتفاع الهائل في أسعار الطاقة، والذي من المقرر أن يدخل حيز التنفيذ الشهر المقبل.

وقال جوشوا ماهوني، كبير محللي السوق في منصة التداول «آي جي»: «على المدى القريب، تبدو حزمة الطاقة هذه طريقة فعالة لتحقيق قدر أكبر من اليقين وتخفيف الضغط على بنك إنجلترا لزيادة أسعار الفائدة، لكن النتيجة طويلة الأجل، ستؤدي بلا شك إلى كومة أخرى من الديون التي ستحتاج في النهاية إلى تسديدها من خلال فرض ضرائب أعلى».

ثقة ضئيلة

وتظهر استطلاعات الرأي الوطنية وجود ثقة ضئيلة في قدرة رئيسة الوزراء الجديدة على مواجهة التحديات الاقتصادية. في حين يقول مؤيدوها إنها يمكن أن تتفوق على التوقعات المنخفضة، مشيرين إلى حقيقة أنها تفوقت بالفعل على الأشخاص الذين اعتقدوا بأنها ستخسر الانتخابات الداخلية لحزب المحافظين. ومهما كانت عيوب تراس، فمن الواضح أنها أكثر ذكاء في السياسة من الكثير من منتقديها. ويقول المحافظون إن مرشحتهم تتمتع بالخصال الأساسية لرؤساء الوزراء الفاعلين، وهي البراغماتية حول وسائل تحقيق الأهداف الموضوعة بقناعة لا هوادة فيها.

وإضافة إلى المشاكل الداخلية لبريطانيا، تواجه تراس وحكومتها الجديدة أيضاً أزمات متعددة في السياسة الخارجية، بما في ذلك الحرب في أوكرانيا والعلاقات الفاترة مع الاتحاد الأوروبي بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

وسيتعين علينا الانتظار لنرى تأثير التداعيات الاقتصادية للصراع الأوكراني، الذي دخل شهره السادس الآن، على الرأي العام في بريطانيا وحكومتها؛ حيث كانت رئيسة الوزراء الجديدة من المؤيدين المتحمسين لتزويد أوكرانيا بالأسلحة.


شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version