يضعنا 2022 على أعتاب نقلة نوعية نحو عوالم «الميتافيرس» التي تنتقل تدريجياً من استوديوهات أفلام الخيال العلمي إلى مكون أساسي في الاقتصاد الرقمي العالمي، حيث سيجلب اقتصاد «الميتافيرس» كمّاً كبيراً من الفرص للأفراد والعائلات والمؤسسات والحكومات على حدٍ سواء، وسيلعب هذا العالم دوراً حاسماً في توسيع نطاق الخيارات المهنية ويتيح فرصاً أكثر تنوعاً ومساواة للأفراد لتأسيس حياة مهنية ناجحة.
في عام 2021، غيّر موقع التواصل الاجتماعي المعروف «فيسبوك» اسمه إلى «ميتا» (Meta)، في محاولة لتجسيد وترسيخ مفهوم «الميتافيرس» المذهل، وهو عالم بديل ومزدهر ونابض بالحيوية، بل يمثّل في الواقع بيئة افتراضية ضرورية. وفي هذا العالم، من الممكن أن يكون لديك شخصيات وهويات عديدة لا حصر لها، شبيهة بالحياة الواقعية. شخصيات تلعب كرة القدم وتقرأ أعمال شكسبير الدرامية، وتعمل في أحد المقاهي الراقية في أي مكان في العالم، وتحضّر لك طبقك المفضل وغير ذلك المزيد.
ويؤكد خبراء أن البنية التحتية الرقمية في الإمارات وريادتها العالمية في تقنيات الأجهزة الذكية وإنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي وبلوك تشين والجيل الخامس يفتح الأبواب فرصاً غير مسبوقة أمام العديد من القطاعات في الإمارات وخصوصاً في الصحة والتكنولوجيا المالية «فينتك» والتجزئة وغيرها.
ويشير الخبراء أن العملة الرقمية المشفرة ستكون وسيلة التعامل الأولى في عالم الميتافيرس، وهو ما سيؤدي بدوره إلى خلق مجموعة متنوعة من الفرص القيّمة للأفراد والشركات لكسب العوائد في الاقتصاد الرقمي. وسواء كانوا أفراداً يبحثون عن وظيفة أو رواد أعمال ناشئين يطمحون إلى الارتقاء بأعمالهم إلى أبعد مدى وتحقيق أقصى استفادة من أحدث مجالات ريادة الأعمال المستجدة في الفضاء الإلكتروني، فإن العملات المشفرة ستمكّن هؤلاء الأفراد من تبادل المهارات والمنتجات والخدمات بسلاسة عبر الحدود، مما يمنحهم مرونة أكبر، ليس فقط في اختيار مكان العمل وعمليات البيع، بل أيضاً في اختيار طريقة عملهم لتحقيق أكبر قدر من التوازن بين العمل وحياتهم الشخصية التي يتصورونها لأنفسهم.
العامل النفسي
وبصرف النظر عن شخصيتنا أو خلفيتنا الثقافية، فإن لكل واحد منا تحيزاته الخاصة التي غرست فينا على مر السنين بسبب بيئتنا وظروفنا، ولكن في الميتافيرس سيتشكل الإدراك الحسي والتصوري بناءً على التفاعل الذي يبديه الناس فيما بينهم بعيداً عن التحيّزات الشخصية واللون والعرق والدين، وهذا بدوره يهيئ الناس لعالم من الفرص داخل هذا العالم الذي سيرتكز فقط على التفاعل والتكيّف والأداء.
إن رحلة الانتقال إلى عالم افتراضي أكثر شمولاً قد بدأت بالفعل مع ظهور منصات إنشاء مقاطع الفيديو القصيرة، التي تتولى دفة القيادة في هذا الاتجاه. وتشكل هذه قوة دافعة لتشجيع المستخدمين على استعراض وإثبات مهاراتهم ومواهبهم وشغفهم مع العالم.
من الأمثلة الواضحة على ذلك ما يحدث في منصة إنشاء وبث مقاطع الفيديو القصيرة الرائدة عالمياً «لايكي» Likee التي تشق طريقها سريعاً نحو القمة من خلال صانعي المحتوى الترفيهي عبر الأجهزة المحمولة وتمكينهم من تسخير مهاراتهم في مونتاج وتحويل الفيديو لإنشاء محتوى راق وفريد يعكس شخصيتهم وهويتهم وإتاحة المجال للوصول إلى مستويات غير مسبوقة من النجاح على المنصة. وهذا النوع من التواصل القائم على الاهتمامات والميول المشتركة بين صانعي المحتوى والجماهير ذات التفكير المماثل ينشئ مجتمعاً افتراضياً إيجابياً لم يعد للتحيّزات الشخصية أي دور مؤثر فيه.
