تستمر تفاعلات الأزمة الروسية الأوكرانية دون اتضاح خط مسارها في خضم دعاية غربية هائلة عن «غزو وشيك»، وغموض يلف الموقفين في موسكو وكييف، فاقم حالة عدم اليقين السائدة منذ أسابيع. وفي ظل التوتر، يتصاعد التشويق انتظاراً للحظة «العقدة الدرامية»، التي قد تكون حرباً شاملة أو محدودة أو مفاجأة أخرى لا يعلمها إلا القليل.
يعتبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الشخصية المحورية في هذه الأزمة، وتحت إمرته ثاني أقوى جيوش العالم وبيده لوحة الأزرار العسكرية والدبلوماسية، مثلما يصوره خصومه الغربيون. وفي المقابل تبدو شخصية نظيره الأوكراني فولودومير زيلينسكي مضطربة، فهو تارة يستجير بالغرب وتارة ينتقده، فقبل أيام انتقد بشدة الدعاية الغربية مؤكداً أنها تضخم خطر الحرب بما أفضى إلى تدمير اقتصاد أوكرانيا، وفي مؤتمر ميونيخ طالب الغرب بوقف مهادنة روسيا والمسارعة بضم بلاده إلى حلف «الناتو»، لكنه كغيره من المعنيين بالأزمة لا يعرف ماذا يريد بوتين، ولا يعرف أيضاً كيف ستنتهي هذه الأزمة. وبحسب ما يظهر من تطورات فإن زيلينسكي ليست لديه ثقة في موسكو، وأيضاً في العواصم الغربية. ويؤكد مراقبون أن هذا الرجل يوجد في وضع سياسي صعب جداً لا يمنحه هامشاً كبيراً للمناورة. وبعض من يدرسون شخصية زيلينسكي يؤكدون أن هذا الرجل الذي لعبت الصدفة دوراً في وصوله إلى رئاسة أوكرانيا بعد أن كان كوميدياً ناجحاً، يواجه الآن وضعاً قاسياً على مسرح حرب يمكن أن يجر أوروبا كلها إلى كارثة و«دراما» حقيقية، ربما لم تشهدها في العقود السابقة.
في بداية الأزمة نشر رواد مواقع التواصل الاجتماعي في أوكرانيا مقطع فيديو قديم من مسلسل «خادم الشعب»، يؤدي فيه زيلينسكي دور أستاذ تاريخ يصبح رئيس جمهورية، لكن المثير في أن «البطل» تفاجأ عندما أصبح رئيساً بفرار شعبه، وقد كان لهذا المقطع دلالات، وما تضمنه يكاد يصبح حقيقة سواء خوفاً من الحرب أو عند اندلاعها. ومع ذلك هناك من يرى أن زيلينسكي الذي كان ممثلاً ناجحاً في أعماله الفنية، يحاول أن يظهر في دور رجل الدولة القوي، على الرغم من الاختلاف الهائل بين خيالات الفن والواقع السياسي والأمني، فالعمل وسط أزمة عالية التوتر يحتاج إلى مواهب خارقة في أكثر من مجال لتجاوز هذا الوضع بأقل الخسائر. في إبريل 2019 حقق زيلينسكي فوزاً كاسحاً بانتخابات الرئاسة الأوكرانية وهزم منافسه الرئيس السابق بترو بوروشنكو (53 عاماً)، على الرغم من أنه لم يسبق له العمل في المجال السياسي. وفي طريقه إلى الرئاسة استخدم زيلينسكي شبكات التواصل الاجتماعي على نطاق واسع، وتفاعل مباشرة مع المواطنين خلال البرامج التلفزيونية، كما استخدم مقاطع فيديو قصيرة في الترويج لنفسه. وفي هذه الأزمة، فإن أكثر المقاطع تداولاً له في أوكرانيا فظهوره بزيه العسكري مع جنود على خط النار. وهذه الحقيقة ليست مشهداً تمثيلياً، وإنما واقعاً مؤلماً وضع أوكرانيا في قلب أخطر أزمة روسية غربية منذ نهاية الحرب الباردة، ربما ستشكل نقطة تحول في مسيرة زيلينسكي.