تعول البرتغال على تعطش نجمها كريستيانو رونالدو للثأر في مونديال قطر 2022، وتؤكد أنها المرشحة الأبرز لتصدر المجموعة الثامنة المفتوحة إلى حد ما، والتي تضم أيضاً الأوروغواي وغانا وكوريا الجنوبية القلقة على نجمها المصاب سون هيونغ-مين.
لا يشكك أحد في الدوافع المضاعفة ل«سي آر 7» المحروم هذا الموسم من أضواء مسابقة دوري أبطال أوروبا التي يتصدر ترتيب هدافيها عبر التاريخ، وبات المخضرم يجلس كثيراً على مقاعد البدلاء مع فريقه مانشستر يونايتد الإنجليزي.
لكن هل لا يزال لدى حامل الكرة الذهبية خمس مرات القدرة، في سن السابعة والثلاثين، ليكون على مستوى التطلعات في المناسبات الكبرى على غرار ما فعل بانتظام وبطريقة مذهلة على مدى ما يقرب من عقدين من الزمن؟
إذا سجل في مونديال قطر، سيصبح رونالدو أول لاعب يحرز هدفاً على الأقل في خمس نسخ مختلفة لكأس العالم (من 2006 إلى 2022)، ليتفوق على أسماء عظيمة أمثال الأسطورة البرازيلية بيليه والألمانيين ميروسلاف كلوزه وأوي سيلر.
وراكم كريستيانو رونالدو الألقاب والإنجازات منذ أن كان في العشرين من عمره، وها هو يخوض عن 37 عاماً المونديال الخامس في مسيرته مع الأمل في أن تكون المشاركة الأخيرة له تاريخية من خلال قيادة البرتغال إلى لقبها الأول.
خطوة وخيبة
منذ خطواته الأولى في كأس العالم عام 2006 (نصف النهائي)، عاش رونالدو الخيبة تلو الأخرى مع منتخب بلاده في الحدث الكروي الأهم على الإطلاق، بعد انتهاء المشوار عند ثمن النهائي عامي 2010 و2018، مروراً بالخيبة الأكبر عام 2014 حين غادر «سيليساو» أوروبا النهائيات بعد ثلاث مباريات فقط.
لكن النجم الفائز بجائزة الكرة الذهبية خمس مرات عوّض هذه الخيبات بعض الشيء من خلال الفوز بكأس أوروبا عام 2016، قبل أن يضيف التتويج الثاني في تاريخ بلاده عام 2019 في دوري الأمم الأوروبية.
في عمر يتفرغ فيه لاعبو كرة القدم لعائلاتهم بعيداً عن الملاعب، أو ينتقلون إلى التدريب والمهام الإدارية وحتى إلى تحليل المباريات على شاشات التلفزة، يواصل ابن ماديرا الاعتناء بجسده وسجلاته، فارضاً نفسه عنصراً لا غنى عنه في تشكيلة منتخب بلاده.
لكي يصل إلى جعل لقب «سي آر 7» ماركة عالمية، تطلب الأمر الكثير من الطموح في مسار يكاد يكون «غير طبيعي» على حد تعبير مدربه السابق في ريال مدريد الإسباني بطل مونديال 1998 الفرنسي زين الدين زيدان.
أن يكون أول من يصل إلى القمة، كان هذا الهدف الدائم لرونالدو، ما جعل أسلوبه الفردي عرضة للانتقادات في لعبة تعتمد على الجماعية بشكل أساسي.
وبألقابه الخمسة في دوري أبطال أوروبا (واحد مع مانشستر يونايتد وأربعة مع ريال مدريد)، فرض رونالدو نفسه لفترة طويلة ملك الكرة الأوروبية بصحبة غريمه الأبدي الأرجنتيني ليونيل ميسي الفائز بالكرة الذهبية سبع مرات قياسية.
ملامح تراجع
لكن المواسم الأخيرة أظهرت ملامح تراجع، إن كان مع يوفنتوس الإيطالي أو بعد عودته في صيف 2021 إلى فريقه السابق مانشستر يونايتد، حيث كان يمني النفس بلعب دور البطل، فانتهى به الأمر بالقتال من أجل مكان أساسي في تشكيلة «الشياطين الحمر».
مع مرور الأعوام، لم يعد رونالدو يتمتع بنفس القوة الدافعة وبات بعيداً عن المراوغ الذي كان عليه في بداياته الكروية، فتحول إلى قلب هجوم بغريزة تهديفية قاتلة قادته ليصبح أفضل هداف في تاريخ دوري الأبطال (140 هدفاً حتى الآن مقابل 129 لملاحقه ميسي).
ومع أكثر من 800 هدف في المباريات الرسمية (بينها 117 مع البرتغال في رقم قياسي وطني)، تجاوز رونالدو أيضاً الرقم الأسطوري المنسوب إلى «الملك» البرازيلي بيليه (767) وحقق رقماً قياسياً عالمياً جديداً بتجاوزه الأهداف ال 805 التي سجلها التشيكي جوزيف بيكان.
متعطش للنجاح
في الواقع، كان رونالدو متعطشاً للنجاح منذ الصغر في مسار جعله رمزاً للإنسان الذي تجاوز صعوبات جمة في حياته، بدءاً بطفولة صعبة مع والده الذي توفي عام 2005.
في الثانية عشرة من عمره، غادر الشاب كريستيانو رونالدو دوس سانتوش أفيرو جزيرة ماديرا الصغيرة في المحيط الأطلسي، ليستقر بمفرده في لشبونة.
كان مخاضاً صعباً للغاية بالنسبة لطفل هش وجد نفسه عرضة للسخرية من رفاقه في نادي سبورتينغ بسبب لهجته القوية.
مثير للجدل
لكن الزهد في العمل لا يمنع التركيز على الاحتفال بالنفس، ولا يتظاهر رونالدو بإخفاء كل الأشياء الجيّدة التي يفكر بها عن نفسه. قال في العام 2011 «لأني غني، وجميل ولاعب كبير، فالناس تغار مني».
ثروة، أقراط مرصّعة بالماس، فإن حياة رونالدو معروضة أيضاً بشكل واضح على حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي: أسلوب حياة فخم، سيارات فاخرة وطائرة خاصة.
لكن في السنوات الأخيرة، احتلت حياته العائلية مع عارضة الأزياء الإسبانية جورجينا رودريغيس وأطفاله الخمسة (لأكثر من والدة)، مكانة بارزة بشكل متزايد في الصور التي يظهر فيها أمام أكثر من 494 مليون متابع على إنستغرام، الموقع الذي يتصدر فيه قائمة أكثر الشخصيات من عدد المتابعين في كل أنحاء العالم.
مع تقدّمه في العمر، يبدو أن البرتغالي يحاول محو أكثر جوانبه المثيرة للانقسام، حتى لو كان لا يزال يثير بعض الجدل كما حصل مع مدربه الجديد في مانشستر يونايتد الهولندي إريك تن هاغ حين غادر الملعب قبل نهاية مباراة في الدوري الممتاز، ما أدى إلى إيقافه لمباراة.
لكن الآن، سيضع كل ذلك خلفه من أجل محاولة تعويض ما فاته في مشاركاته المونديالية الأربع السابقة وقيادة بلاده إلى المجد العالمي.