محتوى
وقال ويك وانج، مدير العمليات في «لايكي»: يعد إنشاء المحتوى أمراً مهماً للغاية، غير أن العامل الرئيسي لإحراز النجاح بالنسبة لأي شخص يرغب في الانخراط في عالم «الميتافيرس» يكمن في توفير القيمة والمغزى العميق لبعضنا البعض. ولنأخذ إنشاء مقاطع الفيديو القصيرة كمثال عن ذلك. إنها الطريقة الإبداعية التي تمكّن الناس من الإجابة على الأسئلة التقليدية وهي: «ماذا» و «من» و «متى» و «أين» و «كيف». ولكي يتمكن صانعو المحتوى من جذب اهتمام الناس من حولهم، يحتاج هؤلاء إلى الاستماع إلى جمهورهم والتكيف مع التعليقات الواردة منه. وبهذه الطريقة فقط، سيكون بمقدورهم أن يصبحوا رواة قصص متميزين، وبأن يحفزوا مشاركة وتفاعل جمهورهم بطريقة أكثر فاعلية وإنتاجية، ويفتحون مجالًا واسعاً من الفرص الوظيفية، بصرف النظر عن مكان وجودهم في العالم، ومن دون التقيد بالحدود الجغرافية أو الديموغرافية وغير ذلك. وستكون هذه في الواقع رؤية «الميتافيرس» الرائعة التي تتيح للأفراد من جميع الأعمار ومن مختلف مناحي الحياة الالتقاء معاً في بيئة افتراضية منتجة ومزدهرة.
ويتوقع وانج أن يلعب اقتصاد «الميتافيرس» دوراً حاسماً في توسيع نطاق الخيارات المهنية، وسيتيح فرصاً أكثر تنوعاً للأفراد من جميع الأعمار ومن كافة الخلفيات الثقافية لتأسيس حياة مهنية ناجحة ومزدهرة.
مدينة صحية
وقال الدكتور بن الإدريسي، مدير العمليات والشريك المؤسس لـ «آيميديس»، وهي منصة تقديم الرعاية الصحية عبر الإنترنت والتي تعتمد تقنيّة البلوكتشين والذّكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء، مقرها الرئيسي في الإمارات ولها مكاتب في هولندا والفلبين، إن البنية التحتية الرقمية المتطورة في الإمارات تساعد على إطلاق المشاريع في بيئة الميتافيرس، مشيراً إلى أن الشركة تنوي قريباً إطلاق النسخة الأولية من «مدينة آيميديس الصحية» في الميتافيرس بحلول الربع الأول من عام 2022 في الإمارات والتي ستكون متاحة لمجموعة مختارة من مقدمي الرعاية الصحية، والذين بدأوا بالفعل في بناء مساحاتهم في الميتافيرس حيث سيقدمون خدمات من اختيارهم للمجموعات المهتمة.
وأضاف: شهد العالم في الآونة الأخيرة تحولاً حقيقياً وخاصة نتيجة جائحة «كوفيد-19»، الأمر الذي دفع العديد من المبادرات الواعدة في القطاع الصحي، لتوظيف وإدخال التقنيات المستجدّة في مجالات العمل والحياة كافّة. إن الفورة التي يشهدها العالم في مجالات بلوك تشين والواقع الافتراضي والمعزز إضافة إلى المراحل التي وصل إليها الذكاء الاصطناعي، ساهمت بشكل أو بآخر بتسارع التحول الرقمي عموماً ودفع الجميع نحو استخدام التقنيات هذه في حياتنا اليومية. نحن في آيميديس كنا سباقين في تطوير رؤيتنا خدمة منا للقطاع الصحي الذي عانى ومازال تحت ضغوط الجائحة، ودفع بمستويات الرعاية الصحية إلى الوراء. «مدينة آيميديس الصحية» أتت لتعطي الأولوية لجميع المرضى في بيئة آمنة، حيث يحصل المرضى على الرعاية المطلوبة ويسمح بتخصيص أطقم طبية مختلفة من مساحات جغرافية متعددة.
وأوضح بن الإدريسي إن الفرص التي يحملها الميتافيرس غير مسبوقة في الصناعة الصحية، والتي ستستمر بالتطور مع الوقت مع تطور التجهيزات الطبية والأجهزة الذكية وإنترنت الأشياء، ولكن ما هو أكيد اليوم أن استخدامنا لعالم الميتافيرس وربطه بتقنيات الذكاء الاصطناعي واستخدام بلوك تشين يفتح الأبواب أمام مرحلة جديدة بالكامل في هذا القطاع. كما توفر مدينة آيميديس الصحية الكثير من الفرص للشركات ومقدمي الخدمات (مثل التأمين وشركات صناعة الأدوية وغيرها) ومؤسسات الرعاية الصحية من استخدام المنصة لخدمة شريحة عالمية من العملاء والمرضى من حول العالم. كما سيتطور التفاعل الاجتماعي في الموضوعات الصحية إلى مستوى جديد من خلال التواصل المباشر بين الناس في بيئة آمنة داخل مدينة آيميديس الصحية.
فجوة
وقالت براير بريستيدج، رائدة الأعمال والرئيس التنفيذي لمجموعة «بريستيدج» في دبي، إن «الميتافيرس» لن يغير مستقبل الأنشطة التجارية والعلامات التجارية فحسب بل سيعمل على سد الفجوة بين الجنسين في قطاع التكنولوجيا خصوصاً.
وأضافت: حالياً، لا تتجاوز حصة النساء أكثر من 25% من الوظائف التقنية على مستوى العالم. لذا يتطلب سد الفجوة بين الجنسين تحولاً في التفكير والسلوك الجماعي. وأعتقد أن المرأة يمكن أن تبدأ في المساهمة من خلال الظهور بشكل أكبر في الميتافيرس ولكن بحذر، خصوصاً عند شعور بعض السيدات مؤخراً بعدم الارتياح وعدم الأمان عند زيارة تطبيقات وعوالم الواقع الافتراضي. لذا على النساء رفع مستوى تمثيلهن في الميتافيرس ليس كمستخدمات فحسب بل كمستثمرات ومهندسات للتكنولوجيا حتى نتمكن من التأثير على العوالم التي سنشغلها ونشكلها في المستقبل. لقد عملت منذ فترة طويلة مع الشابات كمرشدة مهنية وأفهم جيداً تأثير التمثيل على شبابنا والقيمة في استكشاف الاتجاهات بدلاً من تجاهلها. تحتاج النساء إلى الظهور في ميتافيرس في هذه المراحل المبكرة. لا يمكننا أن نطلب مقعدًا على الطاولة إذا لم نحضر للمساعدة في بنائه.
عمل افتراضي
ويقول إيلون ماسك، الرئيس التنفيذي لشركة «تيسلا» ورئيس «سبيس إكس»، بأن الطلاب لا يحتاجون إلى شهادة جامعية للعمل لدى الشركة وأن بإمكانهم تقديم طلبات التوظيف للعمل في أحد مصانعهم مباشرة بعد إنهاء تعليمهم الثانوي. وفي واقع الحال، هناك ما يقارب 15 شركة مرموقة عالمياً، مثل «أبل» و«آي بي إم» و«جوجل» و«هيلتون» و«نوردستروم» وغيرها لم تعد تطلب مؤهلاً تعليمياً للحصول على رواتب جيدة الأجر. إذن: ماذا يعني هذا بالنسبة إلى «الميتافيرس»؟ حسناً، لقد زاد العمر الافتراضي الفعلي للموظفين بدوام كامل في عالم «الميتافيرس» عملياً. وبدلاً من الحصول على وظيفة براتب جيد بعد التخرج من الجامعة، بإمكان الأفراد الحصول على فرص وظيفية مجزية في سن مبكرة جداً، مثل: مايكل سايمان، الذي حصل على وظيفة في «الميتا» المعروف سابقاً باسم «فيسبوك» في سن 17 عاماً، كما يعد تانماي باكشي أصغر مبرمج في شركة «آي بي إم واتسن» إذ يبلغ من العمر 15 عاماً، وغيرهما الكثير.
ولن تحظى القوى العاملة بإمكانية بدء رحلتها المهنية في وقت أبكر وحسب، بل من الممكن أن تستمر في العمل لفترة أطول من تلك المتعارف عليها في عالمنا الحقيقي. ويحتاج الناس عادةً إلى التقاعد في سن 65 أو 75 عاماً بحسب البلد الذي يقيمون فيه. ومن البديهي القول بأن مهاراتهم وقدراتهم المعرفية قد تتراجع مع اقترابهم من سن التقاعد، إلا أن هؤلاء الأفراد يكتسبون، خلال حياتهم المهنية، ثروة من المعرفة والخبرة وعلاقات التواصل التي من الممكن أن تنتقل إلى الجيل التالي. وفي عالم «الميتافيرس»، سيكون بمقدور كبار السن الجلوس بكل راحة وملاءمة في منازلهم وممارسة مهنة التدريس وعقد الاجتماعات وصفقات الوساطة، وغير ذلك الكثير. وبفضل ظهور مفهوم الرموز غير القابلة للاسترداد (NFTs)، سيكون بإمكانهم أيضاً إنشاء قطع فنية فريدة قابلة للبيع. مما يعني في نهاية المطاف وجود فرص لا حصر لها.